رحل الشيخ الدكتور الخضر الجونة وبقي علمه، فعندما تفقد الأحبة يصيب القلب حزن ولا يدري عنه الآخرون، فبالأمس القريب فقدنا حبيباً وعزيزاً وصديقاً ولكنه ليس كباقي الأصدقاء، فهو يحمل نقاء القلب وصفاء الذاكرة، هو فريد من نوعه نشأ وترعرع في رياض العلم، نهل من العلم ما لم ينهله أقرانه، فتراه متواضعاً مبتسماً دائماً . وحشة قد سبب رحيله، فعندما تمر بي الذاكرة على أماكن طالما جلسنا فيها، وتجاذبنا أطراف الحديث، فأنني أسمع نبرات صوته العذب وهو يردد آياتٍ من كتاب الله، أو حديثاً من أحاديث رسوله الكريم، أو مقولة لصحابي أو تابعي أو عالم من العلماء . حديثه عذب كعذوبة روحة وصفاء سريرته، لا يمل السامع حديثه، ولا تنقضي رفقته إلا بفائدة، غيبه الموت عنا ولكنه ترك لنا إرثاً من العلم، فرسالته ستظل مورد العلماء ومنهلاً لطلاب العلم، وفوائده العلمية مازال أصدقاؤه يستنيرون بها في طريق حياتهم، فما أسعد لحيظاتٍ فاز بها طالب علم برفقته، فهو المورد العذب، والماء الصافي النقي، من صحبه تحسنت أخلاقه، وأحب العلم، وإن كان بينه وبين العلم جفوة . إنه صاحب عقل راجح وتفكير واسع، أحاط بالكثير من شوارد المسائل العلمية، ترعرع على حب العلم، ونهل من ينبوعه، فما رأيناه منذ نعومة أظافره إلا طالب علم ، وله من الريادة فيه الصدر، فلا يرضى إلا بالصدر، لا يرضى إلا بالمراكز الأُول، فهو صاحبها . تركنا هذا العملاق ونحن بأمس الحاجة إليه، فهو النهر المتدفق علماً، وهو البحر الزاخر، وهو روضة من رياض علم رباني، عاش محافظاً منافحاً ومدافعاً عن سنة رسول الله، فتصدى للكثير من البدع، وألجم الكثير من المتطفلين، فجرفهم سيل علمه المتدفق، وأغرقهم بحره الزاخر . لله درك ياشيخنا فقد ملأت الآفاق أخلاقاً طيبة، فمن مملكة الخير أشاد الخيرون بسمو روحك وعظمة أخلاقك، وفي أرض الحكمة بكاك الأحبة، فأنت العَلم المنتظر الذي لطالما انتظرنا عودته، ولكن لا نملك إلا أن نقول : رحمة الله تغشاك، وإنا لفراقك يا حبيبنا لمحزونون، ولا نملك إلا الصبر، فإنا لله وإنا إليه راجعون ...