أظهرت صور أقمار صناعية، التقطت مؤخرا حجم الدمار الذي لحق بمدينة غزة بعد أشهر من القصف الإسرائيلي المكثف، إذ تساقطت الأبراج السكنية وتحوّلت الأحياء إلى أطلال، بينما يواصل السكان رحلة نزوح قسري بلا وجهة آمنة. ويؤكد الدفاع المدني الفلسطيني أن ما لا يقل عن 50 مبنى متعدد الطوابق دُمّرت خلال الأسابيع الأخيرة، في حين شهدت أحياء مثل الزيتون وصبرا تدميرا شبه كامل لأكثر من 1500 منزل ومبنى منذ مطلع أغسطس/آب. وأفادت وسائل اعلام بأن آلاف العائلات تتجه نحو جنوب ووسط القطاع، لكن كثيرين يعودون بعد عدم تمكنهم من العثور على مأوى. والطريقان الرئيسيان –صلاح الدين والرشيد الساحلي– لا يوفران مرورا آمنا؛ الأول مغلق بقناصة الجيش الإسرائيلي، والثاني مكتظ بالخيام ومخاطر الاستهداف، وحتى منطقة المواصي التي أعلنتها إسرائيل "منطقة إنسانية" لا تسلم من القصف، ويؤكد الغزيون أنه "لا مكان آمنا في القطاع". وتكشف صور أقمار صناعية حديثة، مشاهد صادمة لدمار واسع في شمال غزة، إذ سُويت أحياء كاملة بالأرض، وتعرضت مستشفيات ومدارس ومساجد ومنازل لأضرار جسيمة أو دمار كلي، في حين توضح لقطات "قبل وبعد" حجم الكارثة التي لحقت ب9 أحياء رئيسية. وكثّفت قوات الاحتلال الإسرائيلي عملياتها العسكرية في حي الشيخ رضوان شمال غربي مدينة غزة، أحد أكثر الأحياء اكتظاظا بالسكان والمشهور بأسواقه وأزقته الضيقة. وشهد الحي خلال الأسابيع الأخيرة توغلات للدبابات الإسرائيلية أسفرت عن تدمير منازل واندلاع حرائق التهمت خياما للنازحين. كما يُعدّ حي الرمال وسط مدينة غزة من أبرز أحيائها الحيوية، إذ يضم مستشفى الشفاء، أكبر مرفق طبي في القطاع، إلى جانب الميناء ومقار عدد من الوكالات الأممية. كما تحتضن المنطقة الجامعات الكبرى، مثل الإسلامية والأزهر والأقصى. وخلال الأسابيع الماضية، دمّر القصف الإسرائيلي أبراجا بارزة، بينها برج مشتَهى وبرج السلام وبرج طيبة، فضلا عن عشرات المباني السكنية. وتحوّل حي التفاح شرقي مدينة غزة، المعروف بأسواقه ومدارسه وحيويته الاجتماعية، إلى أنقاض بعد سلسلة من الغارات الإسرائيلية العنيفة. وأظهرت صور أقمار صناعية اختفاء كتل سكنية بأكملها، في مشهد يعكس حجم الدمار الذي لحق بالمنطقة. وشهد حي صبرا المجاور لحي الزيتون جنوب مدينة غزة تدميرا واسعا، حيث هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ أغسطس/آب أكثر من ألف مبنى في المنطقة، مما خلّف نزوح مئات العائلات بين ركام المنازل أو في العراء بلا مأوى. ويُعدّ حي الزيتون جنوبي مدينة غزة من أكبر أحيائها وأكثرها كثافة سكانية، وكان يتميز بأسواقه وبساتين الزيتون وحياة مجتمعه المتشابكة. غير أن القصف الإسرائيلي الأخير دمّر أحياء بأكملها، وسوّى منازلها بالأرض، ليغدو الحي ركاما ممتدا. وتعرض حي الشجاعية شرقي غزة لغارات جوية متكررة وعمليات برية إسرائيلية على مدى الأسابيع الماضية، في حي على تماس مباشر مع الحدود الإسرائيلية. والحي، الذي كان يعد مركزا سكانيا وتجاريّا كبيرا، فقد معظم أسواقه ومبانيه، ليصبح من أكثر المناطق تضررا في القطاع. ومحَت الجرافات الإسرائيلية حقول الفراولة في بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، والمعروفة لدى السكان باسم "الذهب الأحمر". والمنطقة، التي اشتهرت بالإنتاج الزراعي الغزير، يشهد سكانها الآن مجاعة مؤكدة وفق تقارير أممية صدرت في أغسطس/آب. وشهد بيت حانون جنوب بيت لاهيا دمارا واسعا، وسط إغلاق معبرها مع إسرائيل والمعروف باسم معبر بيت حانون "إيريز"، مما فاقم الأزمة الإنسانية ومنع وصول المساعدات إلى السكان. وتظهر صور "قبل وبعد" حجم الخسائر في المباني والبنية التحتية، مؤكدة شدة تأثير القصف على الحي. كما تعرض مخيم جباليا للاجئين، الأكبر في قطاع غزة والمُقام منذ نكبة 1948، لضربات متكررة. والمدارس الثلاث التي كانت تديرها الأممالمتحدة تحولت إلى ملاجئ لمئات العائلات المشردة، في حين أصبحت أحياء المخيم شبه ممسوحة، ما يعكس حجم الدمار الذي حل بالمكان. بعد أشهر من القصف والحصار، تحولت مدينة غزة إلى مدينة أشباح، اختفت أبراجها التي كانت تزين أفقها، وتحولت أحياؤها الحيوية إلى ركام، فيما لم تسلم أسواقها وجامعاتها ومستشفياتها من التدمير. وتكشف صور الأقمار الصناعية "قبل وبعد" حجم الدمار، لتطرح سؤالا موجعا عن مصير أكبر مدن القطاع: ماذا تبقى منها؟