خطاب "حسم المعركة" في المكلا والساحل: بن حبريش بين الوهم وخطر التحريض *- شبوة برس – أبو أحمد السيباني الحديث عن "حسم معركة في المكلا شرقًا وغربًا وفي وقت واحد" قد يبدو خطابًا تعبويًا مؤثرًا، لكنه لا يمت بصلة للمعايير العسكرية التي تُدار بها العمليات في البيئات المعقدة. فالعسكرية ليست شعارات أو حماسة قبلية، بل منظومات دقيقة من القيادة والسيطرة والإمداد والاستخبارات والخبرة الميدانية. حلف قبائل حضرموت — عند تأسيسه — يمتلك وزنه الاجتماعي وعمقه التاريخي داخل المحافظة، ولا يمكن إنكار دوره كقوة مجتمعية مؤثرة. غير أن تحويل أي كيان قبلي إلى قوة نظامية قادرة على خوض حرب مدن متزامنة في مدينة مترابطة ومكتظة مثل المكلا، يتطلب قدرات عملياتية لا يمكن توفرها إلا عبر بناء مؤسسي طويل الأمد، من أهمها: 1️⃣ قيادة عسكرية موحدة ومنضبطة 2️⃣ غرفة عمليات مركزية بإدارة محترفة 3️⃣ تسليح نوعي ودعم لوجستي مستدام 4️⃣ قدرة على تأمين خطوط الإمداد على مدار الساعة 5️⃣ خبرة مثبتة في حرب المدن وعمليات مكافحة الإرهاب هذه العناصر لا تتوفر إلا في القوات النظامية المتمثلة في النخبة الحضرمية وقوة الدعم الأمني، وهي تشكيلات بُنيت منذ عام 2016 وما بعدها وفق برامج تدريب احترافية، واختبرت جاهزيتها ميدانيًا في تحرير ساحل حضرموت، وأثبتت قدرتها على إدارة أمنه بكفاءة طوال السنوات الماضية. هذه القوات تمتلك منظومات انضباط، وهيكل قيادة متقدم، وقدرات استخباراتية، وتكاملًا عملياتيًا يجعلها — بحكم التكوين — الجهة المؤهلة لحفظ الأمن وإدارة أي تصعيد محتمل. في المقابل، فإن أي تشكيل يعتمد على الحشد القبلي — مهما بلغ عدده — سيصطدم بثلاثة عوامل حاسمة مع اللحظة الأولى من المواجهة: 1. انقطاع الإمداد بمجرد دخول التصعيد مرحلة جدية 2. غياب منظومات القيادة والسيطرة المحترفة 3. العجز عن إدارة معركة مدن طويلة أو الحفاظ على المواقع ويضاف إلى ذلك عامل شديد الحساسية يغفل عنه الخطاب التحريضي، وهو الخدمات الطبية القتالية. فالإخلاء الطبي من ميدان المعركة للجرحى والقتلى يحتاج إلى: غرف عمليات ميدانية متنقلة أطقم إسعاف مؤهلة وقود وإمدادات غير منقطعة تجهيزات طبية متقدمة طائران نقل عسكري حوامات مستشفيات مركزية قادرة على التعامل مع الإصابات الحرجة منظومة نقل دم فعالة وهذه الإمكانات لا تتوفر إلا في وادي حضرموت. وهنا تكمن الطامة الكبرى إذ يؤدي غياب الدعم الطبي إلى انهيار أي قوة قبلية في الساعات الأولى من المواجهة، مهما بلغ حماسها. وعليه، فإن التلويح بخطاب "الحسم السريع" لا يخدم أحدًا، بل يدفع القبائل إلى موقع الخسارة المباشرة، والخاسر الأول والأخير هم أبناء حضرموت. الأمن في حضرموت ليس أداة للمزايدة السياسية، والحديث عنه يجب أن يستند إلى تقييم عسكري واقعي ومسؤول. فالقوات النظامية وُجدت لتحمي الجميع، بينما يظل دور القبيلة اجتماعيًا توافقيًا، لا منصة لفتح معارك لا تخدم إلا خصوم حضرموت. حضرموت أكبر من بيانات التحريض... وأمنها ليس ميدانًا لتجارب الشعارات. والحكمة تفرض أن نسأل: ماذا سيحدث بعد الطلقة الأولى؟ قبل أن نردد وعود "نصر مسبق" لا ينسجم مع ميزان القوى ولا مع حسابات الميدان. كتب / أبو أحمد السيباني