#عاجل وفد الانتقالي الجنوبي يقدم إحاطة مهمة للكونغرس الأمريكي (صور)    إسرائيل توقف 13 قاربًا من أسطول الصمود وسط انتقادات دولية    خطة ترمب للسلام في غزة.. سلام أم استسلام؟    نقطة سناح خطر على ميناء عدن    محافظ حضرموت يتابع أوضاع جوازات منفذ ميناء الوديعة    كشف ملابسات جريمة قتل الشاب عماد حمدي بالمعلا    اتحاد كرة القدم يُمدد فترة تسجيل أندية الدرجة الثانية لملحق الدوري    القوات الجنوبية تُفشل محاولة تسلل حوثية بجبهة كرش وتكبّد المليشيات خسائر فادحة    إسبانيا تُلاحق شركات مرتبطة بكيان العدو    أرسنال يسقط أولمبياكوس.. ودورتموند يكتسح بلباو    في الرمق الأخير.. فياريال يحبط اليوفي    بعد عام.. النصر يعود بالزوراء إلى الانتصارات السبعة    قتيلان ومصابون على خلفية الاحتجاجات بالمغرب    قضية الشهيدة افتهان.. استغلال حوثي فاضح تكشفه جرائمه في الداخل    بهدف "+90".. سان جيرمان يقلب الطاولة على برشلونة في كتالونيا    مسلحان حوثيان يختطفان قاصرا في مدينة القاعدة بإب وسط فوضى أمنية    المجلس الانتقالي: خيارنا الجنوبي    "علي عنتر".. الجاهل غير المتعلم صانع المشاكل في القومية والاشتراكي    الجنوب على طاولة البرلمان البريطاني: اعتراف صريح بأن لا سلام دون تقرير المصير    طقس شبه بارد على أجزاء من المرتفعات وتوقعات بهطول خفيف على بعض السواحل    ضابط استخبارات: الإمارات الداعم الرئيسي لحرب السودان    الشرطة تضبط متهماً بقتل زوجته في بعدان    دوري ابطال اوروبا: بي أس جي يظهر معدنه رغم الغيابات ويصعق برشلونة في معقله    جريمة مروعة في عدن.. شاب ينهي حياة خاله بسكين    العراسي يتساءل: كيف تم الإفراج عن المتورطين في شحنات الوقود المغشوش والمبيدات السامة..؟! ويثير فساد محطة الحديدة    البيض: خطاب الانتقالي متناقض بين إدارة الحرب وخيارات المستقبل    وفاة برلماني يمني في الرياض    «المرور السري» يضبط 110 سيارات مخالفة في شوارع العاصمة    تضامن حضرموت يخسر أمام الريان القطري في بطولة الخليج للأندية    المجلس الانتقالي يرحب بافتتاح المكتب التمثيلي لسفارة جمهورية الهند في العاصمة عدن    الخارجية الهولندية: سنعمل على إدراج الحوثيين في قائمة الإرهاب التابعة للاتحاد الأوروبي    عدن .. افتتاح مكتب تمثيلي للسفارة الهندية لدى اليمن    الدولار يتراجع لأدنى مستوى له في أسبوع    سياسيون يحتفون بيوم اللغة المهرية ويطلقون وسم #اللغه_المهريه_هويه_جنوبيه    في رثاء يحيي السنوار    منتخبنا الوطني الأول يواصل الإستعداد لمباراتي بروناي    احباط تهريب كمية كبيرة من المواد الخطرة بعمران    وقفة لهيئة المحافظة على المدن التاريخية تنديدا باستهداف العدو الصهيوني لمدينة صنعاء القديمة    القائم بأعمال رئيس الوزراء يزور الهيئة العامة للأراضي    مفتاح يطلع على حجم الاضرار بالمتحف الوطني    طائر السمو.. وجراح الصمت    تحليق 20 مسيرة فوق أسطول الصمود المتجه لغزة    لماذا المُعَلِّمُ أولاً؟!!!    الإمارات تستولي على الثروة اليمنية في جبل النار بالمخا    الأغذية العالمي: ثلث الأسر اليمنية تواجه حرمانًا غذائيًا خطيرًا    أنا والحساسية: قصة حب لا تنتهي    من تدمير الأشجار إلى نهب التونة: سقطرى تواجه عبث الاحتلال الإماراتي البري والبحري    لا تستغربوا… إنهم يعودون إلى وطنهم!    ضحك الزمان وبكى الوطن    تنفيذ حملة لمكافحة الكلاب الضالة في مدينتي البيضاء ورداع    تنفيذ حملة لمكافحة الكلاب الضالة في مدينتي البيضاء ورداع    وفاة امرأة بخطأ طبي في إب وسط غياب الرقابة    مراجعة جذرية لمفهومي الأمة والوطن    في 2007 كان الجنوب يعاني من صراع القيادات.. اليوم أنتقل العلة إلى اليمن    القهوة تساعد على تخفيف الصداع.. كيف تتناولها لحصد الفائدة    صنعاء... الحصن المنيع    المساوى يدّشن مشروع التمكين الاقتصادي لأسر الشهداء    في محراب النفس المترعة..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإخوان.. عدو هنا، حليف هناك
نشر في شبوه برس يوم 26 - 04 - 2025

التناقض يمتد إلى الخطاب الديني والأمني حيث يُطلب من جهات أمنية التعامل مع الجماعة كخصم لا يمكن التفاوض معه في الوقت الذي تنسج فيه مؤسسات سياسية علاقات من خلف الستار معه.

في عالم السياسة، لا يندر أن نجد تناقضًا بين القول والفعل، بين الشعارات والمواقف، لكن حين يتحول التناقض إلى نهج، يصبح السؤال عن "المبدأ" أشبه بمحاولة العثور على ضوء في مرآة معتمة، ذلك ما يبدو عليه حال التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين في بعض العواصم المؤثرة، التي تتعامل معهم في بلد على أنهم تهديد وجودي، وفي بلد آخر على أنهم شركاء أمر واقع، يمكن التحالف معهم تحت عنوان "المصلحة العليا"، وإن مؤقتًا.

في المشرق، وعلى مقربة من نهر الزرقاء، يُعامل التنظيم بوصفه قوة يجب تحجيمها لا فقط سياسيًا، بل إعلاميًا ونفسيًا، البيانات تُصدر تأييداً لحظرهم ومحاكمتهم وتشديد محاسبتهم، وكل الحملات تُشن ضدهم، حتى الولاءات تُستدعى من عمق التاريخ لتذكير الجميع بأن اللعبة الإقليمية لم تعد تحتمل ازدواجية الخطاب أو اللعب على التناقضات، في هذه البيئة، يُختصر الإخوان في خطاب واحد: مصدر قلق، ورافعة محتملة لمشروع إقليمي يزاحم الأنظمة في شرعيتها الرمزية والتاريخية.

ليس الإخوان هم من تغيّروا، بل الرؤية إليهم، وفي المشهد العربي الراهن، حيث تختلط المعايير وتتشابك التحالفات، قد لا يكون السؤال هو: ماذا نريد من الجماعة؟ بل: ماذا نريد من الدولة نفسها؟

لكن في رقعة أخرى من الخريطة، حيث تطل الجبال على ممرات بحرية إستراتيجية، يبدو المشهد مختلفًا، هناك، لا تُفتح ملفات الماضي ولا تُستحضر أدبيات التنظيم، بل يُكتفى بإعادة تقديم الجماعة بلبوس جديد، باسم مختلف، وبوظيفة محددة: مقاومة الخصم المشترك، وتحت هذه الذريعة، يُعاد إدماج من كانوا يومًا في دائرة الشبهة إلى مربع الشراكة، ولو من باب الضرورة، في انتظار تغير موازين القوى.

التناقض في المواقف ليس وليد لحظة، بل هو سمة ملازمة لمقاربات واقعية، ترى في الجماعة تارةً عدوًا أيديولوجيًا يجب اجتثاثه، وتارةً أخرى حليفًا مرحليًا لا غنى عنه، ما دام قادرًا على ملء فراغ الدولة أو ممارسة الضغط على طرف ثالث، وهذه الواقعية، وإن بدت في ظاهرها سياسية محضة، إلا أنها تخفي في طياتها أزمة أعمق: غياب إستراتيجية ثابتة في التعامل مع التنظيم العابر للحدود.

ما يجعل المشهد أكثر تعقيدًا هو أن الجماعة نفسها تدرك هذا التناقض وتستثمر فيه، فهي تتقن التكيف مع المحيط، وتعرف متى تتحدث بلغة الدولة ومتى تعود إلى خطاب "الرسالة"، وهي في ذلك لا تفعل أكثر من عكس صورة الفوضى في مواقف من يضعهم أحيانًا في خانة الأعداء، وأحيانًا في خانة الحلفاء التكتيكيين، لقد بات التنظيم يملك قاموسًا مزدوجًا لكل بلد، وخطابًا يفصّل على مقاس كل عاصمة، في لعبة البراعة فيها لا تقل عن براعة خصومه في صناعة الاستثناءات السياسية.

في العواصم التي تروّج لخطاب الحرب على التطرف، تجد المنابر الإعلامية تشن هجومًا مستمرًا على الإخوان في بلد، بينما تصمت عنهم تمامًا في بلد آخر، أو تكتفي بالتلميح إذا ما اقتضت الظروف، وفي أحيان نادرة، يتم تقديم بعض قياداتهم كجزء من تحالف وطني، حتى وإن كانوا يُدرجون في الوقت ذاته على قوائم التشدد في بلاد أخرى، وهذه المفارقة لا تضر بصورة الدولة فقط، بل تمنح التنظيم شرعية رمادية، يصعب نزعها حين تقرر السلطة أخيرًا توحيد خطابها.

اللافت أن هذا التناقض لا يقتصر على القرار السياسي، بل يمتد إلى الخطاب الديني والأمني، حيث يُطلب من بعض الجهات الأمنية التعامل مع الجماعة كخصم لا يمكن التفاوض معه، في الوقت الذي تنسج فيه مؤسسات سياسية أو استخباراتية علاقات خلف الستار مع ممثلين عن الجماعة نفسها في مناطق أخرى، بذريعة أن "الأرض لا تحتمل الفراغ،" وما بين تشديد في الشمال، وتنسيق في الجنوب، تتآكل ثقة الشارع بوضوح الخطاب ومصداقية المواقف.

قد تكون السياسة في النهاية فن الممكن، لكن الممكن لا يجب أن يكون خاليًا من المبادئ، فاستمرار هذه الازدواجية لا يُضعف التنظيم بقدر ما يُربك خصومه، ويُفقدهم أدواتهم الأخلاقية في المواجهة

ربما كان من السهل تفهّم المقاربة المرحلية حين تكون مدفوعة بضرورات ميدانية صارمة، لكن ما لا يمكن تجاهله هو أن هذه المقاربة تحوّلت مع الوقت إلى سياسة مستقرة، يطغى عليها التكتيك، وتغيب عنها الرؤية طويلة المدى، بل إن بعض العواصم باتت تتعامل مع الجماعة وفق ميزان السوق: إن احتاجت إلى قوة على الأرض، يتم تلميع الصورة وتليين الخطاب، وإذا انتفت الحاجة، تعود إلى قاموس الاتهام والتخوين، ولعل إخوان اليمن أنموذج صارخ هو الذي بدد مكتسبات "عاصفة الحزم" وهو الذي مازالت بعض العواصم تصر إصراراً ليس فقط على شرعنته بل على تمكينه ولو على حساب مكافحة الإرهاب في المحافظات الجنوبية التي يفترض أنها محررة.

في زحام هذا التناقض، يجد الكثيرون أنفسهم أمام معضلة أخلاقية: كيف يمكن محاربة فكر في مكان، والتحالف مع حامليه في مكان آخر؟ وهل يمكن لخطاب يحارب التنظيم في شوارع العاصمة أن يُقنع الناس بعدالته، بينما صوره تُرفع على المدرجات في مدينة أخرى وتُقدَّم قياداته بوصفهم "فرسان المرحلة"؟

قد تكون السياسة في النهاية فن الممكن، كما يقول الكلاسيكيون، لكن الممكن لا يجب أن يكون خاليًا من المبادئ، فاستمرار هذه الازدواجية لا يُضعف التنظيم بقدر ما يُربك خصومه، ويُفقدهم أدواتهم الأخلاقية في المواجهة، وما لم يتم ضبط البوصلة، وتوحيد المعايير، فإن المشهد سيظل يدور في حلقة مفرغة: صراع مع الجماعة هنا، وتنسيق معها هناك، في لعبة لا يعرف أحد من الذي يُوظّف فيها الآخر.

الحصيلة، ليس الإخوان هم من تغيّروا، بل الرؤية إليهم، وفي المشهد العربي الراهن، حيث تختلط المعايير وتتشابك التحالفات، قد لا يكون السؤال هو: ماذا نريد من الجماعة؟ بل: ماذا نريد من الدولة نفسها؟ وهل نحن بصدد بناء منظومة تتعامل مع الأيديولوجيا كقضية مصيرية، أم فقط كملف تكتيكي يُفتح ويُغلق بحسب الحاجة؟ تكلفة ازدواجية المعايير أكبر من استخفاف بعض العواصم بعقول شعوبها التي هي أصلاً غارقة في الأيديولوجيا الإخوانية وتعيش عصبياتها المذهبية والقبلية.

هاني سالم مسهور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.