يقول حكيم الهند بيدبا {إن السفينة لا تقطع لجَّة البحر إلَّا بأمر مدبِّرها الذي تفرَّد بإمرتها ، ومتى ثقلت بالركاب وكثر ملاحوها لم يؤمن عليها الغرق} ... في كل العوالم وكل الأزمان لابدَّ من وحدة القيادة ؛ فالشعوب التي تتعدد قياداتها تتعدد توجهاتها وطرقها ، وغالباً ما تتعارض التوجهات والطرق ، وهذا يجعل هذه الشعوب مثل قطعان الغنم الهائمة في البيداء لتكون فريسة للضواري والجوارح .
ولذلك أرى أن أعظم مكسب حققه الجنوب من حرب 2015 هو التقارب الجنوبي ؛ فأصبح كل قيادة الصف الأول الجنوبي شركاء في السلطة الحاكمة للبلاد ،،، بل هناك مكسب آخر مهم أيضاً هو تنازل القيادات لبعضهم ؛ مثال على ذلك قبول الرئيس العطاس بالعمل مستشار .
باختصار لم تعد هناك أي ثغرة ينفذ منها المزايدون للمزايدة النضالية الانتهازية ، التي أعيتنا وأهدرت الفرص ومزقة الجنوب خلال السنوات الماضية ، وأصبح الجميع يتعاملون مع الواقع كما هو ، بعيداً عن الشطحات النضالية الانتهازية ، وحتى لو شطح البعض فلن يصدقه الشعب .
الواقع اليوم يقول بكل وضوح : أنَّ السياسيين اليمنيين اختلفوا منذ عقود على السلطة ، وكل طرف رفع شعارات تحشد أغلبية شعبية خلفه حتى يصل إلى السلطة . . . وخلال العقود الماضية حدثت صراعات فرعية ومواجهات واغتيالات ونضالات وثورات حتى وصلت البلاد إلى انقسام واحد بين سلطة شرعية وسلطة إنقلابية . وانقسم اليمنيون (الجنوبيون والشماليون) بين هذين الطرفين ؛ والأغلبية الجنوبية مع الشرعية بقيادة الرئيس هادي الذي هو جنوبي أولاً وآخراً
في السنوات الماضية لو كان لك قريب في السلطة ورأوك تسير معه قالوا أنت عميل وخائن لسلطة الاحتلال..!! .. الحمد لله ؛ فمن كان يقول هذا الكلام أصبح اليوم محافظ ووزير ووكيل وجنرال وجندي لهذه السلطة . . . وفي المقابل من كان يرفع التقارير إلى أسياده في صنعاء للإيقاع بأخوته الجنوبيين أصبح اليوم يضرب التحية العسكرية للمحافظ عيدروس وشلال والخبجي وغيرهم ، الذين لم يسلموا من تلك التقارير .
الحمد لله
وهذا الواقع الذي يعيشه الجنوب يبشر بمستقبل خالي من المزايدة والأكاذيب النضالية ؛ فالحراك والثورة أصبحت داخل السلطة نفسها . . . وداخل أجهزة السلطة يكون النضال الحقيقي ؛ ويكون النضال الحقيقي بطريقين :-
الطريق الأول ؛ إدارة المناطق (التي يديرها حراكيون) بخطط وعلم ودراية ، بدلاً من العشوائية والانتهازية المناطقة والعصبوية . . . وإنقاذ البلاد من الفاسدين والعاجزين واللصوص والجهلة والاندفاع بالبلاد نحو البناء والإنتاج والتنمية التي هي عمود الحرية ومطلب الشعب (والتي ما زلت اعتقد أنَّها لن تتحقق إلَّا بالتحرير والاستقلال) .
الطريق الثاني ؛ ضم مناضلي الثورة -الحراك- إلى أجهزة السلطة ، ويكون التعيين حسب الكفاءة والقدرات والعلم وليس بأسلوب الاستلطاف ومحاباة الأصهار والأصحاب وأصحاب البلاد كما كان يحدث في السلطة السابقة ، وكان يحدث أيضاً في مكونات الحراك . . . وتعيين الكفاءات يعني أنهم سيكونون عوناً للقيادات التي عينهم الرئيس هادي ، وبنجاحهم سوف يقدمون للعالم أخلاق وكفاءة قيادات الثورة الجنوبية ، حتى يقتنع العالم أنَّ الجنوبيون مؤهلين ليكونوا دولة مستقلة مستقرة ناجحة في المنطقة .
وهنا أذكر السادة المحافظين المحسوبين على الحراك ؛ أنتم تعلمون أن الرئيس يعين في المناصب بناءً على ترشيحات تأتي من المحافظات "يعني منكم" فكم نتمنى أن نسمع أنكم رشحتم قيادات في الخراج للعمل كسفراء في السلك الدبلوماسي ؛ على سبيل المثال الأخوة ؛ عبده النقيب ، د. عبدالله عبدالصمد ، أحمد بن فريد ، د. أفندي المرقشي ، د. سليم النهدي ، بدر الصلاحي وغيرهم كثير أعتذر لهم عدم ذكر أسمائهم .
ختاماً أقول ؛ الحمد لله الذي جمع في السلطة صقور السياسة الجنوبيين (المزايدين والمعتدلين ، السلفيين والاشتراكيين ، الوحدويين والانفصاليين) في مناصب واضحة وبعضها غير واضحة ؛ فاصبحوا جميعاً يدورون في فلك السلطة "الأغلبية في السلطة الشرعية والأقلية مع الانقلابية"
والشعب يسير خلفهم ؛ فإذا قالوا فدرلة فدرلنا ، وإن قالوا أقلمة أقلمنا ، فما خالفناهم بالأمس حين زايدوا فزايدنا ، ثم قالوا شرعية فشرعنا . . . فهكذا تقتضي الحكمة "التسليم بالمقادير" كما فرضها رفاق النضال .