"The American Conservative" (أميريكان كونسيرفيتف)/ ترجمة خاصة ل"اليمن اليوم".. فارس سعيد الحرب التي تقودها المملكة العربية السعودية وتدعمها الولاياتالمتحدة في اليمن تحولت إلى حربين في 26 مارس. فشلت الحرب التي أطلق عليها في البداية اسم عملية " عاصفة الحزم"، والآن وبشكل أكثر سخرية التي أطلق عليها اسم "استعادة الأمل"، في تحقيق أي من أهدافها. ويحتفظ الحوثيون وحلفاؤهم اليمنيون، بالسيطرة على معظم اليمن الشمالي الغربي، ولا تزال الحكومة اليمنية التي لا تحظى بشعبية بالداخل في المنفى. وبالإضافة إلى ذلك، نجحت الحرب في إفقار الملايين، وتمكين تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وتهدد الآن المنطقة برمتها بازدياد عدم الاستقرار. يواجه اليمن، وهو بالفعل أفقر بلد في الشرق الأوسط، الآن مجاعة كارثية. 60 % من اليمنيين معرضون لخطر المجاعة. ويحتاج أكثر من 17 مليون شخص من بين 24 مليون نسمة إلى مساعدات فورية. دمر القصف العشوائي على مدى عامين من قبل المملكة العربية السعودية وشريكها الرئيس الإمارات العربية المتحدة، البنية التحتية لليمن. وقد استهدفت الطائرات السعودية - التي تعتمد على الولاياتالمتحدة بالتزود بالوقود في الجو - الجسور والطرق والمصانع والمستشفيات والمزارع وحتى الجنازات. كما أسقطت السعودية الذخائر العنقودية غير المنفجرة على الأراضي الزراعية الأكثر إنتاجا في اليمن حيث من المحتمل أنها ستقتل وتشوه المدنيين لسنوات قادمة. وقد لقي أكثر من 10 آلاف شخص معظمهم من المدنيين مصرعهم في الحرب. ومن المحتمل أن يموت عشرات الآلاف من الأشخاص بسبب المجاعة والأمراض في الشهور القادمة. عجز المملكة إن عجز المملكة العربية السعودية عن تحقيق أهدافها في اليمن على الرغم من الحملة الجوية التي يبدو أنها تعرف القليل من القيود الأخلاقية بسبب أمرين: أولا، أظهرت الحرب أن الجيش السعودي هو نمر من روق. ثانيا، أظهرت الحرب مرة أخرى الحدود الحقيقية للأسلحة المتقدمة عندما تواجه عدوا خلاقا وحازما يعرف كيفية الاستفادة من التضاريس المعقدة. وعلى الرغم من إنفاق مليارات الدولارات على أحدث الأسلحة في عام 2016، والسعودية لديها ثالث أكبر ميزانية عسكرية في العالم، لكنها فشلت وغير قادرة على هزيمة عدو فقير وعاقد العزم بنفس الوقت. وقد ازدادت ميزانية الدفاع في المملكة منذ "الثورات" التي اجتاحت الشرق الأوسط في عام 2011. وقد وفرت الأموال على قواتها الجوية والجيش والقوات البرية السعودية الملكية والحرس الوطني السعودي. وكانت فورة الإنفاق هدية لمصنعي الأسلحة الأمريكية والبريطانية. على مدى السنوات الثماني الماضية، وافق الكونغرس الأمريكي وإدارة أوباما على مبيعات الأسلحة المربحة للسعودية. في نهاية ولاية إدارة أوباما، تم وقف مؤقت لبيع الذخائر الموجهة بدقة إلى السعودية. وكانت هذه هي الدلالة الهامة الوحيدة على أن قصف السعودية غير المقيد لليمن ربما أعطى بعض المشرعين الأمريكيين وقفا مؤقتا. غير أن إدارة ترامب، عن طريق وزارة الخارجية، أشارت إلى أنها ستستأنف مبيعات الأسلحة. ويأتي ذلك بعد زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للبيت الأبيض في 14 مارس. كما أنه أيضا وزير الدفاع السعودي، وهو أحد الداعمين الرئيسيين لحرب بلاده ضد اليمن. ونظرا لهاجس إدارة ترامب حول إيران، فإن محمد بن سلمان والحكومة السعودية على الأرجح قد حصلوا على تعهدات أخرى بدعم حربهم في اليمن. وفي حين أن مبيعات الأسلحة ستجعل بلا شك مصنعي الأسلحة في الولاياتالمتحدة يجنون المزيد من المليارات، لكن الأسلحة الإضافية والضخمة من غير المرجح أن تساعد السعودية على كسب حربها في اليمن. في الواقع، فإن القوات البرية السعودية الملكية وحرسها الوطني قد أثبتت أنها غير قادرة على الدفاع عن الحدود الجنوبية للبلاد ضد الغارات الانتقامية المتكررة من قبل الحوثيين ووحدات الجيش اليمني المتحالفة معهم الموالية للرئيس السابق صالح. وعلى الرغم من إنفاق السعودية 87 مليار دولار على جيشها في عام 2016، طلبت السعودية مؤخرا من الجيش الباكستاني إرسال وحدات لمساعدتها على الدفاع عن نفسها ضد الحوثيين ووحدات الجيش اليمني المتحالفة معهم الذين لا يرتدون سوى الصنادل والذين لا يملكون أي دعم جوي وغالبا ما يقاتلون بالأسلحة الصغيرة. قهر الغزاة وحتى مع مساعدة المرتزقة - ينتشر عدة آلاف من المرتزقة في اليمن - والأسلحة المتقدمة، من غير المرجح أن تحقق السعودية أهدافها في اليمن. اليمن لديه تاريخ طويل من قهر الغزاة التي يعود تاريخها إلى الرومان، الذي أرسل جيشا تحت قيادة ايليوس غالوس لغزو اليمن حتى يتمكنوا من السيطرة على تجارة البخور. وتم دحر جيش غالوس في مأرب على الرغم من تفوقه التكنولوجي والعدة والعتاد. في الآونة الأخيرة، أثبت اليمن أنه مقبرة لجيل من الأتراك العثمانيين والمصريين. عانى العثمانيون من السيطرة على البلاد، وتخلوا عنها في نهاية المطاف. تدخل المصريون إلى جانب القوات الجمهورية في الحرب الأهلية في شمال اليمن في الفترة 1962-1970. وقد كلفهم تدخلهم ما لا يقل عن 25،000 جندي. كان المصريون - في ذلك الوقت - يمتلكون أسلحة متقدمة. كما قاتلوا مع بعض القيود الأخلاقية. حتى أن المصريين استخدموا الأسلحة الكيماوية على القوات الملكية المدعومة من السعودية، ومن المفارقة أن أحفاد العديد من السعوديين يقاتلون الآن - دون جدوى. هُزم المصريون من الرجال الذين كانوا يقاتلون ببنادق "لي انفيلد" البالغة من العمر 60 عاما ولم يكن لديهم دعم جوي ومحدودية الإمدادات. علم المصريون - مثل الأتراك من قبلهم - أن القوى المتفوقة والأسلحة المتقدمة لا تتغلب بسهولة على عدو مصارع يقاتل في بعض من أكثر الجبال وعورة في العالم. الجبال اليمنية، جنبا إلى جنب مع رجالها ونسائها الجلدين والمرنين، هي الأصل عندما يتعلق الأمر بإحباط الغزاة. في عام 1967، قام المستكشف الإنجليزي والعربي، ويلفريد باتريك ثيسيجر، بزيارة القوات الملكية المدعومة سعوديا التي كانت محاصرة في جبال شمال غرب اليمن. وقال المستكشف المخضرم لجبال هندو كوش وقسم الربع الخالي من الصحراء العربية: "لم أشهد أي مكان أكثر صعوبة ووعورة من السفر في اليمن". كما هو الحال في أفغانستان - التي لا تختلف عن اليمن من حيث الجغرافيا والسياسة القبلية - الجبال هي قوى سحرية مضاعفة تقريبا. إذا كان السعوديون يريدون صورة أفضل لمستقبلهم في اليمن، فإنهم يحتاجون فقط للنظر إلى حرب الولاياتالمتحدة في أفغانستان، أطول حرب أجنبية في تاريخ الولاياتالمتحدة. وعلى الرغم من إنفاق الولاياتالمتحدة أكثر من تريليون دولار واستخدام أكثر الأسلحة تقدما، فإن الولاياتالمتحدة فشلت في هزيمة طالبان. تسيطر الحكومة الأفغانية المدعومة من الولاياتالمتحدة على 63 في المائة فقط من البلاد. إذا لم تتمكن الولاياتالمتحدة من الفوز في أفغانستان بأفضل الجيوش المجهزة والمدربة على الوجود، فكيف يمكن للسعوديين أن ينتصروا في اليمن بجيش لا يستطيع حتى الدفاع عن حدوده الجنوبية؟! الجواب البسيط هو أن السعوديين لن ينتصروا إطلاقا. الحرب في اليمن سوف تطحن كل شيء - لسنوات قادمة إذا استمرت الولاياتالمتحدة في تمكين السعوديين. وفي الوقت نفسه، سيظل الملايين من اليمنيين يعانون ويموتون، وستزدهر جماعات مثل القاعدة في جزيرة العرب. وقد استفاد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية استفادة كبيرة من الحرب، ومن غض السعودية الطرف عن جماعة تقاتل نفس العدو، الحوثيين. والأهم من ذلك، أن القاعدة في شبه الجزيرة العربية ستتمكن من المضي قدما بجيل كامل من اليمنيين الذين سيكونون أكثر فقرا وأقل تعليما من آبائهم. إن انتكاسة الحرب التي تقودها السعودية في اليمن ستنتشر إلى ما هو أبعد من حدود اليمن. وقد حصل ذلك بالفعل. أدت الغارات التي يقوم بها الحوثيون ووحدات الجيش اليمني المتحالفة معهم في عمق محافظات جيزان وعسير ونجران إلى إشعال التوترات في تلك المحافظات حيث لا تحظى الحكومة السعودية وصيغتها الوهابية المتشددة للإسلام بشعبية من الكثير من السكان بما في ذلك الشيعة الإسماعيلية. وبعيدا عن ذلك، فإن الأسلحة التي أسقطتها كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في اليمن - ظاهريا لتسليح الميليشيات لمحاربة الحوثيين - يجري تهريبها إلى أماكن مثل الصومال. وتعاني حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة الصومالي منذ فترة طويلة من نقص في الأسلحة المتقدمة. وما من شك في أن حركة الشباب إلى جانب عصابات القراصنة الصومالية ستستفيد من تدفق تلك الأسلحة إلى البلد. وبما أن الحرب التي تقودها السعودية في اليمن تحولت إلى اثنتين، يمكن للمرء أن يأمل فقط من أن إدارة ترامب لن تضاعف سياسة إدارة أوباما وتمكين السعوديين إلى حد كبير في اليمن. فهذه السياسة لا تخدم مصالح الأمن القومي الأمريكي ولا تفعل شيئا للإسهام في الاستقرار الإقليمي. بدلا من ذلك، سوف تأتي بتداعيات عكسية ضخمة. الحرب الأهلية في الفترة ما بين 1962- 1970 في ما كان يعرف بشمال اليمن التي استقطبت مصر وغيرها من القوى الخارجية، بما في ذلك السعودية، استقرت أخيرا بعد أن سحبت تلك القوى قواتها وعتادها. ثم تمكن اليمنيون من الاستفادة من تاريخهم الطويل من التسويات التفاوضية وإنهاء الحرب. قد تعاد هذه العملية مرة أخرى إذا ما استخدمت الولاياتالمتحدة نفوذها الكبير لكبح جماح السعودية. ولسوء الحظ، هناك مليارات من الأسباب التي تجعل من غير المحتمل حدوث ذلك. *مايكل هورتون: كبير محللي الشؤون العربية في مؤسسة "جيمس تاون" الاستخباراتية الأمريكية. وهو مساهم متكرر في مجلة "جينز إنتليجانس ريفيو" الاستخباراتية، وقد كتب العديد من المنشورات الأخرى في: ذي ناشيونال إنتيريست، ذي إكونوميست، وويست بوينت. * مجلة (أميريكان كونسيرفيتف) صحيفة يومية.