أدرجت منظمة “ يونيسكو” مدينتي صنعاء وشبام ، وسط اليمن ، في لائحة “مدن التراث الثقافي العالمي المهدّد ” . وأفادت المنظمة الأممية، نهاية الأسبوع الماضي، أنّ مدينة صنعاء القديمة المبنية بالآجر تعرّضت لأضرار حقيقية بسبب النزاع المسلّح الدائر بين الحكومة وقوات المتمردين، وأنّ “ حي القاسمي” ، بمحاذاة حديقة القاسمي الشهيرة، “تعرّض لأضرار فادحة ” . كما أعلنت أنّ “ مدينة شبام الطينية البرجية التي بنيت في القرن 16 تعاني من مشاكل صيانة وإدارة ” . جواهر ثقافية حضارية يعدّ اليمنيون المدينتين أثمن الجواهر الثقافية والحضارية التي يمتلكونها . وتشترك المدينتان في سمات عدّة أهمّها خصائص المدنية وتضاريسهما الحمائية ضدّ السيول . وهناك نظم الحماية والخصوصية الاجتماعية والتصميم البرجي لمبانيهما مع كثافتها . وأيضاً تشتركان في تلاصق معظم أبنيتهما لمنح كلّ بناء قوّة أكثر ووظائف اجتماعية إضافية . كما تتوسّط المدينتان محافظتيهما وتتشابهان كثيراً في تقاليد مجتمعيهما وعاداتهما ، اللذين يتميّزان ب ” المحافظة ”، مع الانفتاح على الفنون الشعبية . وقد نجحت أوّل محاولة لتهجين التصميم المعماري للمدينتين المدرجتين ضمن “ قائمة مدن التراث الإنساني العالمي الخمس والعشرين ”، ودمج الخصائص المعمارية لمبانيهما ضمن منتجع مملكة سبأ الواقع في هلال جزيرة “ النخلة جميرا ” في مدينة دبي . وشاركت المدينتان في آخر معرض يمني دولي، “ معرض العمارة والثقافة العربية والهوية اليوم”، الذي نظّمه متحف لويزيانا للفنّ الحديث في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، العام الماضي، كمفتاح لفهم الثقافة العربية التقليدية . المدينة كمتحف مفتوح هي واحدة من أقدم جواهر الحضارة الإسلامية ، كما وصفتها، أخيراً ، المدير التنفيذي لليونسكو . كان أوّل اسم لها “آزال ”، وهو اسم ذكره سفر التكوين لمؤسسها الأول سام بن نوح . يقول عنها المؤرخ الأثري المصري الدكتور أحمد فخري : “ لا توجد في مدن الشرق مدينة تشبه صنعاء لنقارنها بها، فهي فريدة في موقعها وطراز بنائها وأسوارها ، وفي مظهرها الشرقي الخالص الذي يجعل السائر في طرقها يحسّ بأنه انتقل بضع مئات من السنين إلى الوراء، حيث الأصالة ” . يعود التاريخ العمراني لصنعاء إلى ما قبل الميلاد ، لكن أثبتت النقوش الأثرية أنّ معالمها التراثية كمدينة ظهرت في عام 70 بعد الميلاد . ظهرت لأوّل مرّة عاصمة لدولة مأرب في بداية القرن الثاني الميلادي، وكانت آنذاك مدينة عسكرية محصّنة . فهي تقع في وادي ، وتحيط بها الجبال من أغلب الجهات، ويحيط بها ، كذلك، سور ضخم مبني من الطين والتبن وتتخلّله سبع بوابات كبيرة . صنعاء المسيحية وفي إمكان الزائر معاينة مكوّناتها التراثية والمباني المتميزة التي شيّدت خلال العهد اليمني القديم بطراز معماري وهندسي فريد غير موجود في أيّ دولة أو أيّ مدينة يمنية أخرى . ويمتاز معمارها بالملاءمة البيئية والرموز التعبيرية والزخارف الفنية من مواد محلية كثيرة ، منها الآجر الأحمر الخفيف والطين والجصّ الأبيض والأخشاب القوية . في القرن الرابع الميلادي بُني فيها عدد من الكنائس المسيحية ، وفي الوسط الشرقي للمدينة كان يوجد مصلّى الشهيد التابع لكاتدرائية مسيحية . وبحسب كتابات العصور الوسطى، كانت أوسع بناء مسيحي جنوب البحر المتوسط . وقد هدمت نهائياً بعد دخول الإسلام ب100 سنة . وازداد التأثير المسيحي عند استيلاء الأحباش على المدينة . فبنى أبرهة الأشرم كنيسة القُلَّيس لتكون مركزاً للقوّة السياسية والدينية والتجارية للحبشة . كما بني فيها الجامع الكبير، ثالث مسجد في عصر الإسلام . وحافظت صنعاء على تراث اجتماعي وديني وسياسي تجلّى في 6500 منزل و106 مساجد و 21 حماماً تعود إلى ما قبل القرن ال 11 . شبام : مانهاتن الصحراء بنيت شبام قبل 600 سنة . ويصفها الغربيون ب ” منهاتن الصحراء” ، حيث ناطحات السحاب اليمنية تتلألأ كسبائك الذهب عند الغروب . في عام 2000 ترأّس الأديب الألماني الحائز على جائزة “ نوبل ”، غونتر غراس، وفداً أوروبياً إلى مدينة شبام ليتساءل غراس حينها بعد سماعه عن تداعي بعض بناياتها : “ما مصير هذه العمارة التقليدية الرائعة؟” . واقترح غراس إنشاء مدرسة يتعلّم فيها البناؤون الشباب أسرار البناء التقليدي حتّى لا تندثر هذه العمارة الموائمة للبيئة . وتبرّع لدعم هذا المشروع الذي بدأه بنجاح “ الصندوق الاجتماعي للتنمية” و ” المشروع التقني الألماني ”، لتعليم هذا البناء وصيانة جميع المباني المتضرّرة، لكن يبدو أنّ هذه الجهود لا تكفي بحسب “ يونسكو” . اقرأ أيضاً : بلقيس : لا تنسوا اللاجئين اليمنيين في جيبوتي لشبام سور حمائي من الطين يلتفّ حولها ولها بوابة واحدة . بيوتها مكعبات طينية متداخلة ومتلاصقة ويفتح بين كل منزل وآخر باب يسمى “ المَسلف” ، يؤدي وظيفة اجتماعية، تستخدمه ربّة البيت ل ”السلف” من جارتها حاجياتها . ومنازلها شبيهة بناطحات سحاب، مثل مدينة صنعاء، فاعتُبرت منازلها “ أوّل ناطحات سحاب في العالم ”، ويتم تأسيس مباني مدينة شبام من الطين والتبن . ناطحات سحاب البناء في المدينة كان يتمّ من مواد محلية بسيطة : طين وتبن لصناعة اللبن المخمر تحت الشمس ، وأخشاب النخيل والسدر للأسقف وبعض الدعامات، مع مادة النورة البيضاء لتزين معظم الواجهات مبانيها . ولها نوافذ جميلة، وأبواب فريدة كلها منحوتة بنقوش بديعة غاية في الاتقان . وقد ارتفعت طبقاتها عقب تهدّم كثير من مبانيها وتقلّصت مساحتها حتّى انحصرت في أكمة صخرية ضيّقة… منذ القرن الرابع الهجري . ترتفع مباني شبام نحو السماء في أطوال متوازية تبلغ أطوالها معدلاً ثابتاً هو : 24 متراً . لا تتأثر بالعواصف والأمطار بفضل ارتفاعها عن مسار السيول ، ولم تتأثر معظم مبانيها بسيول عام 2008 التي دمرت الكثير من مباني وادي حضرموت . بلغ عدد مبانيها 500 منزل متلاصق تتخلّلها الأزقة ويتوسطها جامع هارون الرشيد، الجامع الكبير بمئذنته العالية التي تقلّ عن ارتفاع المنازل . ويتقدّم مبانيها قصر الحاكم والحصن النجدي وبوابة المدينة ومنازل الجند . التجارة الهندية مثّلت صنعاء مركزاً تجارياً وطريقاً هاماً يشرف على طريق التجارة الدولية القديمة بين دول المحيط الهندي والجزيرة العربية وصولاً إلى بلاد الشام، فيما يعرف ب “ طريق اللبان ” . وقد مرّت مدينة صنعاء القديمة بمراحل تاريخية قبل الإسلام منها الاحتلال الحبشي العام 525 ، تلاه الفارسي . وأقيمت فيها القلاع مثل قلعة غمدان الأسطورية في القرن الأوّل قبل الميلاد