لقد اعتمدت خطة العصابة الصهيونية في احتلال الأرض الفلسطينية على فرية «أرضٌ بلا شعب لشعبٍ بلا أرض»، على أمل أن يتمكنوا من انتزاعها من بين أيدي أهلها انتزاعا، وإذ لم تنجح مساعيهم، ها هم يحاولون -بمساعدة حلفائهم- التهام ما تبقى منها بواسطة أفعى «الهجرة طوعا». مقترح ترامب الأخير إذنٌ بالتهجير الحقيقة أنَّ كتائب القسام لم تبادر بشنِّ هجوم «طوفان الأقصى» إلَّا استنادًا إلى معلومات استخباراتية مؤكدة بأنَّ الكيان الصهيوني يعدُّ العدة لهجومٍ وحشيٍّ مفاجئٍ على القطاع، فتتمكن قواته -بالاستفادة من عنصر المباغتة- من تدمير قدرات المقاومة ومن إخلاء القطاع من كافة السكان إلى أي مكان كان، فتستعيد السيطرة على القطاع، ومن ثمَّ التموضع فيه بصورة دائمة وإعادة استيطانه وفق خطة مزمنة، وفي غضون عام بعد أن يسود القطاع المستوطن هدوءٌ تام يعود الكيان -بعد اطمئنانه إلى نجاح المغامرة- لمداهمة «الضفة الغربية» التي يطلق عليها «يهودا والسامرة»، فيستهدف التجمعات السكانية «الضفاوية» بهجمات كثيفة ومباشرة تظل مستمرة حتى تنزح مضطرة إلى «المملكة الأردنية» المجاورة، مستكملًا بذلك العدوان المشين -في ظرفٍ سنةٍ أو بضع سنين- السيطرة التامة على كل شبرٍ من تراب فلسطين، إلَّا أنَّ مباغته من قبل المقاومة الفلسطينية بشنِّ «طوفان الأقصى» -على سبيل الاستباق- تسببت بخلط ما كان الكيان بصدد ترتيبه من أوراق، فخسر أطول معاركه على الإطلاق. وبالتوازي مع فشل «الكيان الصهيوعبري» في تحقيق أيِّ من أهداف هجومه البري والجوي والبحري يكون قد خسر معركة التهجير القسري، وعلى خلفية ذلك الفشل الذريع في تحقيق أهداف الحرب، لجأ «النتن ياهو» إلى حليفه «ترامب» لعله يسانده لتحقيق تلك الأهداف -وفي مقدمتها هدف التهجير- بالحيلة والالتفاف، فإذا ب«ترامب» يطرح مقترح تهجير السكان بذريعة تهيئة المكان لإعادة الإعمار، فاعتبرته سلطات الكيان إذنًا بالشروع في إخلاء «القطاع» من السكان، وها هي تعمل دون كلل أو ملل من أجل اضطرار «الغزيين» إلى الهجرة معتمدة على الاستغفال والإغراء قدر الإمكان. تواطؤ أبوظبي والرياض مجرد افتراض لا يكاد يخفى على أحد أنَّ حكام كلٍّ من «السعودية والإمارات ومصر» -ومعهم بعض الأنظمة العربية- يصنفون حركة المقاومة الإسلامية حركة «حماس» منظمة إرهابية، ومن هذا المنطلق شاطرت -بسرية تامَّة- «كيان العدوان» طموحه واهتمامه في استئصال شأفة المقاومة في الأشهر الأولى من الحرب الوحشية الظالمة وفي إفراغ «قطاع غزة» من أجنحتها السياسية والعسكرية وحاضنتها المجتمعية التي تعمل معها بصورة متناغمة، والملاحظ أنَّ مواقف تلك الأطراف المتحاملة على المقاومة مُدركةً منذ بداية المعركة، ويمكن الاستدلال على ذلك من احتواء مقال الكاتب «عصام شعبان» التحليلي المعنون [اختلاف حول التهجير واتفاق على دعم الحرب] الذي نشره في «العربي الجديد» بتأريخ 16 يناير 2024 المنصرم على ما يلي: (ونشرت وسائل إعلام عن مقترح «مركز الخليج» للأبحاث -وهو مركز سعودي- قُدِّم للخارجية الفرنسية، يتضمن إبعاد المقاومة الفلسطينية إلى الجزائر وإنشاء قوة عربية مشتركة في القطاع)، والمقترح يهدف -ممَّا نستشفه من نتن كلماته وقتامة حروفه- إلى تخليص «كيان العدو» ممَّا يتكلفة مع المقاومة من مصادمة تتصدى لوحشيته وعنفه فيتمكن من إفراغ القطاع من أهله والسيطرة عليه بأيسر جهدٍ وأقل كلفة. وفي الوقت الذي يستنكر خلفاء «ترامب» في الغرب مقترحه الهادف إلى اقتلاع الفلسطينيين عن أرضهم معتبرين ذلك انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية والأعراف الإنسانية المرعية نلاحظ أنَّ النظام الإماراتي قد عمل قدر المستطاع -عند صياغة بيان القمة العربية التي عقدت في الفترة المتأخرة في «القاهرة» - على إبقاء الباب مشرعًا أمام ما يسمى «هجرة سكان قطاع غزة الطوعية» مسديًا ل«كيان العدوان» خدمةً نوعية. وضع خطط وتدابير عملية لتهجير من المؤكد أنَّ خطة التهجير «الترامبية» -بالإضافة إلى تواطؤ بعض الأنظمة العربية- قد حفَّز سلطات «الكيان الصهيوني» على سرعة اتخاذ التدابير ورسم الخطط وتحديد الآليات اللازمة لإفراغ «قطاع غزة»الفلسطيني من محتواه السكاني، حتى تترافق عملية إعادة الإعمار التي ما تزال قيد الانتظار مع موجات متلاحقة من التدفق الاستيطاني، وقد أشير إلى شيء من هذا في سياق نص الخبر الصحفي المعنون [إسرائيل تقرر إنشاء إدارة خاصة لتهجير الفلسطينيين من غزة] الذي صاغه «زين خليل» ونشره في وكالة «الأناضول» في ال18 من فبراير الماضي بما يلي: (قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" -مساء الإثنين-: "أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي «يسرائيل كاتس» أنه قرر إقامة إدارة خاصة للمغادرة الطوعية لسكان قطاع غزة"). ومن المقرر أن تضم إدارة "التهجير" في وزارة الدفاع الإسرائيلية -بحسب ما ورد في مقال الكاتب «إبراهيم نوار» المعنون [حرب التهجير: ماذا يقول العرب وماذا تفعل إسرائيل] الذي نشره في «القدس العربي» في ال11 من مارس الجاري- (ممثلين عن وزارات: الشؤون الاستراتيجية، والخارجية، والداخلية، والمالية، والعدل، والمواصلات، بالإضافة إلى ممثلين عن الجيش، ومكتب منسق أنشطة الحكومة في المناطق المحتلة، وجهاز الأمن العام، ومجلس الأمن القومي، والشرطة). وسيوكل إلى هذه الإدارة -وفق المقال- (مهمة التنسيق مع الجهات الخارجية كافة بما فيها الوكالات اليهودية الصهيونية من أجل توفير مواطن بديلة للمهجَّرين، وتقديم عملية التهجير للرأي العام العالمي على أنها "هجرة طوعية").