حضرموت اليوم تغلي، وأهلها يختنقون وسط صمتٍ مطبق من سلطات عاجزة ومتصارعة على فتات الجبايات، لا همّ لها إلا تقاسم الغنائم وفرض الإتاوات، وكأنهم ورثوا المحافظة بمن فيها. الكهرباء تنهار، الماء مقطوع، المستشفيات بلا خدمات، والناس تشتعل أجسادهم حريقًا من الحر والغلاء، بينما المسؤولون يمرحون بين قصورهم ومواكبهم، وكأن ما يحدث لا يعنيهم. كيف ينام عمرو بن حبريش على وسادته وهناك آلاف البيوت في المكلا وسيئون والشحر بلا كهرباء منذ أيام؟ بأي ضمير يغفو المحافظ مبخوت بن ماضي بينما الناس تصرخ في الطوابير بحثًا عن قطرة ماء أو لتر ديزل لتشغيل مولداتهم التي احترقت من كثرة الضغط؟ بأي قلب تُدار هذه المحافظة التي كانت تُعرف ب"أرض الخيرات"، وهي اليوم تغرق في الظلام والشلل والفوضى؟ حضرموت تُنهب كل يوم أمام أعين أبنائها، تُنهب مواردها، تُلهب أعصاب أهلها، وتُسحق كرامة المواطن فيها تحت أقدام نخبة سياسية لا تجيد إلا الخصومة والاتهامات والبيانات العقيمة، في الوقت الذي يعيش فيه المواطن أزمات متلاحقة لم تعد تُحتمل. لا حديث اليوم في الشارع إلا عن الغلاء الفاحش وانعدام المشتقات النفطية، عن انقطاع الكهرباء بالساعات الطويلة في هذا الحر القاتل، عن الماء الذي لم يعد يصل إلى منازل الناس إلا بشق الأنفس، وعن الفوضى التي تعم الشوارع والطرقات والمحطات والأسواق وحتى المستشفيات التي أصبحت عاجزة عن استقبال الحالات الحرجة بسبب ضعف الكهرباء ونقص الديزل. وما زال المسؤولون يتقاذفون المسؤولية في مشهد مخزٍ من التفاهة السياسية والانحدار الأخلاقي.
أي خصومة هذه التي تسمح لكم أن تحوّلوا حضرموت إلى ساحة خراب؟ أي خلاف هذا الذي يجعل منكم شركاء في قتل المواطن البسيط بالبطيء؟ أنتم لا تمثلون أحدًا سوى أنفسكم، وخصومتكم اليوم باتت ضد المواطن، ضد الإنسان، ضد الحياة. صراعاتكم القذرة جوعت الناس، وأذلتهم، وجعلت الكرامة تُباع في الطوابير. حضرموت لا تحتاج لمزيد من التنظير والمزايدات والخطب الفارغة، تحتاج إلى رجال، تحتاج إلى قادة يملكون ضميرًا حيًا، لا إلى خصوم تافهين لا يعرفون من السياسة إلا حسابات المصالح الشخصية والجهوية الضيقة.
لتعلموا أن الناس لم تعد تصدقكم، ولا تعوّل عليكم، بل تلعن كل ساعة تمر وهم فيها بلا ماء ولا كهرباء ولا دواء. الحضارم ليسوا خرافًا تُساق، ولا قطعانًا تُباع وتُشترى في مزادات السياسة، بل هم شعب كريم أبيّ، سيسجل التاريخ كل من أسهم في إيذائه، بالصمت أو بالتخاذل أو بالتواطؤ. وأنتم – أيها الخصوم – ستظلون عارًا يلاحقكم كلما اشتد الحر على طفل في بيت، وكلما بكى مريض في مستشفى، وكلما صرخ محتج في شارع من شدة القهر والجوع والخذلان.
حضرموت تستحق أفضل من هذا العبث، وأهلها يستحقون حياة كريمة، لا حفنة جباة يتصارعون على ما تبقى من فتات.