(عندما أنتصر الحوثي على نزعة الحقد وتغلب على مشاعر الانتقام وقبل بمظاهر الانهزام وهو في قمة الانتصار) . أصارحكم القول وأوضح لكم الحقيقة إذا قلت لكم بأنني كنت أخشى من تداعيات كبيرة نتيجة ذلك الانهيار الكبير لمؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والانهزام الحربي السريع لطرف سياسي معين مقابل طرف سياسي أخر له معه ثارات دموية مريعة وجولات من الصراعات التناحرية المتراكمة نتجت عنها أحقاد كبيرة ورواسب دفينة, ولذلك كان من الطبيعي ان اتوقع أنا (ومعي الكثيرين من المراقبين المحليين والدوليين) وفي ظل مثل هذه الأحداث الدراماتيكية المتسارعة لحرب محلية خاطفة أن يرتبط ذلك الانهيار السريع لطرف سياسي محدد مقابل تحقيق الانتصار الحاسم للطرف الأخر بقيام عمليات واسعة من الانتقام والتنكيل بالطرف المهزوم (تماما كما حدث محليا في أحداث يناير المشؤومة العام 1986م ونتائج الحرب الظالمة العام 1994م, وعربيا بتداعيات انقلاب السيسي في 3يوليو من العام 2013م في مصر) لنشهد عمليات واسعة من الغدر والانتقام تترجم إلى جرائم قتل بشعة وعمليات اغتيالات شنيعة وسلسلة واسعة من حملات الاعتقالات والاختطافات والاخفاء القسري ينتج عنها أعمال التنكيل والتعذيب للطرف الأخر المهزوم .
وتماما كما حدث عندنا وقريبا في اليمن بين طرفي الصراع في ثورة فبراير من العام 2011م وقبل ان يؤول الحسم لأحد الطرفين, حينها ذلك الطرف الذي حسب نفسه منتصرا بات اليوم منهزما غير مأسوف عليه ولا عزاء للانتهازيين الجبناء ممن ركبوا أمواج الثورة وقطفوا ثمار النصر ثم اخلفوا وعودهم لشعوبهم بل واذاقوهم الآمرين .
وعودا على بدء فأنني أوكد بأن جماعة الحوثي وحركة أنصار الله (وقبلهم الجماهير الكادحة من الشعب اليمني) قد حققت انتصارا انسانيا وقيميا عظيما إلى جانب الانتصار العسكري المشهود عندما جاهدت النفس الأمارة بالسوء فتغلبت على نزعات الحقد وسيطرت على مشاعر الانتقام فلم نشهد مطلقا أي من تلك المظاهر السيئة لتداعيات الحروب المدمرة والمعروفة لدينا جميعا, إلا أن البعض المتآمر والفاسد والمتعطش للدماء والمكاسب الرخيصة يعتبرها أمور طبيعية ولابد منها بل أنها عندهم هي تلك الاستحقاقات الواجبة ! وتحديدا كما فعلواهم في استغلالهم البشع لنتائج حربهم الظالمة على أهلنا في الجنوب, وعندما تمادوا كثيرا في غيهم وذهبوا بعيدا في بغيهم ليصادروا حقوق أهلنا السالمين في صعدة وطوال الحروب الستة فيبيحوا لضمائرهم الميتة ولأهوائهم المريضة أن يمارسوا أسواء الانتهاكات الانسانية وأبشع الجرائم الجماعية بحق أخوة لهم في الدين وشركاء لهم في الوطن.. بينما من فعل كل تلك الجرائم في الأمس القريب يأتي اليوم كالحمل الوديع ليحدثنا شاكيا باكيا ويعترض عن حجب وسائل اعلام حزبية منفلتة هي من تثير البلبلة والفرقة وتوقظ الفتنة النائمة وفي هذه اللحظة الحرجة من حياة هذا الشعب وعند مفصل تاريخي في مصير هذا الوطن, فيكون حجبها (هو عمل اضطراري ووقائي مؤقت يدوم بضعة ايام فقط ولا أكثر ) يصب في صالحها وأداة حماية لها أكثر منه وسيلة عقاب أو أسلوب ردع وانتقام ..!!
ثم يحدثونك معاتبين لما حدث من عمليات نهب واقتحام هي محدودة في الزمان والمكان والتأثير العام وتمس عدد محدود من المناوئين ممن كان لهم السبق في الأفعال المدانة والتمادي في الأعمال المشينة وهم من ذوي العلاقة السلبية بالأحداث السابقة واللاحقة وبعضهم الأخر ممن رفضوا مطالب الجنوح للسلم التي عرضت عليهم عدة مرات ومؤخرا, بينما من يقوم بهذه الأعمال الخارجة عن القانون هي عصابات مأجورة ومرصودة هدفها الاساسي هو الاساءة البالغة والمتعمدة لتشويه المشهد المنصف والمتوازن القائم اليوم وبشكل مذهل لا يصدق وبعد تلك الحرب الخاطفة, والالتفاف على استحقاقاته الواجبة والراهنة .
كما أن تلك العصابات الآثمة هي مرصودة في أعمالها الانتقامية ومدانة في أفعالها الاجرامية من قبل الطرف المشكو به وهو ايضا ذات الطرف المنتصر في هذا المقام وذلك هو الأهم في هذا الأمر .
بل ان الأجمل في هذا السيناريو الواقعي والمشهد الدرامي المتداخل في الأحداث والمتغير في المواقف أن نجد ذلك الطرف المنتصر هو من يترفع بتجرد وإيثار عن مظاهر الزهو الانتصار ويكف عن التباهي والافتخار ويتخلى بتواضع وطيبة خاطر عن استحقاقات النصر والمشهد القائم اليوم .
وهنا يتجسد صوت الحق في أجمل صورة وتتجلى معاني الحقيقة في أبهى حلة في مشهد انساني مؤثر وعظيم, عندما تتابع تسلسل الأحداث ويتم الكشف عن جوهرها ومضامينها, ليعبر عن أجمل قيمة انسانية وحضارية ويجسد أهم صفة اجتماعية واخلاقية هي روح التسامح ومعاني الايثار .
هو التسامح وفتح صفحة بيضاء جديدة مع الاخوان الاعداء, وهو الإيثار والتضحية من أجل الشعب ومن أجل الوطن .
وهنا يقدم الحوثي نموذج مختلف وجديد ليس لهُ مثيل, ويسجل موقف متميز ومتقدم لم يسبقه لهُ أحد, ويحقق انتصار قيمي اخر عندما يقبل أن يبدوا بمظهر الانهزام بينما هو في قمة الشعور بالانتصار .