بعد غياب عن أرض الجنوب دام أربعة أعوام، ذهبت إليه - وفِي تعبير أدق عدت إليه - وفِي ذهني جنوب جديد يبدأ فيه أبنائه ببناء دولتهم المنشودة. عدت وفِي ذهني أنني تلقيت في صيف 2012م دعوة من تيار مثقفون من أجل جنوب جديد، لحضور ورشة عمل بعنوان ما هو الجنوب الذي نريد؟. وفِي هذه الورشة تم تقسيم الحاضرين الى مجموعات، مجموعة تناقش دستور الدولة الجديدة، وثانية تناقش الحريات السياسية والحزبية، وثالثة تناقش العدالة والمواطنة المتساوية، ورابعة تناقش التنمية والحريّة الاقتصادية، وخامسة تناقش معيار الكفاءة والنزاهة لتقلد الوظيفة الحكومية. عدت إلى الجنوب.. وأنا أعلم يقيناً بأننا لم نصبح دولة بعد، ولكننا يجب أن نبدأ بصياغة مقدماتها، وإرساء مداميكها، من خلال السلطات المحلية التي نملكها، فلم يعد هناك على أرضنا قوات احتلال ولا حكومة من باباليمن، فكلا جهازينا الأمني والمدني أصبح بأيدٍ جنوبية خالصة، فلنبدأ بالعمل على تأسيس دولتنا، لنبدأ ببناء ما دمرته قوات الاحتلال اليمني، لنبدأ باستغلال ثرواتنا التي نهبتها أو بددتها عصاباتصنعاء، لنبدأ بالعمل على أرض الواقع حتى تحين ساعة إعلان الدولة، وكوردستان العراق خير شاهد على ذلك. نعيد دولة والعلم يرفع .. من فوق صيرة يوم إعلانه عدت إلى الجنوب لاصطدم بواقع مرير، فالمزاج الثوري الجنوبي أصبح منشورات على الفيس بوك والوتس اب، أكثر منه على الواقع. عدت لأجد أن زخم الثورة الجنوبية الذي ولد في عام 2007م وتعاظم عقب فبراير 2011م قد بدأ يخبو، عدت ولم أَجِد الروح المتقدة للنضال السلمي من أجل قضيتنا العادلة، عدت ولم أَجِد المقاومة الجنوبية الحقيقية التي سطرت أروع الملاحم في الذود عن أرض الجنوب، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر "خليك في البيت" ومن حظي بمكانة فقليل ما هم، عدت ووجدت الثقة شبه منزوعة من أي قيادة جنوبية ماضية أو حاضرة. عدت فوجدت المواطن الجنوبي البسيط قد سئم المماحكات والمفاحسات السياسية والمناطقية الجنوبية الجنوبية. عدت ووجدت والمواطن الجنوبي مسحوق يطرد وراء لقمة العيش .. يطرد وراء قطرات من الخدمات .. يطرد وراء بضعة عشرات من آلاف الريالات اليمنية هي راتبه الشهري الذي قد يأتي نهاية الشهر أو قد لا يأتي، عدت ووجدت ممارسات مناطقية تتجلى بأبشع صورها، عدت ووجدت ما تسمى قيادات الجنوب الكرتونية في فنادق دول الجوار، ودول ما وراء البحار، ترفل في نعيم ولا يهمها شعب يعيش في جحيم، إلا في جانب واحد فقط وهو استثمار تلك المعاناة لصالحها وصالح من حولها، وصالح صالح. عدت ووجدت رائحة عفاش ونظامه تفوح من كل المرافق الحكومية وتحديداً الخدمية منها، ولسان حال القائمين عليها يقول: لن تنعموا بالخدمات هذه حتى تقولوا: سلام الله على عفاش. غادرتُ الجنوب ولا أمل في الشروع بتأسيس الدولة الجنوبية المنشودة من وجهة نظري غادرت الجنوب ولا أمل يلوح في تحسن ملف الخدمات الذي أنهك المواطن، حتى يحسم الملف السياسي العام. غادرت الجنوب بعد أن بحثت عن الجنوب الذي نحلم به كمواطنين مشردين فلم أجده.