إنَّ تمادي «الكيان الصهيوني» في ارتكاب المجازر ضدَّ أطفال «قطاع غزة» المحاصر يفقده ما يحظى به من تعاطف غربي بشكلٍ مستمر، بل لقد أدت بشاعة مجازره المتجاوزة كل ما ارتكب في تأريخ الحروب إلى انفضاض اليهود الأمريكان من حوله بشكلٍ حاد مصوبين نحوه ما لم يكن يعتاد من سهام الانتقاد. ازدراء تام للمبالغة في الانتقام ما من شكٍّ أنَّ دولة «الكيان» حظيت -بالإضافة إلى تعاطف يهود الشتات المنتشرين في معظم البلدان- بتعاطف غربي واسع جرَّاء ما تكبدته على أيدي مقاتلي المقاومة الفلسطينية من خسائر مادية ومعنوية في أول أيام معركة «الطوفان»، ولو أنَّ ردَّ فعلها على ذلك الهجوم قد اقتصر على عملٍ عسكريٍّ منضبط ومحدود، لاعتُبر ذلك من قبل اليهود والمسيحيين بل حتى من قبل أيِّ عدوٍّ لدود حقًّا مشروعًا في الدفاع عن نفسها وعن حقها في الوجود، لكنها اعتبرت ذلك الهجوم نيلًا من هيبتها، فقابلته بأبشع أنواع الانتقام مستهدفةً بحمم نيرانها الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال، ولم يستثنَ من نيران تلك الحمم الشديدة الاضطرام حتى الأجنة في الأرحام، فاستحال ذلك التعاطف -جرَّاء ما ارتكب في حق الأبرياء من الأطفال والنساء من مجازر بشعة وجرائم شنعاء إلى حالةٍ من الازدراء لا سيما في أوساط يهود أمريكا الذي نظم شبابهم مظاهرات في المدن الأمريكية الرئيسية مطالبين بإيقاف ما ترتكبه الآلة العسكرية الصهيونية من مجازر وحشية في حق الطفولة الفلسطينية معلنين تبرؤهم التام ممَّا تمارسه الدولة الصهيونية في حق الفلسطينيين الأبرياء الذي يرغبون في العيش بسلام من وحشية وإجرام، وذلك ما يمكن أن يستنبط من احتواء التقرير الإخباري المعنون [انقسام يهود أمريكا تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة.. وقول بعضهم: كفى وحشية] الذي نشرته «بغداد اليوم» الإخبارية في ال19 من أكتوبر 2023 على ما يلي: (أظهر دخول مجموعة يهودية إلى مبنى الكونغرس أمس الأربعاء في واشنطن للدعوة لإنهاء الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة انقسامات داخلية بين يهود الولاياتالمتحدة. واستعرض تقريرٌ لوكالة «فرانس برس» وجود ازدراء من يهود أمريكا للفتك الإسرائيلي بالأبرياء، فبعضهم يرفض الدعم الأمريكي ل«إسرائيل»، وآخرون يرفضون هجمات إسرائيل على المدنيين الفلسطينيين. وقد أبدت يهودية أمريكية تعاطفها التام مع الغزيين بقولها: "الفلسطينيون يريدون العيش مثلنا في مساحة 360 كم بسلام". أما «تالي فريدن» وهو يهودي أمريكي اعتقل في مشاركته بتظاهرات ضد اسرائيل فندد "بوحشيتها"قائلا: "إسرائيل تقوم بأعمال وحشية ونحن نقول لها لا تتحدثي باسمنا، لم يعد بإمكاننا تحمل هذه الفظائع"). تضامن اليهود اليساريين مع فلسطين في مقابل تحيُّز الأحزاب اليمينية في معظم أنحاء العالم للجرائم الوحشية الصهيونية في حق التجمعات السكانية الفلسطينية، تتخذ الأحزاب اليسارية مواقف منددة بما ترتكبه الدولة الصهيونية -منذ «طوفان الأقصى»- في حق أطفال ونساء فلسطين من حرب إبادة دائمة ومتجددة، ولا تلبث تناضل وتنادي -بشكل متواصل- بضرورة الوصول بالصراع الفلسطيني الصهيوني إلى حلٍّ شامل وعادل. ولم يكن تيار اليسار من يهود أمريكا «استثناء» عن التيارات اليسارية في البلدان ومن أتباع الديانات الأخرى، لأنَّ منظوماتهم القيمية القائمة على المبادئ الأممية الشديدة الإيمان بالمساواة في المواطنة غير معتدِّين بالتمايزات العرقية أو القومية أو الدينية تحملهم على الوقوف بحسن نية بجانب المظلومية الفلسطينية ومجابهة ما يمارس ضد الفلسطينيين من ممارسات تمييزية عنصرية من قبل السلطات الصهيونية، وذلك ما يمكن يُفهم بوضوحٍ من دراسة الحاج «محمد الناسك» التحليلية المعنونة [يهود الولاياتالمتحدة الأميركية في مواجهة تحديات حرب الإبادة في غزة] التي نشرها «مركز الجزيرة للدراسات» في ال9 من يوليو الجاري على الفقرات النصيَّة التالية: (ويُعتقد أنَّ بعض اليهود في اليسار يشعرون بالإحباط من تركيز اليسار اليهودي الشديد على الصهيونية، على حساب بناء منظمات يهودية تقدمية تخدم مجتمعاتهم وتتحدث إليهم. ويرى الباحث «بنيامين بالتاسر» أنَّ من الواجب على اليسار اليهودي مُواجهة الصهيونية، وأن ينتظم تضامنًا مع الفلسطينيين. وكانت المظاهرات المؤيدة للقضية الفلسطينية من تنظيم مجموعتين، هما "IfNotNow"، وهي منظمة يهودية مناهضة للاحتلال، و(JVP) "Jewish Voice for Peace"، المناهضة للصهيونية بشكل واضح والمثيرة للجدل في العالم اليهودي، ويبلغ عدد أعضائهما أكثر من 22000 عضو، انضم الآلاف منهم منذ 7 أكتوبر، ويضم مجلسهما الاستشاري شخصيات يهودية بارزة مثل نعوم تشومسكي (Noam Chomsky) ونعومي كلاين (Naomi Klein) وجوديث بتلر (Judith Butler). وتعمل كلتا المجموعتين -إلى جانب شركاء آخرين من اليسار اليهودي المتنامي- على حشد آلاف اليهود الأميركيين للاستفادة من دورهم الفريد في هذا المخطط الأميركي الإسرائيلي الفلسطيني للمطالبة بإنهاء حرب إسرائيل على غزة. وقد شكَّل اليسار اليهودي في شيكاغو تحالفًا تأريخيًّا جديدًا. بعد 7 أكتوبر مباشرة، ونظَّمت رئيسة فرع شيكاغو لمنظمة (JVP) في شيكاغو والباحثة في دراسات السلام، آشلي بوهرر (Ashley Bohrer)، سلسلة من الاجتماعات بين نشطاء التضامن مع فلسطين لبناء ما أسمته "جبهة موحدة"ضدَّ حرب الإبادة).