على مدى خمسة وثلاثين عاماً، عاش أبناء الجنوب تحت وقع عشرات الآلاف من القرارات الجمهورية التي نزلت كالصواعق على رؤوسهم، تقرعهم قسوتها وتعمّق جراحهم. قرارات لم تترك جانباً من حياتهم إلا وأصابته بالضرر، بدءاً من إلغاء اتفاقيات الوحدة التي ذهب إليها الجنوبيون بنوايا صادقة، مروراً ب تسريح عشرات الآلاف من الموظفين العسكريين والمدنيين الجنوبيين، وصولاً إلى خصخصة المصانع الجنوبية وبيعها بثمن بخس، ناهيك عن إلغاء الدينار الجنوبي وفرض العملة الشمالية، وما تبع ذلك من إقصاء ونهب وتهميش.
آلاف القرارات صدرت تباعاً، حوّلت الجنوب إلى ساحة مفتوحة للنهب، وأفقرت المواطن الجنوبي، ودمّرت مؤسساته الاقتصادية والإدارية. ومع ذلك، لم نسمع صرخات اعتراض تُذكر، ولم نرَ الضجيج الذي نسمعه اليوم.
قرارات الماضي دمّرت الجنوب... وقرارات اليوم تصلحه
واليوم، عندما أصدر الرئيس عيدروس الزبيدي خمسة قرارات فقط، لا تمس سوى إعادة ترتيب البيت الجنوبي وتصحيح المسار، إذا ببعض الأصوات ترتفع وكأنما القيامة قد قامت!
أي مفارقة هذه؟ وكيف يُعقل أن يُسكت عن آلاف القرارات التي استهدفت الجنوب في عمقه، بينما يُثار الجدل حول بضعة قرارات إصلاحية جاءت في إطار مسؤولية وطنية؟
إن ما اتخذه الرئيس الزبيدي ليس إلا خطوات أولى في سبيل إعادة الاعتبار للجنوبيين، وإنصافهم بعد عقود من الإقصاء، وهي قرارات لمصلحة الشعب الجنوبي قبل أي شيء آخر.
ومن هنا أدعو كل أبناء الجنوب وكل من يحمل همّ هذا الأرض: لنقف صفاً واحداً خلف خطوات الإصلاح التي تصبّ في مصلحة شعبنا. المطلوب الآن هو التضامن والعمل لا الشتات والاختلاف، فمصير الجنوب يحتاج إلى قرارٍ جماعيٍ يُعلي المصلحة العامة فوق كل اعتبارات. فلنُعطِ هذه القرارات فرصة التطبيق ولنقِف جميعاً ضد كل ما يهدد أمننا ومستقبل أولادنا.