الرئيس الزُبيدي يطلق برنامج الرقابة الرئاسية والتوجيه السياسي    أمطار غزيرة وعواصف رعدية.. الأرصاد يرفع التنبيه إلى الإنذار ويتوقع توسع حالة عدم استقرار الاجواء    صنعاء: ردنا على الإرهاب الإسرائيلي مفتوح أمام كافة الخيارات    القوات المسلحة تستهدف مطار اللد بصاروخ باليستي فرط صوتي    غارات إسرائيلية تستهدف بنى تحتية للحوثيين في صنعاء    شباب المعافر يهزم الصحة ويقترب من التأهل إلى ربع نهائي بطولة بيسان    ميسي يعود من الإصابة ويقود إنتر ميامي للفوز على غالاكسي وينفرد بصدارة الهدافين    رئيس تنفيذية انتقالي شبوة يشارك في تدشين مشروع مياه باكبيرة في عتق    بدء تأهيل مستشفى رضوم ضمن الدعم الإماراتي للقطاع الصحي    لقد جبلوا على سلخنا لعقود خلت    أحزاب حضرموت ومكوناتها ترفض تحويل المحافظة إلى ساحة صراعات    الهيئة العليا للأدوية تعلن صدور قائمة التسعيرة الجديدة للأدوية لعدد 3085 صنفا    النصر السعودي يضم الفرنسي كومان رسميا من بايرن ميونخ    رئاسة مجلس الشورى تناقش التحضيرات لفعالية المولد النبوي للعام 1447ه    مناقشة الخطة الأمنية لتامين فعاليات إحياء ذكرى المولد النبوي    إعلان نتائج اختبارات المعاهد التقنية والمهنية للعام 1446ه    فعالية لقيادة المحور الشمالي بالحديدة بمناسبة المولد النبوي    رئيس هيئة الأوقاف يشيد بمستوى العمل وانضباط كوادر الهيئة بذمار    مناقصة لتوريد أدوية تكميلية لمركز علاج الأورام بشبوة    هيئة مكافحة الفساد تتسلم اقرار رئيس مؤسسة موانئ البحر الأحمر    الزراعة تعد استراتيجية وطنية لمواجهة تحديات الأمن الغذائي    القبض على رئيس الجالية الإثيوبية بالمهرة بتهمة الاتجار بالبشر وقيادة شبكة تهريب    حملة توعوية لانتقالي الضالع لنشر ثقافة الوسطية والاعتدال    حكومة التغيير والبناء تحقق إنجازات اقتصادية وتنموية في عامها الأول    اعتقال ناشط في مطار عدن الدولي    مطوع من مجرمي حزب الإصلاح يقتل شابين عدنيين في طريقهما للدراسة في الخارج    بيان السفارة الأمريكية في اليمن: إصلاحات عاجلة خلال 90 يومًا    ترسيخ الطبقية والتمييز الاجتماعي: السلطة تحتكم لجرحى القبيلة وتتجاهل شهيد الطبقة المستضعفة    عشر سنوات من الغرام، واليوم فجأة.. ورقة طلاق!    الشركة اليمنية تصدر قائمة أسعار جديدة للغاز المنزلي    طريقة بسيطة للوقاية من أمراض القلب    بهدفي كين ودياز.. بايرن يتوّج بالسوبر ال 11    الضالع .. جريمة قتل مروعة على خلفية خلاف عائلي    بين أمل البسطاء ومؤامرات الكبار    قصف إسرائيلي يستهدف العاصمة صنعاء    الأهلي يُعلن جاهزية عاشور    تقرير جديد يكشف عن هزيمة البحرية الأمريكية في البحر الأحمر    بايرن ميونخ بطلًا للسوبر الألماني بثنائية في شتوتجارت    العدو الصهيوني يكشف عن السلاح المستخدم في استهداف كهرباء حزيز    الأمن يضبط المتورطين في حادثة اختطاف طفلتين هزت ذمار    إسرائيل تقصف محطة الكهرباء في صنعاء من جديد    البرلماني بشر: هل أصبح القضاء لعبة بيد الغوغاء لإصدار الأحكام كمساعدة؟!    البيضاء.. استشهاد فتاتين بانفجار لغم حوثي أثناء رعيهما الأغنام في مديرية نعمان    محكمة بريطانية تسجن يمني عقب اختراق آلاف المواقع وسرقة بيانات المستخدمين    الأستاذ علي مقبل غثيم المناضل الأنسان    الصحة العالمية: اليمن يسجل عشرات الآلاف من الإصابات بالكوليرا وسط انهيار البنية الصحية    رسميًا | SPORTBACK GROUP توقع مع نجم التلال عادل عباس    من يومياتي في أمريكا .. أيام عشتها .. البحث عن مأوى    أفضل وأحسن ما في حلف حضرموت أن أنصاره اغبياء جدا(توثيق)    العميد جمال ديان آخر الرجال المهنيين والأوفياء    أكاذيب المطوّع والقائد الثوري    مصر تستعيد من هولندا آثارا مهربة    المؤرخ العدني بلال غلام يكتب عن جولة أضواء المدينة "جولة الفل"    وفاة 23 شخصا بتعاطي خمور مغشوشة في الكويت    الاشتراكي "ياسين سعيد نعمان" أكبر متزلج على دماء آلآف من شهداء الجنوب    فنانة خليجية شهيرة تدخل العناية المركزة بعد إصابتها بجلطة    بين القصيدة واللحن... صدفة بحجم العمر    توكل كرمان، من الثورة إلى الكفر بلباس الدين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإخوان.. عدو هنا، حليف هناك
نشر في شبوه برس يوم 26 - 04 - 2025

التناقض يمتد إلى الخطاب الديني والأمني حيث يُطلب من جهات أمنية التعامل مع الجماعة كخصم لا يمكن التفاوض معه في الوقت الذي تنسج فيه مؤسسات سياسية علاقات من خلف الستار معه.

في عالم السياسة، لا يندر أن نجد تناقضًا بين القول والفعل، بين الشعارات والمواقف، لكن حين يتحول التناقض إلى نهج، يصبح السؤال عن "المبدأ" أشبه بمحاولة العثور على ضوء في مرآة معتمة، ذلك ما يبدو عليه حال التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين في بعض العواصم المؤثرة، التي تتعامل معهم في بلد على أنهم تهديد وجودي، وفي بلد آخر على أنهم شركاء أمر واقع، يمكن التحالف معهم تحت عنوان "المصلحة العليا"، وإن مؤقتًا.

في المشرق، وعلى مقربة من نهر الزرقاء، يُعامل التنظيم بوصفه قوة يجب تحجيمها لا فقط سياسيًا، بل إعلاميًا ونفسيًا، البيانات تُصدر تأييداً لحظرهم ومحاكمتهم وتشديد محاسبتهم، وكل الحملات تُشن ضدهم، حتى الولاءات تُستدعى من عمق التاريخ لتذكير الجميع بأن اللعبة الإقليمية لم تعد تحتمل ازدواجية الخطاب أو اللعب على التناقضات، في هذه البيئة، يُختصر الإخوان في خطاب واحد: مصدر قلق، ورافعة محتملة لمشروع إقليمي يزاحم الأنظمة في شرعيتها الرمزية والتاريخية.

ليس الإخوان هم من تغيّروا، بل الرؤية إليهم، وفي المشهد العربي الراهن، حيث تختلط المعايير وتتشابك التحالفات، قد لا يكون السؤال هو: ماذا نريد من الجماعة؟ بل: ماذا نريد من الدولة نفسها؟

لكن في رقعة أخرى من الخريطة، حيث تطل الجبال على ممرات بحرية إستراتيجية، يبدو المشهد مختلفًا، هناك، لا تُفتح ملفات الماضي ولا تُستحضر أدبيات التنظيم، بل يُكتفى بإعادة تقديم الجماعة بلبوس جديد، باسم مختلف، وبوظيفة محددة: مقاومة الخصم المشترك، وتحت هذه الذريعة، يُعاد إدماج من كانوا يومًا في دائرة الشبهة إلى مربع الشراكة، ولو من باب الضرورة، في انتظار تغير موازين القوى.

التناقض في المواقف ليس وليد لحظة، بل هو سمة ملازمة لمقاربات واقعية، ترى في الجماعة تارةً عدوًا أيديولوجيًا يجب اجتثاثه، وتارةً أخرى حليفًا مرحليًا لا غنى عنه، ما دام قادرًا على ملء فراغ الدولة أو ممارسة الضغط على طرف ثالث، وهذه الواقعية، وإن بدت في ظاهرها سياسية محضة، إلا أنها تخفي في طياتها أزمة أعمق: غياب إستراتيجية ثابتة في التعامل مع التنظيم العابر للحدود.

ما يجعل المشهد أكثر تعقيدًا هو أن الجماعة نفسها تدرك هذا التناقض وتستثمر فيه، فهي تتقن التكيف مع المحيط، وتعرف متى تتحدث بلغة الدولة ومتى تعود إلى خطاب "الرسالة"، وهي في ذلك لا تفعل أكثر من عكس صورة الفوضى في مواقف من يضعهم أحيانًا في خانة الأعداء، وأحيانًا في خانة الحلفاء التكتيكيين، لقد بات التنظيم يملك قاموسًا مزدوجًا لكل بلد، وخطابًا يفصّل على مقاس كل عاصمة، في لعبة البراعة فيها لا تقل عن براعة خصومه في صناعة الاستثناءات السياسية.

في العواصم التي تروّج لخطاب الحرب على التطرف، تجد المنابر الإعلامية تشن هجومًا مستمرًا على الإخوان في بلد، بينما تصمت عنهم تمامًا في بلد آخر، أو تكتفي بالتلميح إذا ما اقتضت الظروف، وفي أحيان نادرة، يتم تقديم بعض قياداتهم كجزء من تحالف وطني، حتى وإن كانوا يُدرجون في الوقت ذاته على قوائم التشدد في بلاد أخرى، وهذه المفارقة لا تضر بصورة الدولة فقط، بل تمنح التنظيم شرعية رمادية، يصعب نزعها حين تقرر السلطة أخيرًا توحيد خطابها.

اللافت أن هذا التناقض لا يقتصر على القرار السياسي، بل يمتد إلى الخطاب الديني والأمني، حيث يُطلب من بعض الجهات الأمنية التعامل مع الجماعة كخصم لا يمكن التفاوض معه، في الوقت الذي تنسج فيه مؤسسات سياسية أو استخباراتية علاقات خلف الستار مع ممثلين عن الجماعة نفسها في مناطق أخرى، بذريعة أن "الأرض لا تحتمل الفراغ،" وما بين تشديد في الشمال، وتنسيق في الجنوب، تتآكل ثقة الشارع بوضوح الخطاب ومصداقية المواقف.

قد تكون السياسة في النهاية فن الممكن، لكن الممكن لا يجب أن يكون خاليًا من المبادئ، فاستمرار هذه الازدواجية لا يُضعف التنظيم بقدر ما يُربك خصومه، ويُفقدهم أدواتهم الأخلاقية في المواجهة

ربما كان من السهل تفهّم المقاربة المرحلية حين تكون مدفوعة بضرورات ميدانية صارمة، لكن ما لا يمكن تجاهله هو أن هذه المقاربة تحوّلت مع الوقت إلى سياسة مستقرة، يطغى عليها التكتيك، وتغيب عنها الرؤية طويلة المدى، بل إن بعض العواصم باتت تتعامل مع الجماعة وفق ميزان السوق: إن احتاجت إلى قوة على الأرض، يتم تلميع الصورة وتليين الخطاب، وإذا انتفت الحاجة، تعود إلى قاموس الاتهام والتخوين، ولعل إخوان اليمن أنموذج صارخ هو الذي بدد مكتسبات "عاصفة الحزم" وهو الذي مازالت بعض العواصم تصر إصراراً ليس فقط على شرعنته بل على تمكينه ولو على حساب مكافحة الإرهاب في المحافظات الجنوبية التي يفترض أنها محررة.

في زحام هذا التناقض، يجد الكثيرون أنفسهم أمام معضلة أخلاقية: كيف يمكن محاربة فكر في مكان، والتحالف مع حامليه في مكان آخر؟ وهل يمكن لخطاب يحارب التنظيم في شوارع العاصمة أن يُقنع الناس بعدالته، بينما صوره تُرفع على المدرجات في مدينة أخرى وتُقدَّم قياداته بوصفهم "فرسان المرحلة"؟

قد تكون السياسة في النهاية فن الممكن، كما يقول الكلاسيكيون، لكن الممكن لا يجب أن يكون خاليًا من المبادئ، فاستمرار هذه الازدواجية لا يُضعف التنظيم بقدر ما يُربك خصومه، ويُفقدهم أدواتهم الأخلاقية في المواجهة، وما لم يتم ضبط البوصلة، وتوحيد المعايير، فإن المشهد سيظل يدور في حلقة مفرغة: صراع مع الجماعة هنا، وتنسيق معها هناك، في لعبة لا يعرف أحد من الذي يُوظّف فيها الآخر.

الحصيلة، ليس الإخوان هم من تغيّروا، بل الرؤية إليهم، وفي المشهد العربي الراهن، حيث تختلط المعايير وتتشابك التحالفات، قد لا يكون السؤال هو: ماذا نريد من الجماعة؟ بل: ماذا نريد من الدولة نفسها؟ وهل نحن بصدد بناء منظومة تتعامل مع الأيديولوجيا كقضية مصيرية، أم فقط كملف تكتيكي يُفتح ويُغلق بحسب الحاجة؟ تكلفة ازدواجية المعايير أكبر من استخفاف بعض العواصم بعقول شعوبها التي هي أصلاً غارقة في الأيديولوجيا الإخوانية وتعيش عصبياتها المذهبية والقبلية.

هاني سالم مسهور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.