وكيف بدت المساومة والمفاوضة وحينما كانت الثورة الوليدة قاب قوسين أو أدنى من تحقيق النصرالأكيد تدخلت الوصاية الدولية عبر أياديها المتشعبة في أجهزة الدولة لتحول ''الثورة'' الى ''أزمة'' و تفرض واقعاً جديداً وتسحب البساط من تحت أقدام قوى التغيير وتفرز نظاماً مُهجّناً مستنسخاً باسم المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية. ومؤخراً حينما بدت تلوح في الأفق بوادر حل الأزمة اليمنية, والإتفاق على الخطوط العريضة سارعت مجموعة الدول العشر لاستنفار حمية الموقف السياسي وإعادة المفاوضات الى نقطة الصفر متناسية بذلك مطالب الشعب وقوى التغيير, و قفزت بذلك على كل الإتفاقيات الدولية باحترام الشؤون الداخلية, بل وتعمّدت النظر بعين مصلحتها في اليمن تلبية لجموح التدخل والوصاية , والإستئثار بالقرار السيادي والسياسي معلنة انتهاء آخر بارقة أمل للحوار و لحل الأزمة الراهنة وحلحلة الأمور العالقة الشائكة , ومع تفويض المبعوث الأممي جمال بن عمر لاستلام ملف المفاوضات بتدخل مشين يلقي النظر الى الهدف من وراء هكذا تحركات ولا تخفى على أحد من كونها التالي. 1- الحفاظ على روح المبادرة الخليجية كبديل تسوية ومنهج لمختلف الأطراف السياسية مع مختلف الظروف والأزمنة والأسباب وتحييد الثورة الشعبية الى أزمة وحصرها في الإطار السياسي و خنقها والالتفاف عليها كما كانت عليه في العام2011. 2- الحفاظ على مصالح الدول المتمثلة في الأمن الأقليمي وإستنزاف ثروات الوطن والتدخل في تسيير عجلة السياسة الداخلية بما يلبي رغبات الخارج بدعوى الحفاظ على الأمن والسلم العالمي ومكافحة الإرهاب. 3- وكما تنص عليه المبادرة الخليجية من نظام محاصصة سياسية مجحفة يساهم في تمديد المرحلة الإنتقالية دون أدنى شرعية ويقوض رحى التغيير في البحث عن بدائل و حكومة تكنوقراطية ذات كفاءات وطنية عالية. 4- يشرعن الوصاية الأجنبية كخيار ثابت واستراتيجية قائمة لا حياد عنها حتى وان كان الثمن إنزلاق اليمن في حروب داخلية وعلى حساب رغبات الجماهير الغفيرة. 5- وعليه فان الإستجابه للمطالب الشعبية يقر العدالة الانتقالية و يخرج اليمن من بند الفصل السابع ومن تحت رحمة القرار 2041. وهذا ما لاتريده مجموعة الدول العشر مجتمعة وتسعى جاهدة للحيلولة دون وقوعه بما يجعل اليمن- كما هي عليه- كلياً تحت مقصلة البند السابع و الوصاية و التدخل الأجنبي. وهذا ما عرجت عليه السياسة الخليجية في إقصاء اليمن وعلى مدى عقود وجعلها الحديقة الخلفية البائسة للخليج المترف المتخم, و ما يبرهن أن القرار اليمني ليس بيد أبناءه وأن هناك مصالح دولية تقرها الهيمنة الأمريكية وتستقوي بها بالجوار العربي لفرض الهيمنة وبسط السياده بما فيها التدخل العسكري وبناء الإستحداثات والقواعد الحربية ,فسلطة حاكمة تخضع للإرادة الشعبية غير مرغوب فيها ولا تلبي الطموح بالتوسع و الهيمنة, وهذا ما درجت عليه السياسة الأمريكية مؤخراً في المنطقة و اللعب بورقة الإرهاب و استنفار داعش كما هي صنيعة أمريكية خالصة كما وضحته هيلاري كلينتون في كتابها الأخير (خيارات صعبة), كان لابد من ايجاد ذريعة للتدخل الامريكي في المنطقة بعد فشل حكومات ثورات الربيع العربي المتأخونة في استقطاب التعاطف الشعبي والرضا العام , فانتهجت مؤخراً (سياسة الدين البديل) التي وضحها رئيس الإستخبارات الأمريكية بعد هجمات ال 11 سبتمبر جيمس وولسي بقوله '' سنصنع لهم أسلاماً يناسبنا, ثم نجعلهم يقومون بالثورات, ثم يتم انقسامهم على بعض لنعرات تعصبية , ومن بعدها قادمون للزحف وسوف ننتصر'' و أضاف وولسي '' اننا سننجح في النهاية كما نجحنا في الحرب العالمية الأولى والثانية والحرب الباردة وسوف أختم بهذا ( سوف نجعلهم متوترين)!'' الخيار الأصعب الذي تبنته السياسة الأمريكية هو إيجاد تنظيم داعش وفرخنته من تحت عباءة الإخوان والجماعات المتطرفة كخيار استراتيجي للتدخل المباشر في سوريا والعراق والشام , واليمن ليس ببعيد عن إستراتيجية الشرق الأوسط الجديد, لم تعد المسأله كماهي عليه سياسه داخلية أوجرعة او تنفيذ مخرجات حوار أو ماشابه ذلك بقدر ماهي وصاية وتدخل أجنبي مباشر , وهذا ما توضحه التحركات الأخيرة المكثفة للدول العشر في اليمن بعد (ثورة الجياع) و لقاء مساعدة الرئيس الأمريكي لشؤون مكافحة الإرهاب ليزا موناكوا مع الرئيس هادي وتواصل الأخير مع السعودية وماتلاه مباشرة في اليوم التالي من مجزرة بشعة بحق متظاهرين عزل أمام رئاسة الوزراء, بل وما يؤكدة ماوصلت اليه المفاوضات مع السلطة الى نجاح لولا التدخل الأخير واعادة الأمور الى المربع الأول, تؤكد ان طبول الحرب تقرع بأيدي خارجية تتناغم مع امبراطورية الفساد الجاثمة على صدور الملايين وترحب بها لتحفظ بقاءها, ومع فرض استقلالية القرار و وحدة وطنية شاملة وحكومة مستقلة ستفوت الفرصة على تنظيم داعش من البروز كقوة ضاربة في المجتمع بما يعني تلاشي التواجد الأمريكي وانعدام اسباب التدخل العسكري في اليمن وهذا مالا تريده أمريكا عبر أياديها العشر. تضارب السياسة الدولية بشأن اليمن تلقي بضلالها على المستوى الداخلي من تجاذب البيانات المتناقضة بشأن الثورة الشعبية ففي الحين حينما يصدر مجلس الأمن بياناً شديد اللهجة تبدو الدول العشر عبر سفراءها منصاعة للخطاب المتشنج وتدلي بدلوها على نفس المنوال وتارة تبدو دول الإتحاد الأوروبي أكثر ليونة وحياداً وترى انه يتم التعامل بقسوة مفرطة بحق المتظاهرين وكما عبرت عنه مؤخراً منظمة هيومن رايتس ووتش , تعود الدول العشر لتبني الحاور مع مطالب المتظاهرين بمرونة و بشكل متناقض,فإن كان في نظر مجلس الأمن والدول الراعيه ان المظاهرات مجرد اعمال تخريبية ومعرقلة للتسوية السياسية فلما التحاور والتعامل معها بشكل مباشر؟ ولما التقلّب في المواقف والأطروحات والتكهنات؟ وعليه فإن التخبط فيما وصلت اليه من العوده الى المبادرة الخليجية والتلويح بها, يوضح التالي. 1- قصر مدى الأفق السياسي لدى الخارج لما يحدث في اليمن والنظر بسطحية للأحداث وترجمه الواقع من نظرة سياسية ضيقة تلبي مطامح الغير وتستثني المطالب الشعبية. 2- ضعف الإرادة السياسية ممثلة بحكومة الوفاق بالإستجداء بالخارج والاستقواء به كسابقة خطيرة والتواطؤ معه لكبح جماح الثورة والمطالب العامة المشروعة. 3-ضعف الأداء السياسي للمؤسسة الرئاسية للدولة وغرقها في محيط التناقضات والمهاترات والتعامل ببرود شديد مما سهّل تدخل الدول العشر بكل جرأه. وعليه حينما تصبح مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية ( البرلمان- الحكومة- الرئاسة) فاقدة الشرعية ومنتهية الصلاحية -بحكم المبادرة الخليجية- ومع انتهاء الفترة القانونية تصبح بذلك تباعاً المبادرة في حكم اللاغية ولا يصح التعامل معها وسنّها كمصوغ ومرجعية قانونية للحل وفرض واقع جديد.