جريمة مروعة تهز مناطق تعز المحتلة    قمة صينية أمريكية لخفض التوتر التجاري بين البلدين    الخائن معمر الإرياني يختلس 500 مليون ريال شهرياً    الهوية لا تُكتب في الدساتير بل تُحفر في وجدان الشعوب    لسنا كوريا الجنوبية    اغتيال القبيلة في حضرموت: من يطمس لقب "المقدّم" ويهين أصحاب الأرض؟    17 عام على كارثة سيول حضرموت أكتوبر 2008م    إرهابيون يتحدثون عن المقاومة لتغطية نشاطهم الدموي في عدن    52% من الإسرائيليين يعارضون ترشح نتنياهو للانتخابات    الدعوة لرفع الجهوزية ومواصلة كل الأنشطة المساندة لغزة    تحرّكات عسكرية إماراتية مكثفة في الجزر اليمنية    الهلال يحسم كلاسيكو اتحاد جدة ويواصل الزحف نحو القمة    صلاح السقلدي: اتهامات شرفي الانتقالي ل"العليمي" إن لم تتبعها إجراءت ستتحول إلى تهريج    متحدث أممي: تعيين دبلوماسي فلسطيني للتفاوض بشأن إطلاق موظفين محتجزين في صنعاء    القبيلة والدولة والسياسة في اليمن: قراءة تحليلية لجدلية العلاقة في مؤلفات الدكتور الظاهري    أبين.. اشتباكات دامية في سوق للقات بشقرة    الإرهاب السلفي الإخواني يقتل المسلمين في مساجد مصر    قراءة تحليلية لنص "أمِّي تشكِّلُ وجدانَنَا الأول" ل"أحمد سيف حاشد"    دوري روشن السعودي: الهلال يحسم الكلاسيكو ضد الاتحاد بثنائية    من عدن كانت البداية.. وهكذا كانت قصة الحب الأول    فلاحين بسطاء في سجون الحقد الأعمى    مبادرة مجتمعية لإصلاح طريق طويل يربط مديرية الحداء بالعاصمة صنعاء    الجزائرية "كيليا نمور" تحصد ذهبية العالم في الجمباز    الآن حصحص الحق    نقيب الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين : النقابة جاهزة لتقديم كل طاقاتها لحماية عدن وبيئتها    عدن .. وفاة أربعة شبان في حادث مروري مروّع بالبريقة    بطء العدالة.. عندما يتحول ميزان الحق إلى سباق للصبر: دعوة لإصلاح هيكلي للقضاء    عهد تحلم ب«نوماس» نجمة ميشلان    ترامب يعلن إنهاء جميع المحادثات التجارية مع كندا    غدًا السبت.. انطلاق البطولة التأسيسية المفتوحة الأولى للدارتس – عدن    الإصابات تبعد 4 اتحاديين أمام الهلال    «فنجال».. تميمة دورة التضامن الإسلامي    عدن.. بين استهداف التحوّلات وإهمال المقومات    وطني "شقة" ومسقط رأسي "قضية"    العائدون والمصابون قبل كلاسيكو ريال مدريد وبرشلونة    أزمة القمح تطفو على السطح.. شركة تحذر من ازمة في السوق والوزارة تطمئن المواطنين    قراءة تحليلية لنص "على حواف الموت" ل"أحمد سيف حاشد"    صنعاء.. جمعية الصرافين تعمم بايقاف التعامل مع شركة صرافة    احباط تهريب آثار يمنية عبر رحلة اممية بمطار صنعاء    وزارة الاقتصاد : مخزون القمح يكفي لأشهر..    لقاء موسع لفرسان ورائدات التنمية بمديرية التحرير في أمانة العاصمة    صنعاء .. اجتماع للجنة التصنيع لأدوية ومستلزمات مرضى الحروق    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يطلع على نشاط مكتب الزراعة بمحافظة المهرة    محافظ شبوة يثمن التجهيزات الإماراتية لمستشفى بن زايد في عتق    الأحرار يقفون على أرضية مشتركة    نقابة الصحفيين اليمنيين تنعى الإعلامي أحمد زين باحميد وتشيد بمناقبه    الأرصاد: منخفض جوي في بحر العرب وتوقّعات بأمطار رعدية على سقطرى والمياه الإقليمية المجاورة    دراسة: الإفطار الغني بالألياف يقلل الإصابة بسرطان القولون    المجلس الاستشاري الأسري يقيم ندوة توعوية حول الصحة النفسية في اليمن    صوت من قلب الوجع: صرخة ابن المظلوم إلى عمّه القاضي    ريال مدريد يعتلي الصدارة بعد فوزه الثالث على التوالي في دوري الأبطال    شبوة.. حريق ضخم يتسبب بأضرار مادية باهضة في الممتلكات    السكوت عن مظلومية المحامي محمد لقمان عار على المهنة كلها    ترامب يعلن إلغاء لقائه مع بوتين في المجر    (نص + فيديو) كلمة قائد الثورة في استشهاد القائد الفريق "الغماري"    على ضفاف السبعين.. رسالة من شاطئ العمر    الكشف عن عين إلكترونية تمكن فاقدي البصر من القراءة مجددا    شبابنا.. والتربية القرآنية..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صحراء النقب المنسية فلسطينية الهوية وعربية الانتماء "1"
نشر في شهارة نت يوم 21 - 01 - 2017

a class="pop-img-bd" href="http://www.shaharah.net/wp-content/uploads/2016/04/4-320.jpg" title="صحراء النقب المنسية فلسطينية الهوية وعربية الانتماء "1"" rel="bookmark"
بقلم / د. مصطفى يوسف اللداوي
الرمال العطشى
صعد نجم صحراء النقب وسما في الأيام القليلة الماضية، وُسلِّطت عليها الأضواء الإعلامية، وإليها شدَّ الرحالَ الإعلاميون والسياسيون، والمتعاطفون والشامتون، والمعتدلون والمتطرفون، والمؤيدون والمراقبون، ومن قبلهم سبق إليها الشرطة والعسكر، والجيش والحكومة الإسرائيليين، فتحولت بلداتها الصغيرة إلى ما يشبه الثكنات العسكرية، وبات جيش الاحتلال يجوس فيها ويخرب، ويدمر ويهدم، ويهدد بالمزيد ويتوعد، وإلى جانبه رجال الشرطة يدققون في محاضر الهدم، ويشهدون على عمليات الجرف، ويدفعون من يعترض، ويعتقلون من يقاوم، ويقتلون من يعلو صوته ويهدد، وقد صاحبتهم جرافاتٌ ضخمة وشاحناتٌ كبيرة، عمياء تدوس، وكالفيلة تخوض، فما أبقت جداراً قائماً، ولا بيتاً عامراً، ولا أسرةً مجتمعة، إذ اغتالت البسمة وقتلت الفرحة وخمدت الضحكة، وتسببت في سكب الدموع وآهة الصدور وكسر القلوب، فما هو النقب وما هي صحراؤه، ومن هم أهله وسكانه، وعمَّاره وأصحابه، وماذا يواجه ومن يواجه، وهل يصمد ويتحدى، أم يسقط وينهار.
تغطي صحراء النقب الجنوب الشرقي من فلسطين، وتزيد مساحتها قليلاً عن نصف مساحة فلسطين التاريخية، إذ تبلغ مساحتها 14.000 كيلو متراً مربعاً، وهي تشكل امتداداً لشبه جزيرة سيناء المصرية، وتكاد تتشابه معها في الطقس والطبيعة الجغرافية، وترتبط معها بشريطٍ حدودي يتجاوز المائتي كيلو متراً، الأمر الذي أدى إلى اختلاط السكان وانسياحهم بين النقب وسيناء، حيث كانت قبائلهم وعشائرهم قبل العام 1948 واحدة، تتوزع بين مصر وفلسطين، ولكنها لا تعترف بحدودٍ ولا تلتزم بسيادة، بل تعتبر أرضها واحدة، وتجيز لنفسها حرية الانتقال من جانبٍ إلى آخر ومن بقعةٍ إلى أخرى، وهو الحال الذي ورثته عن الحكم العثماني للمنطقة، الذي كان يعتبر النقب وسيناء صحراءً واحدة.
مناخها صحراوي جافٌ تعوزه الرطوبة، ونهارها حارٌ جداً يصل إلى الخمسين درجة أحياناً، وليلها باردٌ نسبياً يلامس السبعة درجاتٍ، وأمطارها قليلة ومتفرقة، ورياحها محملةٌ غالباً برمالٍ صفراء ناعمةٍ، وأرضها المزروعة قليلة، وأشجارها المثمرة معدودة، الأمر الذي جعل بلداتها متفرقة وقراها متباعدة، لكن مدينتها التاريخية وعاصمتها الشهيرة بئر السبع، تخالف صحراءها أحياناً لجهة الحرارة والأمطار، والأشجار والثمار، فيبدو طقسها وسط الصحراء معتدلٌ، وأمطارها معقولة، وأشجارها وفيرة وكثيفة، وثمارها كثيرة ومتنوعة، وفيها كان يقيم أكثر سكانها.
لكن بلداتها إلى جانب مدينة بئر السبع كثيرة، وإن كانت أصغر منها مساحةً وأقل سكاناً، إلا أنها كثيرة ومتنوعة ومنها رهط وهي المدينة الثانية في صحراء النقب، وعررة وتل السبع وعراد والكسيفة وتل عراد وحورة واللقية وأم حيران وغيرها الكثير من البلدات الكبيرة، والقرى الصغيرة والتجمعات المتناثرة والمتباعدة، التي تشكل بمجموعها النسيج العربي للنقب، وتحافظ بعاداتها وتقاليدها ولسانها على الوجود الفلسطيني الأصيل فيه، وتضرب بجذورها في عمق الأرض وتعيش وسط المحن والصعاب كالصبار وسط الصحراء، يكفيه الندى ولا يقتله العطش، ويصبر على جفاف الأرض وشح السماء سنين طويلة.
يُشهَدُ لأهل النقب، وجلهم من العرب البدو، أنهم حافظوا على أرضهم، وتمسكوا بديارهم، ولم يغادروا بلداتهم وقراهم وتجمعاتهم السكنية، وبقوا متمسكين بترابهم الوطني، لم يغادروه رغم قسوة الظروف، ورعونة الاحتلال، وجور سلطته وعسف قراراته، ومحاولاته المستمرة اقتلاعهم من أرضهم، ونفيهم خارج حدود بلداتهم، والتضييق عليهم وسحب هوياتهم منهم، وتجريدهم من حقوقهم وامتيازاتهم، وهدم بيوتهم وتجريف قراهم، أو تجويعهم وتعطيشهم، ومصادرة أرضهم ومنعهم من الاستفادة منها، وحرمانهم من حرفتهم التاريخية ومنعهم من ممارسة الرعي، فضلاً عن إقدامهم غير مرةٍ على تسميم مواشيهم أو إطلاق النار عليها بقصد قتلها، أو ترويعهم وإياها ليغادروا المراعي، ويتخلوا عن الأراضي التي اعتادوا على ممارسة مهنة الرعي فيها.
ما زال أهلنا العرب البدو في صحراء النقب يحافظون على لهجتهم الأصلية، وكلماتهم القديمة الموروثة، يتقنونها ببراعةٍ، ويحافظون عليها بأصالةٍ، ويتمسكون بها باعتزاز، ويتحدثون بها بفخرٍ، ويورثونها أولادهم كدينٍ وعقيدةٍ، فلا يبدلونها بالكلمات الحضرية، ولا باللهجات المدنية، ويعود من اغترب من أبنائهم وجال من سكانهم، إلى بلداتهم الأصلية، يتحدث بلهجتهم البدوية التي لا عوج فيها ولا انحراف، إذ حافظوا على استقامة ألسنتهم وذلاقتها، وبلاغة كلماتهم ومتانتها، فبقيت الكلمات البدوية الصحراوية الخشنة كما هي، لم تغيرها السنون، ولم تؤثر فيها الغربة، ولم تبدلها القناعات والاعتداءات ومحاولات الهيمنة والسيطرة.
أما الأزياء البدوية الفلسطينية الأصيلة الجميلة فقد حافظت على أصالتها، وبقيت على فرادتها، تتزين بها المرأة العربية البدوية، وتتيه بها أمام النساء وتفخر، فأثوابهن زينة، وتطريزها قشيب، وألوانها بديعة، وأنواعها عديدة، وأشكالها كثيرة، وأسعارها عالية، وكلفة حياكتها وتطريزها كبيرة، تلبسها الفتيات والشابات، وتحرص على اقتنائها النساء، وتحملها العروس مع كسوتها وزينتها إلى بيت الزوجية، إذ بها تكتمل الكسوة وتزدان العروس، حيث لا يكاد يخلو بيتٌ من هذه الأثواب الزينة، التي يقبل على شرائها الزوار، ويقتنيها عامة الفلسطينيين.
رغم أنها صحراء قد تبدو قاحلة، وأرضٌ قفرٌ جرداء لا خضرة فيها، ولا خيرات طبيعية تسكن جوفها، ولا حياة صاخبة تعمرها، ولا سكان يرغبون فيها، ولا نفوس للمتعة تهوي إليها، ولا قلوب شوقاً تتعلق بها، ولا مقدسات تهفو قلوب المؤمنين إليها، إذ هي صحراء كبيرة تمتد رمالها الصفراء، وتسطع شمسها الحارقة، وتغيب عنها حيوية النهار وجلبة العمل، وسمر الليالي وصخب السهر، إلا أنها تبقى صحراء فلسطين الشهيرة، ونقبها الأغر، وفضاؤها الفسيح، وأفقها الممدود، وتبرها النفيس، ومعدنها الأصيل، وذهبها الأصفر، وهويتها القديمة، وانتماؤها العربي النقي، فيها أصولنا العربية تلتقي، وإلى بطونها القبلية والعشائرية عائلاتنا تنتمي، فنستمد منها القوة، ونشعر معها بالعزة.
سلاماً وتحيةً لأهلنا في النقب، المرابطين البواسل، القابضين على جمر الحق، والمتمسكين بنواصي العدل، أبناء قبائلنا العتيدة وعشائرنا المجيدة، قبائل الترابين والسعيدين والحناجرة والظُلام والتياها والعزازمة والقديرات والجبارات وغيرهم، ممن يعمرون صحراء النقب، ويحافظون على هويتها الفلسطينية العربية الإسلامية، ويصبغون بها وجوههم، ويلونون بها سحناتهم، ويعربونها بألسنتهم، فهيا نفتح على حلقاتٍ دفاترهم، ونقرأ أسفارهم، ونتعرف على الغريب في كتابهم، والجديد في حياتهم، والعظيم في سيرتهم، والبطولة في رجالهم، والحزين في أيامهم، والمحنة في زمانهم.
يتبع ….


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.