في قرية المشيرفة الواقعة في شمال إسرائيل، لا يخرق الهدوء الذي يخيم على القرية سوى أصوات صياح الديكة أو صوت الأذان الذي ينطلق من المسجد المحلي بالقرية. وتبدو تلك القرية بعيدة عن الصراع الأهلي الدائر في الجوار على الأراضي السورية، والتي دخلت قوات المعارضة فيها مؤخرا صراعا داميا مع القوات الحكومية قريبا من العاصمة السورية دمشق. إلا أن تلك القرية تعد موطن مؤيد أغبارية، عامل البناء ذي الثمانية والعشرين ربيعا، والذي لقي مصرعه الشهر الماضي في ضواحي العاصمة السورية دمشق. وأظهرت مقاطع الفيديو والصور التي تناقلتها شبكة الإنترنت ووسائل الإعلام جسد مؤيد مضرجا بالدماء. وتحدث إلي والده زكي أغبارية قائلا "من المعلومات التي تمكنّا من جمعها، أن مؤيد حصل على تذكرة ذهاب إلى تركيا، ويبدو أنه توجه من هناك إلى داخل الأراضي السورية". وقال زكي إن ابنه مؤيد كان شديد التدين، وكان يظهرا تعاطفا شديدا مع الجهاديين كما كانت لديه رغبة في السابق لأن يتوجه إلى أفغانستان أو العراق للقتال هناك، وفشلت محاولات من حوله في تغيير تلك الأفكار لديه. ومع اختفائه في أغسطس/آب، ساورت عائلتَه بعض الشكوك حيال ذلك، إلا أنها لم تكن تعلم أنه انضم إلى جبهة النصرة، إحدى الجماعات الجهادية التي لها علاقة بتنظيم القاعدة. وقال أغبارية "لم يفاجئنا ذلك الخبر، فقد كنا نعلم أن مؤيد ومنذ مرحلة المراهقة كان يرغب في تركنا والالتحاق بحركة من حركات المقاومة حتى يقاتل باسم الله ويصبح شهيدا". وأضاف "كان يرى أنه يساعد إخوانه من المسلمين ممن وقعوا ضحية لهذا الصراع". وتظهر لافتة كبيرة علقت على حائط منزل عائلته أنها تحتفي بابنها الشاب "الشهيد" وتضع على تلك اللافتة بعض المقتبسات الدينية التي تتداولها تلك الحركة الجهادية على مستوى العالم. توسع وكان مئات المقاتلين من الدول العربية والأوروبية قد تمكنوا خلال العام الماضي من دخول الأراضي السورية للانضمام إلى قوات المعارضة المسلحة التي تقف في مواجهة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأغلبهم من المتدينين المسلمين الذين تتراوح أعمارهم ما بين العشرينات وأوائل الثلاثينات. إلا أن مقتل رجل من المشيرفة وجه الأنظار إلى فكرة المواطنين الإسرائيليين ممن يقاتلون في صفوف المعارضة السورية. وتشير تقديرات إلى أن ما يتراوح بين 15 إلى 30 فردا من العرب الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية قد توجهوا إلى سوريا. وقال جوناثان فاين، وهو خبير في الجماعات الدينية المتطرفة بالمركز متعدد التخصصات "آي دي سي" بمدينة هرتسيليا الإسرائيلية "إن هذه تعد ظاهرة عالمية، لذا فأنا لم أفاجأ بأن قلة من العرب ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية يشاركون أيضا في ذلك لكن الرقم يعتبر أمرا هامشيا، إلا أنه ينبغي لنا أن نتابعه بحرص". وكان جهاز الأمن الداخلي في إسرائيل "الشين بيت" قد صرح في وقت سابق أنه ينظر إلى توجه العرب الإسرائيليين إلى سوريا على أنه "ظاهرة شديدة الخطورة". حيث يتمثل الخوف من عودة هؤلاء إلى بلادهم بعد أن صقلوا مهاراتهم القتالية وتبنوا أفكارا أكثر تطرفا. وقيل إن فلسطينيين اثنين من بلدة أم الفحم الشمالية توجها إلى سوريا في نفس الوقت الذي توجه فيه أغبارية إلى هناك. ورفضت أم أحدهما أن تجرى مقابلة معها، إلا أنها قالت إنها كانت "قلقة" على ابنها. وفي أغسطس/آب، أدين أحد طلاب الصيدلة من مدينة الطيبة الواقعة شرق إسرائيل، بالتواصل مع أحد الوسطاء من طرفٍ معادٍ. وفي وقت مبكر من العام الجاري، ألقي القبض في مطار بن غوريون على رجل آخر من نفس المدينة كان قد انضم إلى صفوف قوات الجيش السوري الحر وحكم عليه بعد ذلك بالسجن 30 شهرا. مخاوف مستقبلية انضم مئات المقاتلين للمعارضة السورية من مختلف دول العالم أما المجتمع العربي الإسرائيلي، فلم يشهد على هذا المستوى لغطا كبيرا يدور حول الشباب الذين يتوجهون للقتال في سوريا. كما أن الخبراء يرون أن ذلك لا يعتبر أمرا يشجع عليه المشاهير من الدعاة الإسلاميين. كما أن الجناح الأكثر تشددا من الحركة الإسلامية المحافظة في إسرائيل يحظى بدعم قوي في الشمال وهو يدعم المعارضة السورية رسميا. وأكد الشيخ كمال الخطيب، نائب رئيس الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر، مؤخرا لراديو الشمس –الذي يقع مقره في مدينة الناصرة- بأن الحركة "تدعم الثورة السورية" لكنه أوضح أن ذلك بحدود. وقال "لكننا نرى أن الشعب السوري يمكنه أن يحمل هذه المسؤولية على عاتقه وحده فنحن الفلسطينيون نحمل مسؤولية ما يحدث على هذه الأرض، حيث تقع قضايانا الساخنة على رأس أجندتنا، ولا نسعى للبحث عن ساحات معارك خارج حدودنا". وعلى المستوى الرسمي، لا تزال إسرائيل في حالة حرب مع سوريا إلا أنه وخلال العامين الماضيين، يخيم الهدوء بشكل نسبي على المنطقة الحدودية. إلا أن هناك مشاعر قلق متزايدة حيال التواجد المتنامي للمسلحين التابعين لتنظيم القاعدة على خط وقف إطلاق النار في المناطق التي تحتلها إسرائيل من هضبة الجولان. ويقول فاين "ستصبح هضبة الجولان مصدرا للمشاكل دون أدنى شك، حيث يتمثل القلق في الستة آلاف مسلح ممن يتواجدون في تلك المنطقة، وقد وقعت بالفعل بضع عمليات تبادل لإطلاق النار هناك". وحتى الآن، لا يضع تنظيمُ القاعدةِ القضيةَ الفلسطينية ضمن أولوياته، بل إنه قلما كان يستهدف إسرائيل إلا أن المخاوف تكمن في أن يتغير ذلك نتيجة لقرب المسافة وسنوح الفرصة.