فرحة عارمة تجتاح جميع أفراد ألوية العمالقة    الحوثيون يتلقون صفعة قوية من موني جرام: اعتراف دولي جديد بشرعية عدن!    رسائل الرئيس الزبيدي وقرارات البنك المركزي    أبرز النقاط في المؤتمر الصحفي لمحافظ البنك المركزي عدن    خبير اقتصادي: ردة فعل مركزي صنعاء تجاه بنوك عدن استعراض زائف    حزام طوق العاصمة يضبط كمية كبيرة من الأدوية المخدرة المحظورة    مع اقتراب عيد الأضحى..حيوانات مفترسة تهاجم قطيع أغنام في محافظة إب وتفترس العشرات    هل تُسقِط السعودية قرار مركزي عدن أم هي الحرب قادمة؟    "الحوثيون يبيعون صحة الشعب اليمني... من يوقف هذه الجريمة؟!"    "من يملك السويفت كود يملك السيطرة": صحفي يمني يُفسر مفتاح الصراع المالي في اليمن    تحت انظار بن سلمان..الهلال يُتوج بطل كأس خادم الحرمين بعد انتصار دراماتيكي على النصر في ركلات الترجيح!    الهلال بطلا لكأس خادم الحرمين الشريفين    تسجيل ثاني حالة وفاة إثر موجة الحر التي تعيشها عدن بالتزامن مع انقطاع الكهرباء    براندت: لا احد يفتقد لجود بيلينغهام    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    تعز تشهد مراسم العزاء للشهيد السناوي وشهادات تروي بطولته ورفاقه    مصادر دولية تفجر مفاجأة مدوية: مقتل عشرات الخبراء الإيرانيين في ضربة مباغتة باليمن    المبادرة الوطنية الفلسطينية ترحب باعتراف سلوفينيا بفلسطين مميز    شاب عشريني يغرق في ساحل الخوخة جنوبي الحديدة    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    خراب    عاجل: البنك المركزي الحوثي بصنعاء يعلن حظر التعامل مع هذه البنوك ردا على قرارات مركزي عدن    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 36 ألفا و284 منذ 7 أكتوبر    الحوثي يتسلح بصواريخ لها اعين تبحث عن هدفها لمسافة 2000 كيلومتر تصل البحر المتوسط    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    لكمات وشجار عنيف داخل طيران اليمنية.. وإنزال عدد من الركاب قبيل انطلاق الرحلة    بسبب خلافات على حسابات مالية.. اختطاف مواطن على يد خصمه وتحرك عاجل للأجهزة الأمنية    حكم بالحبس على لاعب الأهلي المصري حسين الشحات    النائب العليمي يؤكد على دعم إجراءات البنك المركزي لمواجهة الصلف الحوثي وإنقاذ الاقتصاد    قتلى في غارات امريكية على صنعاء والحديدة    الإخوان في اليمن يسابقون جهود السلام لاستكمال تأسيس دُويلتهم في مأرب    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    جماهير اولمبياكوس تشعل الأجواء في أثينا بعد الفوز بلقب دوري المؤتمر    مليشيا الحوثي تنهب منزل مواطن في صعدة وتُطلق النار عشوائيًا    قيادي في تنظيم داعش يبشر بقيام مكون جنوبي جديد ضد المجلس الانتقالي    بسبب قرارات بنك عدن ويضعان السيناريو القادم    تقرير حقوقي يرصد نحو 6500 انتهاك حوثي في محافظة إب خلال العام 2023    لجنة من وزارة الشباب والرياضة تزور نادي الصمود ب "الحبيلين"    تكريم فريق مؤسسة مواهب بطل العرب في الروبوت بالأردن    الامتحانات.. وبوابة العبور    رسميا.. فليك مدربا جديدا لبرشلونة خلفا للمقال تشافي    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    مخططات عمرانية جديدة في مدينة اب منها وحدة الجوار    هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء؟    حكاية 3 فتيات يختطفهن الموت من أحضان سد في بني مطر    تحذير عاجل من مستشفيات صنعاء: انتشار داء خطير يهدد حياة المواطنين!    الطوفان يسطر مواقف الشرف    وزارة الأوقاف تدشن النظام الرقمي لبيانات الحجاج (يلملم)    لا غرابة.. فمن افترى على رؤيا الرسول سيفتري على من هو دونه!!    اعرف تاريخك ايها اليمني!    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    رسالة غامضة تكشف ماذا فعل الله مع الشيخ الزنداني بعد وفاته    جزءٌ من الوحدة، وجزءٌ من الإنفصال    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحليل: كيف يمكن التكيف مع حالات عدم الاستقرار السياسي؟
نشر في عدن الغد يوم 30 - 10 - 2015

أصبحت حالة عدم الاستقرار أحد المكونات الأساسية للبيئة السياسية في معظم دول الشرق الأوسط، خاصة عقب موجات الربيع العربي، التي كانت بمثابة العامل الكاشف عن هذه الحالة، إذ تفجرت حالات عدم الاستقرار على أثر تعقيدات المراحل الانتقالية في بعض دول الثورات العربية، وعدم حسم الصراع السياسي على السلطة في بعضها الأخر، وهو ما أدي لتصاعد مقاربات متعددة للتكيف مع حالات عدم الاستقرار الممتد والتعايش مع حالات عدم اليقين السياسي باعتبارها من أهم معطيات التفاعلات الإقليمية غير القابلة للتغير في الأمد القريب.

مفهوم "عدم الاستقرار الممتد"
يُعد "عدم الاستقرار السياسي" هو أحد المفاهيم التي أثارت جدلاً أكاديمياً واسعاً، وذلك بسبب تعدد الاتجاهات النظرية والأطروحات الإجرائية التي انبرت في تعريفه، إلى جانب الخلط الدائم الذي يحدث بين هذا المفهوم وبين مفاهيم سياسية أخرى، مثل: العنف السياسي، والصراع السياسي، والشرعية السياسية.
وبعيداً عن هذا الجدل الأكاديمي، يمكن تعريف "عدم الاستقرار السياسي" على أنها "إخفاق النظام السياسي في التعامل الناجح مع الأزمات التي تواجهه، وإدارة الصراعات المجتمعية، والاستجابة للحد الأدنى من التوقعات المجتمعية، مما يؤدي إلى تآكل شرعية نظام الحكم، وتفجر العنف السياسي، وفقدان مؤسسات الدولة القادرة على فرض القانون، أو ردع منتهكي النظام العام".
ويُظهر لنا التعريف السابق، أن "حالة عدم الاستقرار السياسي" ليست عمليةً فجائية الحدوث، إنما هي عملية تراكمية، ذات مؤشرات وتأثيرات قابلة للتفاقم. وبالتالي، يصبح لدينا حالتين من عدم الاستقرار السياسي، الأولى: هي حالة عدم الاستقرار السياسي المؤقت، والتي تتسم بمحدودية مؤشراتها، وقصر المدى الزمني لتأثيراتها. الثانية: هي حالة عدم الاستقرار السياسي الممتد، والتي تتسم بتعدد وتعقد مؤشراتها، وهو ما يولّد بالضرورة تأثيرات خطيرة وذات مدى زمني طويل، وترتبط ديمومة عدم الاستقرار السياسي بثلاثة أسباب رئيسية.
1- اختلال العلاقة بين الدولة والمجتمع: إن الدولة كفاعل على الرغم من امتلاكها أدوات متعددة للتأثير، فإنها لا تستطيع منفردة إدارة المجتمع لوجود عدد كبير من الفاعلين المجتمعيين الذين يؤثرون على قدرة الدولة على تحقيق الضبط الاجتماعي. حيث يؤكد "سيمون مارتن ليبست" أن الاستقرار السياسي يرتبط بوجود اقتناع شعبي بأن المؤسسات والقوانين السائدة هي الأكثر ملائمة للمجتمع، وأن الخضوع لتلك القوانين كفيل بتحقيق المصالح العامة، وحماية المجتمع من التهديدات.
لذلك فإن اختلال العلاقة – سواء في شكل تأزم أو توتر أو عداء – بين المجتمع والدولة، يُعيق الأخيرة عن تحقيق الضبط الاجتماعي، مما يوّلد حالة من عدم الاستقرار السياسي، التي تمتد طالما استمر هذا الاختلال. وينبع هذا الاختلال بالأساس من عدة عوامل؛ أولاً: تجلي البُعد الإكراهي في علاقة الدولة بالمجتمع، من خلال إفراط الدولة في استخدامها للقوة ضد المجتمع، وحجب الحريات السياسية والثقافية عنه. ثانياً: فقدان الدولة لثقة المجتمع، نتيجة تراكم سياسات حكومية فشلت في تلبية الحد الأدنى من التوقعات المجتمعية. ثالثاً: عدم قدرة الدولة على فهم الطبيعة الاثنية والثقافية للمجتمع، مما يُنتج سياسات طائفية تثير غضب المجتمع.
2- تصاعد صراعات النخب السياسية الحاكمة: وهو الأمر الذي يظهر من خلال عدة مؤشرات، تتمثل في: الثورات، والانقلابات العسكرية، وانهيار الحكومات الائتلافية، وإقالة شاغلي السلطة المركزيين، عقب إخفاقهم في إدارة أزمة معينة، مثل الهزائم العسكرية والأزمات الاقتصادية، وهو ما يُنتج تغييرات هيكلية فجائية ومستمرة، تقوّض دعائم الوحدات السياسية، والقواعد الحاكمة للتفاعلات المجتمعية البينية. الأمر الذي غالباً ما يكون مصحوباً بحالة من السيولة السياسية وعدم اليقين والغموض، ومن ثَمَّ عدم الاستقرار السياسي الممتد.
3- السيولة السياسية وانعدام اليقين: والتي تفشل الدولة في التعامل معها، إمّا بسبب التداعيات غير المتوقعة التي قد تنجم عنها، أو بسبب "عدم اليقين" المرتبط بمساراتها، أو بسبب عدم ثبات الموقف وتطوره بصورة متسارعة إلى أزمة ضاغطة على صانعي القرار. ويُعبّر عن هذا بجلاء، سيطرة داعش على مناطق في شمال العراق، وإعلانها الخلافة الإسلامية في 10 يونيو 2014، في ظل انهيار غير متوقع لقوات الشرطة والجيش العراقية، وهو ما كان حدثاً مفاجئاً لصانعي القرار في العراق ودول الإقليم والدول الكبرى.
أنماط عدم الاستقرار السياسي الممتد
تواجه بعض دول منطقة الشرق الأوسط أنماط متعددة من عدم الاستقرار السياسي يتمثل أهمها فيما يلي:
1- العنف السياسي: تعاني معظم دول الإقليم من العنف السياسي الحاد بدرجات متفاوتة، إذ تعتبر سوريا حالة نموذجية لانتشار العنف السياسي طويل المدى، في ظل الصراع الأهلي الممتد بين نظام الأسد والميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية مثل تنظيم داعش وجبهة النصرة، وهو ذات الأمر الذي ينطبق على تفجر العنف السياسي في اليمن وليبيا والعراق.
2- الفراغ الحكومي: يتمثل الفراغ الحكومي في شغور أحد مراكز الحكم، وهو ما قد يُنتج – على المدى البعيد - حالة من "الإخفاق الوظيفي"، حيث تعجز الدول عن أداء وظائفها التقليدية، من حيث تقديم الخدمات الأساسية، ودرء التهديدات الأمنية، وكذلك تحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وغالباً ما يبرز الفراغ الحكومي خلال المراحل الانتقالية التي تعقب الثورات، أو مع تورط أجنحة الحكم في صراعات سياسية أو عسكرية، وتوجد عدة أنماط للفراغ الحكومي من حيث الموضع الشاغر ضمن مؤسسات الحكم، وهي:
• غياب رأس السلطة: وهو ما تشير إليه حالة ليبيا، وذلك بسبب الصراع السياسي والعسكري بين حكومتي طرابلس وطبرق، أو حالة اليمن بعد استيلاء الحوثيين على السلطة، أو الجزائر أثناء تلقي الرئيس بوتفليقة العلاج في فرنسا، أو لبنان، التي أخفقت فيها محاولات التوافق لانتخاب رئيس للجمهورية.
• غياب البرلمان: وهو ما تقدمه الحالة المصرية، مع غياب المؤسسة التشريعية لمدة تقارب الثلاث سنوات، مما أعطي رئيس الدولة سلطة إصدار القوانين والتشريعات بصفة مؤقتة. ورغم وجود برلمانين في ليبيا، أحدهما في طبرق، والأخر في طرابلس، إلا أنه ينطبق عليها حالة "غياب البرلمان"، وذلك من منطلق أن عدم حسم الصراع السياسي بين برلماني طبرق وطرابلس، يقود إلى عدم تمكّن أحدهما من ممارسة سلطاته كاملة، ناهيك عن أن سيولة الوضع الميداني، تجعل هناك مناطق غير خاضعة لإحدى الحكومتين - ومن ثَمَّ لبرلماناتهما – مثل مدينة سرت، الخاضعة لسيطرة داعش، إلى جانب بعض مناطق الجنوب الليبي.
• غياب السيطرة الإقليمية: بمعني عدم قدرة الدولة على فرض إرادتها وتطبيق قوانينها على أجزاء من أراضيها في مقابل صعود فاعلين مسلحين يمتلكون قدرات عسكرية تضاهي الجيوش النظامية، بشكل يقوّض مقتضيات احتكار الدولة للاستخدام الشرعي للقوة في مواجهة التهديدات الأمنية، وتعتبر العراق نموذج مثالي لهذا النمط من الفراغ الحكومي، وذلك في ظل السيطرة التامة لتنظيم "داعش" على أجزاء من أراضيه.
3- صعود الفاعلين المسلحين من غير الدول: شهد العالم، بداية من العقد الماضي، تبلور موجة جديدة من الفاعلين من غير الدول، مثل: التنظيمات الجهادية المتطرفة (كالقاعدة وداعش)، وجوجل، والفضائيات العابرة للقومية، والتي كان لها تأثيرات كبيرة على الاستقرار، سواء على المستوى الداخلي أو الدولي.
وقد كان للفاعلين العنيفين من غير الدول أكبر الأثر في تقويض الاستقرار السياسي في بعض دول الإقليم. حيث استغل هؤلاء الفاعلين ضعف الدولة وضعف قدراتها على القيام بوظائفها الأساسية، ليحققوا ما يُعرف ب"الاختراق الموازي"، أي مساومة الدولة على الشراكة في وظائفها، وفي بعض الأحيان، إنهاء احتكارها للاستخدام الشرعي للقوة. فعلي سبيل المثال، أصبح حزب الله اللبناني يمتلك من المقدرات المادية والمعنوية ما يجعله يمثل كياناً موازياً للدولة اللبنانية، حيث يسيطر على جزء من إقليم الدولة اللبنانية، ويمتلك شبكة من الموارد الاقتصادية المستقلة عن موارد الدولة، كما أنه يمتلك السلاح، فضلاً عن امتلاكه سياسة خارجية مستقلة عن سياسة الدولة اللبنانية تجاه العديد من القضايا. وقد حاولت جماعة "الحوثيين" تبني نفس مسار "حزب الله اللبناني"، ونجحت إلى حدٍ بعيد في تقويض مصادر قوة الدولة اليمنية، والاستيلاء على كمٍ هائلٍ من الأسلحة، مما أعاق الدولة عن ممارسة وظائفها السياسية. إلا أن الاصطفاف الإقليمي، المتمثل في تحالف عاصفة الحزم، تمكّن من تعطيل المشروع .
4- الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية: إن تزايد الاختلالات الاقتصادية غالباً ما يخلق فجوات اجتماعية واسعة، الأمر الذي يفضي إلى ارتفاع نسبة الفقر، وتآكل الطبقة الوسطى، التي تلعب أحد الأدوار المحورية في عمليات الضبط المجتمعي الذاتي، وقد عانت بعض دول الإقليم، قبيل موجة الربيع العربي، من اختلالات اقتصادية، جاءت نتيجة تبني هذه الدول لنماذج تنموية، تسببت في ركود اقتصادي، وارتفاع لمعدلات البطالة، وزيادة معدلات الفقر.
وقد أشار تقرير لبنك "كريديه سويس" السويسري، صدر في أوائل عام 2014، إلى حجم الفجوة الاجتماعية في البلدان العربية، فذكر أن ما لا يقل عن 48% من الثروة الخاصة في لبنان تتركز في أيدي 8900 مواطن، يشكّلون 0.3% فحسب من السكان البالغين، مما مكّن لبنان من احتلال المرتبة الرابعة عالمياً في عدم المساواة بعد روسيا وأوكرانيا وكازاخستان.
أما مصر، وبحسب مؤشرات البنك الدولي، فإن 20% من السكان يمتلكون 80% من الثروات، في حين أن 1% من فئة الأثرياء تمتلك حوالي 50% من إجمالي الثروة، وفي الأردن، لا يختلف حال تركز الثروات، إذ تؤكد الأرقام الرسمية أن الطبقة الغنية تصل إلى 8.2% من السكان، فيما يشكل من هم دون الطبقة الوسطى نسبة 50.8% من السكان، وفي تونس، تظهر تقارير اقتصادية دولية إلى أن نسبة الفقر وصلت الى 30%، في الوقت الذي تحتل فيه المرتبة الأولى في المغرب العربي من حيث ارتفاع نسبة الثراء، وتذكر التقارير أن 20% فقط من أثرياء تونس يسيطرون على 80% من ثروات البلاد.
5- تزايد التهديدات الحدودية: أصبح تفاقم التهديدات الحدودية أحد المؤشرات الرئيسية لحالة عدم الاستقرار السياسي، خاصة في إقليم الشرق الأوسط خلال السنوات القليلة الماضية، فلم تعد الحدود آمنة أو مصونة، بل صارت حدوداً سائبة، أو كما يطلق عليها في بعض الأدبيات "الحدود اللينة Soft Borders"، ولقد حملت هذه "الحدود السائبة" جملة من التهديدات غير التقليدية، التي تفاقمت في ظل انتشار العنف السياسي الحاد في الإقليم.
حيث أصبحت المنطقة تعاني من أنشطة "الجماعات الإرهابية العابرة للحدود"، التي لا تهدف لتحقيق مكاسب مادية، ولكنها تتبنى أهدافاً أيديولوجية متطرفة، مثل تدمير النظام السياسي والاقتصادي القائم، وذلك من خلال بث الخوف والرعب، وإفقاد الأفراد الثقة في المؤسسات الاجتماعية القائمة، بل وأحياناً اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة لإسقاط الحكومة القائمة، كما يحدث في سوريا والعراق من قبل تنظيم "داعش"، وغيره من الجماعات الجهادية هناك.
وعلى جانب أخر، تصاعدت أزمة اللاجئين في الإقليم، في ظل انتشار الصراعات المسلحة الداخلية، إذ أن إقليم الشرق الأوسط صار يشهد أكبر موجات نزوح إنساني منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ تَقَدّر أن هناك ما بين 14 و15 مليون لاجئ ومُشرَّد داخلي، خاصة مع احتدام المعارك المسلحة في سوريا، واليمن، وليبيا، والعراق، فيما يُعد اللاجئون السوريون أغلبية ذلك العدد في المنطقة.
مقاربات التكيف مع عدم الاستقرار
تكونت قناعات لدي عدد كبير من المحللين السياسيين – خاصة عقب الثورات العربية – أن مقاربة "الحل الجذري" لعدم الاستقرار محض أسطورة، واتجهت المقاربات النظرية إلى البحث عن حلول لحالة عدم الاستقرار السياسي الممتد عبر‮ "‬منظور التكيف‮" ‬مع الظاهرة نفسها، أي احتوائها والتقليل من آثارها، وتعتمد فاعلية هذه المقاربات في "التكيف" على مدى استيعاب الدولة والمجتمع لمعطيات البيئة الجديدة التي خلّفتها حالة عدم الاستقرار السياسي الممتد، وتشمل مقاربات التكيف مع حالات عدم الاستقرار ما يلي:
1- التحرر من وهم "السيطرة الكاملة": حيث يحتاج صانعو القرار إلى التحرر من وهم تحقيق "السيطرة الكاملة" على أي موقف، على نحو يسمح بتعزيز قدرة الدولة على التكيف مع التحديات الجديدة التي تولّدها وترعاها حالة عدم الاستقرار الممتد، حيث أثبتت موجة الثورات العربية خطأ اعتقاد البعض بأن تحقيق السيطرة الكاملة يُفضي إلى حالة الاستقرار، فهذا الوهم قاد بعض الأنظمة العربية إلى محاولة السيطرة التامة على تفاعلات المجتمعات، وذلك عن طريق المؤسسات الأمنية، وقمع الحريات العامة وتهميش الأقليات واضطهادها، وهو الأمر الذي أدى إلى تدهور الأوضاع السياسية في هذه البلدان.
2- إعادة تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع: تُفضي الخبرة التاريخية في إقليم الشرق الأوسط إلى أن صناع القرار غالباً ما يروا أن الدولة هي نقطة الانطلاق والمرتكز الرئيسي، أمّا المجتمع فهو عنصراً تابعاً للتطور في شكل الدولة وأدائها، وفي نظرهم فإن نجاح الدولة يُقاس بقدرتها على التعامل بشكلٍ فعّالٍ مع المجتمع، وهو الأمر الذي يتوافق مع رؤية "جويل مجدال" – صاحب النموذج الأشهر عن العلاقة بين الدولة والمجتمع - الذي لم يرّ أن نموذج "المجتمع القوي والدولة القوية" قابل للتطبيق في دول العالم الثالث.
وقد أثبتت الثورات العربية، وما تبعها من حالات عدم استقرار سياسي – قد تصبح ممتدة - خطأ العلاقة الصفرية بين المجتمع والدولة. وهو الأمر الذي يشير إلى ضرورة تخلي دول الإقليم عن فكرة "الدولة العميقة"، والابتعاد عن معادلة التناسب العكسي بين قوة المجتمع وقوة الدولة، وذلك عن طريق تطوير عقد اجتماعي جديد يعزز التعاضد بين الدولة والمجتمع، ومن ثَمَّ سيادة علاقة غير صفرية تقوم على تقوية طرفيها، من خلال فك التشابك بين شبكات الفساد والمصالح والذراع الأمنية للدولة، وإعطاء المجتمع المزيد من الحرية.
3- إتباع "إستراتيجية التطويق" Hedging Strategy: تعتمد هذه الاستراتيجية على تبني مواقف متعددة غير حاسمة، تكون ذات نواتج وتأثيرات تصب في اتجاهات متعارضة، وذلك عند التعامل مع قضايا عالية المخاطر، وفي ظل بيئة تتسم بعدم اليقين، حيث يحاول صانع القرار التحلي بقدرٍ عالٍ من المرونة في محاولة الإمساك بأكبر عدد من البدائل، وذلك عبر تبني سياستين متعارضتين تجاه قضية ما، مثل الانخراط الإيجابي، إلى جانب الموازنة والسعي للاحتواء.
ونجد تطبيقات عدة لهذه الاستراتيجية على المستوى الدولي، تتجلى في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الصين، وكذلك عدد من الدول الأسيوية وعلى رأسها اليابان، التي اتجهت إلى تبني سياسة التحوط في علاقاتها مع الصين تحسباً لتمدد نفوذ هذه الدولة وعدم وضوح الرؤية حول أهدافها، ودرجة الخطورة التي قد يمثّلها الصعود الصيني على مصالح طوكيو.
وقد تأتي هذه الاستراتيجية بمردود إيجابي عند اتباعها على المستوى الداخلي، خاصة فيما يتعلق بقضايا مواجهة الإرهاب، وتصاعد العنف السياسي، وذلك من خلال عدم الاعتماد على جهاز واحد في الدولة لإدارة مثل هذه الملفات، ومنح صلاحية إدارتها لأكثر من جهة، باتباع أكثر من سياسة بصورة متناسقة ومتوازنة بهدف تعزيز التنوع في مداخل التعامل مع التهديدات.
4- تصعيد القيادات "الشعبوية": حيث أن مؤسسات الدول في ظل سيادة حالة عدم الاستقرار السياسي واستشراء الفوضى، تعمل على تعزيز نمط "القيادة الشعبوية"، أي القيادة التي تستطيع أن تطور مشروعاً قومياً تلتف وراءه القوى المختلفة في المجتمع، ليتم توجيهها على نحو يخدم هذا الهدف.
وهذا النوع من القيادات يختلف عن القيادات الكاريزمية التي سادت خلال القرن العشرين، حيث تستبعد هذه القيادات نمط التعامل الأمني العنيف مع المجتمعات، لإن مهمتها الأساسية تكون استعادة ثقة المجتمع بالدولة، مما يمكّنها من استعادة النظام في الشارع، لاسيما في حالة المجتمعات التي انتشرت فيها الفوضى بعد صراعٍ عنيف.
5- اقتراب "تحويل الصراع": هو اقتراب يكون ذا فاعلية أكبر على المدى البعيد في الدول التي تعاني من صراعات مزمنة، وينطلق من أن‮ "‬حل الصراعات‮" ‬عملية معقدة، لذلك تنصب الجهود على إجراء تغيير في السياقات الاقتصادية، والاجتماعية، وفي تغيير أطراف الصراع، بإحداث تغييرات في السلوك والأيديولوجيا والاتجاهات. أي التركيز على أطراف الصراع وبيئته أكثر من الوقوف أمام المشكلات ذاتها. وفي ذات الوقت ضرورة تجاوز بعض الصراعات أو قضايا الخلاف الموروثة من العهد الماضي، لصالح العمل على تغيير بيئة التفاعل السياسي، و‬تكريس فكرة الحلول‮ ‬غير الصفرية في الحياة السياسية، بتأكيد فكرة تداول السلطات، وعدم إلغاء طرف لوجود طرف آخر، سواء باسم الدين أو الحرية، ‬ووضع المحددات القانونية والسياسية التي تؤكد هذا التكريس.
وفي المٌجمل فإن تبني سياسات التكيف مع الفراغ السياسي يرتبط بصعود اتجاه الدولة لإعادة دمج واستيعاب التكوينات المجتمعية الوسيطة مثل القبائل والعشائر والحركات الدينية بهدف تحييد التوجهات المثيرة لعدم الاستقرار بالتوازي مع إصلاح وإعادة بناء مؤسسات الدولة وتقويمها لتقوم بوظائفها بصورة أكثر كفاءة كي تحظي بالحد الأدنى من الرضاء الشعبي الذي يكفل لها البقاء وتحقيق هامش معقول من الاستقرار السياسي والأمني.
*المصدر| المركز الإقليمى للدراسات الاستراتيجية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.