العملية السياسية اليمنية وصلت إلى طريق مسدود. يبدو أنّ الحل السياسي مُستبعد في ظل التصعيد الأخير من كلا طرفي النزاع اليمني. رئيس الوزراء اليمني د. أحمد دغر أوصل رسائل غير مباشرة للتحالف الحوثي الصالحي قبل يومين خلال إجتماعه بحكومته في العاصمة المؤقتة عدن، حيث ألمح أنّ حكومته لا تمتلك أي خيار آخر سِوى الحسم العسكري وصرح أيضا بذلك الناطق الصحفي باسم الحكومة اليمنية. وكشف دغر أيضا بأن ّ حكومته لا تمتلك موارد لكي تمول وتدير المحافظات المحررة. كما أوضح أن موارد الدولة والجمارك والضرائب وغيرها تورد للبنك المركزي الذي يخضع لسلطة الحوثيين. ولذلك حكومته لا تتحمل ما لحق بالإقتصاد اليمني من دمار هائل. كما أكد أنّ المجتمع الدولي يضغط على الحكومة اليمنية بتقديم مزيد من التنازلات للتحالف الحوثي الصالحي. قبل أيام ظهر الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في خطاب متلفز مع مجموعة من الإعلاميين التابعين لحزب المؤتمر. أظهر صالح في خطابه نوعا من التحدي والصمود مما يدل على أنّ الرجل لا زال يحمل في جعبته الكثير من الأوراق التي يساوم بها. كما أكدَ أنّ حزبه مستعد لخوض الحرب لعدة سنوات. وما استقبال وفد التحالف الحوثي الصالحي العائد من الكويت اليوم الا خير دليل على هذا التحدي. نعرف أنّ الرئيس اليمني السابق سياسي من الطراز الأول ويجيد اللعبة السياسية بامتياز. لكن، هل الوقت مناسب للمرواغة والمناورة؟ الشعب اليمني يُذبح من الوريد إلى الوريد ولا أحد يتألم لجراحه. لذلك فأن الوقت ليس وقت المرواغة لإنّ الشعب اليمني لم يعد يتحمل المزيد من المعاناة. اليمن اليوم بحاجة إلى مواقف شجاعة وتنازلات من كلا أطراف النزاع من أجل مستقبل 26 مليون يمني. لغة القوة والتحدي لن تؤدي الا إلى المزيد من الدمار والخراب، وطرفا النزاع يعرفون ذلك جيدا، إلا أنّ الغرور والأنانية والحقد الشخصي والجهل والتعصب الحزبي والمذهبي أعمى بصائرهم. يبدو أنّ العملية السياسية والحل السياسي أصبحا صعبين جداً في الوقت الحالي. فكل طرف متمسك بوجهة نظره مما يرجح كفة الخيار العسكري. فهل سينجح الحل العسكري؟ لا نملك إجابة وأضحة نظرا لضبابية المواقف الدولية والإقليمية والمحلية ولا نعلم ما تخبئه لنا الأيام. لكن، الأيام القليلة القادمة كفيلة بكشف المستور وما علينا سِوى التريث قبل أنّ نصدر الأحكام. مُستقبل العملية السياسية اليمنية مليئُ بالمخاطر والمطبات، وبالتالي المرحلة تحتاج إلى رجال مخلصين كي يخرجوا اليمن إلى بر الأمان. للأسف يبدو أّنّ كلا الطرفين ليس مؤهلا لقيادة المرحلة الحالية. إذا لم يكن هناك حل سياسي يشترك فيه كافة أطياف المجتمع اليمني بما فيهم الحراك الجنوبي بشقيه المسلح والمدني وحزب الإصلاح وحزب المؤتمر وجماعة أنصار الله الحوثية، فإنّ الأيام القادمة ستكون أكثر دموية والعنف سينتشر في كل مكان، بل قد نرى حربا ذات بعد طائفي وعنصري بامتياز ولا نستبعد أن يتكرر السيناريو الصومالي والسوري في اليمن. نعرف جيدا أنّ هناك حراك جنوبي في جنوباليمن ينتظر الفرصة الملائمة لكي يعلن فك إرتباطه بالقوة عن شمال اليمن في حال فشل الحوار في إقامة دولة جنوبية على حدود ما قبل 1990. الحراك الجنوبي يعرف أنٍّ دول الأقليم تعارض الإنفصال في الوقت الحالي. وبالتالي لا يستطيع فعل شي هذه الأيام لإنّه لا يوجد لديه دعم إقليمي ودولي. مستقبل العملية السياسية في جنوباليمن سيكون عنوانها القادم العنف والدمار والخراب والقتل والإغتيالات، إذا لم يكن هناك حل جذري لهذه القضية يرضي أبناء الجنوب. لا نعرف لماذ يتم تجاهل الحراك الجنوبي في هذه المرحلة بالذات! أمّا في شمال اليمن فسيكون هناك صراع بين حزب المؤتمر وجماعة أنصار الله الحوثية كطرف وحزب الإصلاح وحلفاءه كطرف. هذه الأطراف لا يمكن أنّ تتفق على عملية سياسية توافقية يشترك فيها الجميع. فالخلاف الايديولوجي والسياسي كبير بين هذه الأطراف مما يجعل العملية السياسية مُعقدة وصعبة في المستقبل. لكن، إذا وجدت قيادات مستنيرة في هذه الأطراف الثلاثة فربما تتجاوز الأزمة وتعيد بناء الثقة بين كلا الأطراف المتناحرة. نأمل ذلك. باختصار العملية السياسية اليمنية معقدة في شمال اليمنوجنوبه، ولذلك نحتاج إلى اطباء نفسيين لدراسة عقول عباقرة السياسة اليمنية كي نفك الشفرات ونعرف ماذا يريدون. النخبة السياسية اليمنية الحاكمة بكل أطيافها وتواجهاتها ليست بحجم المسؤلية ولا تستحق البقاء ليوم واحد لممارسة السياسة.