على حين غرة من عصر يوم السبت الماضي، كانت القاعة الكبرى، اكبر قاعات العاصمة صنعاء، على موعد مع حدث دامي، خلف اكثر من 200 قتيل و500 مصاب، تجمعوا لعزاء وزير الداخلية في حكومة الحوثيين اللواء جلال الرويشان. صاروخان متتاليان بفارق سبع دقائق حولا القاعة التي تتسع لثلاثة الف شخص إلى محرقة، وظل الدخان يتصاعد منها لأكثر من 24 ساعة، وقبل أن تنقطع أعمدة الدخان تبادلت أطراف النزاع في اليمن التهم حول مرتكب المجزرة الأكبر منذ انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية في سبتمبر 2014 وتدخل التحالف العربي بقيادة السعودية في مارس 2015 لإعادة الشرعية في اليمن. الحوثيون وحليفهم صالح بادروا لاتهام التحالف بقصف قاعة العزاء، فيما نفى التحالف صلته بالحادثة، مؤكدا أن لدى قواته توجيهات واضحة بعدم استهداف الأماكن العامة والمدنيين، وبين هذا وذاك يرى طرف ثالث بأن ثمة أياد خفية تقف خلف هذه المجزرة لتحويل مسار الحرب في اليمن.
وترجح مصادر يمنية ان الهجوم الذي استهدف دار العزاء، عملية استخباراتية، خطط لها على مستوى رفيع لتصفية القيادات التي كان يعول عليها في المشاركة بمسك زمام الأمور في حال حدوث أي تسوية سياسية قادمة. وتقول المصادر إنه تم استهداف أغلب الشخصيات التي عرفت بوسطيتها وميولها للشرعية، وفي مقدمتهم أمين العاصمة عبدالقادر هلال، الذي كان المرشح الأبرز لرئاسة البلاد، في اي تسوية سياسية، واللواء علي الجائفي، قائد قوات الاحتياط (الحرس الجمهوري)، واللواء الركن أحمد ناجي مانع، وقيادات عسكرية ومدنية أخرى رفيعة المستوى.
وقال القيادي السابق في جماعة الحوثيين علي البخيتي، المقرب من صالح في الوقت الراهن، إن “أهم قيادات الجيش الذي كان يعول عليهم استلام صنعاء قتلهم التحالف في مجزرة القاعة الكبرى”، واصفا إياهم في تغريدة على تويتر بأنهم “قادة عظام لم يوالوا سلطة الحوثيين، انحنوا للعاصفة فقط”. وتزامن الهجوم على القاعة الكبرى مع اقتراب الجيش الوطني والمقاومة الشعبية التي تتمركز على تخوم محافظة مأرب من خولان، فيما يخشى الإنقلابيون من وقوف قبائلها مع الشرعية، وهو ما دفع بمراقبين ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بالجزم أن العملية المنفذة تمت لضمان موقف قبيلة خولان.
واستثمر زعيم الحوثيين وحليفه علي عبدالله صالح الحادثة، ووجها خطابين منفصلين في قنواتهما الفضائية حرضا فيها قبيلة خولان للثأر لرجالها، ودعيا للتوجه نحو الحدود السعودية. وفيما بدا صالح أكثر غضبا في خطابه الذي أعقب الحادثة، كانت قبيلة همدان التابعة لمحافظة صنعاء والمتمركزة شمال غرب العاصمة، تبحث عن اللواء علي الجائفي قائد قوات الحرس الجمهوري، الذي غيب بعد نقله لمستشفى الموشكي لتلقي العلاج جراء إصابات خفيفة، وتحت ضغط شديد من القبيلة أفرج عن جثمانه، بعد أكثر من 24 ساعة على اختفائه ليعلن مقربون من الجائفي تعرضه للتصفية. وبعد ساعات من إعلان مقتل أمين العاصمة، بادر نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي إلى نبش منشورات عابد المهذري القيادي الحوثي ورئيس تحرير صحيفة الديار الموالية للحوثيين، التي كان قد هدد فيها عبدالقادر هلال بالتصفية وطالب بكنسه في مانشيت عريض تصدر الصفحة الأولى لصحيفته في أحد أعدادها.
وتقول مصادر رفيعة في قيادة الشرعية ان اللواء الجائفي كان على تواصل دائم بقيادة الشرعية، وأن الأخيرة طلبت منه البقاء في صنعاء، لتسند إليه مهام مستقبلية، مع قيادات أخرى قتل بعضها في القاعة، التي أخلت كل الأطراف مسؤوليتها عن استهدافها، بانتظار تحقيق دولي لفك شيفراتها. وزاد في غموض الحادثة مقتل القيادي الحوثي صلاح العزي عضو المكتب السياسي للحوثيين اليوم الاثنين، في ظروف غامضة، رغم تصريحات لاحقة من أسرته أنه قضى بحادث مروري، وجاءت وفاة العزي بعد يومين من نشره تسجيلا مرئيا على صفحته لحادثة الصالة الكبرى والذي لاقى انتشارا واسعا في وسائل التواصل والمواقع الإخبارية وعلى القنوات.
وبين هذا وذاك ينتظر اليمنيون والعالم أجمع نتائج التحقيقات في المجزرة التي ادينت من كل دول العالم، وكذا من أطراف الحرب الحرب في اليمن، الانقلابيين والشرعية، ومن دول التحالف العربي، ومختلف المنظمات الدولية.