السؤال الذي لم يغادر أذهاننا، نحن أبناء الجنوب، وخصوصًا في عدن، هو سؤالٌ بسيط لكنه بالغ الدلالة والمرارة: هل لا يزال باستطاعة الجنوبي أن يكون حاكمًا لجنوبه؟ نعم، أريده حاكمًا. أريده سيّدًا في أرضه، لا تابعًا ولا موظفًا ضمن أجندة مشاريع الآخرين، ولا واجهةً سياسية لقرارات تُطبخ خارج حدود الجنوب. المشهد الذي نعيشه اليوم ليس وطنيًّا، ولا قوميًّا، ولا حتى عقائديًّا. إنه مشهدٌ يُدار بمعادلات إقليمية ودولية معقدة، بينما الجنوبيون يعانون من نتائج سياسات لا يملكون مفاتيحها. رغم أن المجلس الانتقالي الجنوبي يُعد الحامل السياسي الأبرز للقضية الجنوبية، إلا أن الشراكة التي دخلها تُدار على نحوٍ يجعل منه مسؤولًا عن الفشل، دون تمكينٍ حقيقي من أدوات القرار.
السلطة السيادية ليست بيده، والموارد تدار من خارجه، والخدمات تُركت له ليتحمل وزرها أمام شعبه.
لقد دفعت القوى اليمنية بورقة "الوحدة" لتظل ورقة تفاوض بيدهم، لا قناعة سياسية، بل وسيلة لبقاء الصوت الأعلى والقرار الأوحد في قبضتهم، حتى وإن لبس بعضهم عباءة الشراكة أو انتمى للماضي الجنوبي.
وعلى الجانب الآخر، تركوا المجلس الانتقالي يواجه المشهد وحده: من انقطاع المرتبات، إلى أزمة الكهرباء، إلى تآكل الثقة... حتى أضحت المعركة معيشية، بينما المعركة الأصلية – معركة استعادة الدولة – تُزاح إلى الخلف. بل إن أخطر ما يجري هو ما نلاحظه من تهيئة بدائل سياسية وشخصيات جنوبية بلا مشروع جنوبي، ليتم تقديمهم كوجوه توافقية تمثل الجنوب في مشاريع لا علاقة لها بقضيتنا الوطنية.
إن هذا التآكل، إن لم يُعالَج برؤية حقيقية داخل المجلس، وإعادة تنظيم العلاقة مع القوى الحليفة، سيدفع إلى انحسار لا يتمناه أحد، ولكن البديل الجاهز اليوم ليس مشروعًا جنوبيًا، بل غطاء يُراد به تطبيع واقع اللاحل على حساب قضية الجنوب. نعم، نحتاج إلى مراجعة، وتصحيح، ووضوح. لكننا نؤكد: أن الجنوبي يجب أن يحكم الجنوب، لا أن يُحكم باسمه.