إننا مقدمون هذه المرة (معشر الأخدام) وعبر الانخراط الفعلي في الحوار الوطني المزمع على تأكيد ذاتنا الطبقية والعرقية من خلال الإفصاح والتحدث علناً أمام الداخل والخارج عن كل همومنا وآلامنا الطبقية التاريخية المنبثقة عن كوننا عشنا لقرون عديدة ومظلمة ضحايا للعنف والتنكيل والإيذاء العرقي والاجتماعي والحرمان القسري من حقوق وامتيازات المواطنة المتساوية ومن حق التمتع بالحريات المدنية والشخصية وحق الاعتراف بالشخصية الإنسانية في سياق الموروث الدوني المنطلق أساساً من قاعدة عدم الإقرار الرسمي والمجتمعي التاريخي بهويتنا الوطنية والإنسانية وبحقوقنا الطبيعية والعادلة في العيش الحر والآمن والكريم. إنها لحظة تاريخية مهمة وملهمة ومتسامية إذا أجدنا استغلالها بما يخدم أهدافنا وتطلعاتنا المدنية وسعينا الحثيث صوب الكرامة والعدالة والحرية والانعتاق من نير الفوضى والعبودية وبرغم عدم ثقتي الأكيدة بمواقف كافة أطراف منظومة العمل الحزبي والسياسي في السلطة والمعارضة فيما يخص إيمانهم وتعاطفهم الفعلي مع عدالة قضايانا الإنسانية. فإن مجرد انخراطنا في عملية الحوار الوطني الشامل جنباً إلى جنب مع مختلف القوى والتيارات السياسية الحاكمة منها والمعارضة سيشكل ولا شك انعطافة هامة وحيوية على صعيد كفاحنا السياسي وطموحاتنا المدنية والطبقية وبما من شأنه الإسهام بشكل حاسم في تحديد مسار القضية التي نكافح لانتصارها. وما ينبغي علينا فعله في هذا الشأن هو تذكير فئات المجتمع السياسي والمدني اليمني بحجم الدين التاريخي الطويل الذي يدينون لنا به جراء سياسة العزل والإذلال والحرمان القسري والاستبداد المشاعي الذي كرس ضد فئاتنا المقهورة لقرون عديدة ماضية بما خلفته في حياتنا وحياة أجيالنا المتلاحقة من أوضاع ونتائج كارثية لا نزال نتجرعها كل يوم ..مثل الفقر والفاقة والعوز الجماعي والافتقار الكلي لمقومات النماء والتطور الإنساني بما فيها حق الحصول على التعليم والتطبيب المجاني وحق الاستفادة من الخدمات الأساسية وافتقارنا في الوقت ذاته لحقوق العدالة والإنصاف وحق الحماية القانونية المكفول بمقتضى تشريعاتنا الوطنية والدستورية ونصوص القانون الدولي الإنساني المعترف به من قبل نظامنا الوطني بحكوماته المتعاقبة.. كما أنه سيكون علينا تذكيرهم بأن مصفوفة التشريعات الدستورية الحالية حتى وإن كانت تنص بشكل صريح على مبدأ المساواة والعدالة لكل اليمنيين ..إلا أنها غير كافية بالنسبة لنا معشر المهمشين ..نظراً لطبيعة الأوضاع المأساوية التي خلفتها في محيطنا قرون الاستبداد الماضية بصورة فرضت علينا البقاء القسري في أدنى الهرم الاجتماعي والطبقي جراء القيود والعوائق الماثلة أمام إمكانية السير بثقة صوب المستقبل. وما لم يتضمن الدستور الجديد إقراراً موضوعياً وصريحاً بواقع المعضلة العنصرية التاريخية وإقراراً أكثر صراحة وجدية بأحقيتنا العادلة كأقلية عرقية مقهورة ومضطهدة بحق التعويض التاريخي العادل الذي سيتيح لأجيالنا القادمة امتلاك أسباب ومقومات النماء والتطور الإنساني العادل بمختلف الصعد المعيشية والحضرية ..فلن تكون هناك عدالة مرتقبة على الصعيد الوطني ..إذ كيف يمكن لهذا المجتمع التغاضي عن جرائم ما يقرب من ألف وخمسمائة عام مضى اقترفت في حق اجيالنا المتلاحقة على إيدي آبائهم وأجدادهم.. وأن يتجاهل في الوقت عينه حقنا الطبيعي والعادل في التعويض المادي والاعتباري والإنساني الذي يمكننا من الوقوف على أقدامنا في مواجهة مآسي الحياة اليومية التي نتجرعها قسراً بسببهم ..لا لشيء سوى أننا خلقنا وعلى أعناقنا تتدلى قيود الموروث الدوني والعنصري البغيض. كما أن على المجتمع اليمني إدراك الصلة التاريخية المباشرة بين ما نعانيه اليوم ..كأقلية عرقية مسحوقة ..من أوضاع متعثرة على صعيد التطور البشري المفترض .. وبين الممارسات الاجتماعية الإقصائية التي مورست طيلة التاريخ الإنساني الآثم وفق مذاهب التفوق والاستقواء الذي ظل ولا يزال يشكل المعيار الوحيد تقريباً لقياس مستوى العلاقات العرقية والإنسانية المختلة والمريضة. لقد حرمنا تاريخياً وفي سياق نفس المنظور المذهبي الاستقوائي من امتلاك كل مقومات النماء والتطور الإنساني العادل مثل الحق في امتلاك الأرض ووسائل الإنتاج وحق ممارسة الأعمال الحرة والتجارة... الخ الأمر الذي نجم عنه وبشكل تراكمي خلق أوضاع مأساوية غاية في الخطورة في محيط هذه الفئة على مختلف الصعد المعيشية والخدمية والتعليمية والصحية والإنسانية، بحيث إننا لا نزال الطبقة الاجتماعية والعرقية الوحيدة التي يفتقر حوالي 95% في المائة من أبنائها للقدرة على امتلاك المساكن الصحية والآمنة ونفس النسبة تقريباً تغلفها الأمية المعرفية والعلمية مثلما لا نزال الفئة الاجتماعية الأكثر عرضة للاستغلال الوظيفي على الصعيدين الرسمي والمجتمعي والأكثر عرضة للانتهاكات اليومية وأعمال القتل والإيذاء العرقي والعنف المكرس بشقيه الرسمي والمجتمعي في ظل افتقارنا المبطن وغير المعلن لحقوق الحماية القضائية والدستورية والقانونية في سياق معادلة الاستبداد التاريخي القائم والموروث. وذاك شيء يسير إذا ما قورن بكل ظروف الحياة الإنسانية المحيطة بنا ..والتي ينبغي أن تشكل حافزاً للمجتمع للمبادرة في التكفير عن أخطائه وجرائمه التاريخية وذلك عبر الموافقة على إقرار جملة من قوانين التمييز الإيجابي أهمها الإقرار بحق الأخدام كضحايا تاريخيين في الحصول على تعويض تاريخي عادل جراء قرون الاستبداد الطويلة والموافقة عبر الأدوات التشريعية المقترحة على منحهم حصصاً معينة من الثروة الوطنية ونسباً ثابتة في التعليم العام والعالي والوظيفة العامة والتمثيل السياسي والبرلماني والمشاركة المتكافئة في إدارة الشئون العامة للبلاد. مثلما ينبغي على هذا المجتمع وعبر ممثليه في منظومة الحوار الوطني إدراك أننا وكفئات مغدورة ومنتقصة الحقوق والكرامة والحرية الإنسانية ملتزمون ببذل كفاح اشد بأساً وضراوة لنيل كافة حقوقنا السياسية والمدنية والإنسانية المستلبة .. وإن خيبات الأمل الناجمة عن استمرار تجاهلهم التاريخي لحقوقنا ومطالبنا المشروعة لن تسهم إلا في إفراز المزيد من مناخات عدم العدالة والاستقرار والفوضى الاجتماعية والتفكك والاحتقان العرقي. لقد حان الوقت بالنسبة لشعبنا اليمني وبلادنا للوفاء بتعهداتهم الأخلاقية تجاه الإنسانية ..وما لم يبادروا في إقرار جملة من القوانين والتشريعات الدستورية الكفيلة بسد الثغرات المجتمعية والعرقية المتنامية وإعادة الاعتبار الفعلي لإنسانيتنا المسلوبة فلن يكون بمقدورهم ضمان واكتساب حرياتهم السياسية والمدنية والإنسانية واستقرارهم الحضاري المنشود .. فلا يمكن لأي مجتمع يجيز بأية صورة كانت استبداد فئة اجتماعية أو عرقية داخلة في تكوينه الاجتماعي والوطني أن يصبح مجتمعاً حراً وقادراً على امتلاك أسباب نموه واستقراره وتطوره الحضاري والإنساني. ü الرئيس التنفيذي لحركة الأحرار السود في اليمن رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة نقلاً عن صحيفة تعز