أن إبراز مشروع معين لفئة من البشر او جماعةً من الجماعات، سواءً كانت طائفيةً او عرقيةً سلاليةً، او قوميةً سياسبةً، وما شابهها من ذلك ، ولأجل ضمان الآبرار به يجب أن تكون لهُ مقدماتٍ تمهيديةٍ يُأتى بها من قِبل العاملين عليه، ويتوجب أن تُسبق بمجموعةً من العوامل المحفّزة كحزمة مؤثراتِ وتعزيزات تساعد ذلك المشروع في الوقوف على قدميهِ يناطح ما بدأ بهِ غيرهُ من قوةٍ. فعلى سبيل المثال لو تتبعنا مسار خلفيات الصراع اليمني الحالي بين قطبيه الرئيسين والمعتمدين على الساحة اليمنية بعيداً عن غيرهم الضاهرين، واحد ممثلاً بالشرعية اليمنية بزعامة هادي والآخر ممثلاً بالحوثين بزاعمة عبد الملك الحوثي وايضاً اليمنية، فالأولى قدمت محملة على ضهرِ المبادرةِ الخليجيةِ واليتها التنفيذيةِ، والثانيةُ ابتداءت كجماعةٍ متمردةًٍ مسلحةًٍ تتوسع في إطار جغرافي معين كودهُ لا يتعدى مديريةً او مديريتينَ من مديريات محافظة صعدة أبان حكم نظام علي عبدالله صالح، لتتوج من بعد سيطرتها على صنعاء بتوسعها في عام 2015م إلى معظم الاراضي اليمنية، وليتكلل جهدها في الأخير بضهورها كمنتجٍ رائجٍ، ومعتبر متحولة بهذا هي الناهي والأمرَ على رقعةٍ كبيرةٍ من اراضي الشمال اليمني ذات الكثافة السكانية العالية، ولم يجد في حينه المجتمع الدولي بما فيهم دولٍ عربية من حرج في التعاملِ معها ومن لحضة بلوغها صنعاءَ.
فكما بات هو المؤكد طيلة هذه السنوات والتي مرت من عمر الحرب، أن الحل السياسي يعتبر إطار عام تدعمهُ الأسرة الدولية وتلتزم به جميع الأطراف الماثلةَ في مشهد الصراع بما فيهم دول التحالف العربي بقيادة الممللكة العربية السعودية، هذا وفقا لمجل التصريحات الصادرة ويُدلي بها الجميع كلا على حدة وعند كل مناسبة من المناسبات. لهذا نستنتج أن ذلك الحل من البديهي سيكون نسبة لما يحتفظ به كل طرف من اوراق ضغط يزكيها بما يحضى به من تأيد وقبول في حواضنه الرئيسية.
فعلى مايبد اخيراً أنهُ بداءت تلوح في الأفق بوادر إنحسار نسبي مبشرة بالتفاؤل كمقدمة ستضع نهاية لحرب لم تبارح مكانها ومنذو فترة ما يقارب الست سنوات، وعاجزة أن يسير بها طرف من الأطراف نحو الحسم، وظل الجميع فيها رغم العداء يناورون بلغةِ المصالحِ، وعلى اساس ضمان وحدة الأرضي اليمنية إهمالاً لكل المطالب ومهما كان مشروعية إستحقاقها التاريخي أجلّها وأهمّها مطلب الشعب الجنوبي في إستعادة دولته المنشودة على إثر فشل وحدة عام 90م.
والذي إلى اليوم لم يسعفَ بفرصة تمكنه لخوذ المنازلة وصولا لمرحلةً متقدمةً من التصفيات، وبالرغم من تصعيده الموقف بقوة مقابل الحوثين بل وتصدرهُ المنافسةَ متعسكراً على مواقع عدة، مغيراً تكتيكاته وإستعراضاته من الدفاع إلى الهجوم، منطلقاً من الجنوب إلى العمق الشمالي وصولاً إلى الحد الجنوبي السعوديي، لكنه مع هذا وللأسف لم يحصل على بطاقة مشاركة كفريق معتمد يلعب تحت أضواء الإنارة الكاشفة للتحالف العربي، وبإشراف المجتمع الدولي عن طريق جرفتش ومن سبقه من المندوبين، وفقط يُعتبر إلى الآن جزء يضهر عند كل المواقف محسوماً امره من ضمن فريق هادي ولايسمح له الخروج عن هذا الإطار، بل وعليه أن يضّمن إشكالياته وخلافاته تحت ذلك.
لما يدلل هذا أن البلد قادماً على موجه من الأعاصير السياسية، فرزها يختلف هذه المرة اختلافاً جوهرياً عن المؤلوف لمدار المواسم السابقة، ومن أول ملامح ذلك تبرز علينا في اكتساح مصدات حماية قضية الجنوب لترغمها على التّداعي والتهاوي أمام رياحها العنيفة والعاتية، وإن قدر لها التصاعد ستطال تأثيراتها المحتملة اليمن برمتها لتصيبها إذا قدر الله وأستمرّت بكوارث تشبه إلى حدٍ بعيد كوارث لبنان والعراق.
فكل الدلائل والقرائن لتتبع خرائط مؤشرات المناخ السياسي اليمني، تبشر بتقاربات متعددة، مستهلها بدأءَ اخيراً بالعمل على تشكيل حكومة محاصصات بين الإنتقالي والشرعية...حكومة لا تستوعب مفهوم مكون سياسي بعينه وإنما فلكلور متنوع من الأطياف المنظوية تحت لواء الشرعية، وما يعززها تنفيذ اجراءات تبادل الثقة والتي تكللت بخروج مئات الأسراء والمعتقلين لدى جانبي الصراع المعتمدين أنفي الذكر ليؤكد هذا بما لا يدع مجالاً للشك أن التفاهمات ستفضي اخيراً نحو منحنى مصالحة قادمة يلتزم به الجميع لا محالة. وما يجري الآن ليس إلا عملاً يهدف من اجل إفساح المجال لها كي تسود وتسير تصاعدياً متابعة مسارها من الجزء إلى الكل، بمباركة وتلطيف من تيارات الخليج الدافئة والقادمة من صحارى الربع الخالي محملة بنظام محاصصات لليمنين ومن المآمل له انه سيجتاح كل ما في طريقه من موانع وعلامات توقّف، ومن بعد أن يُلقيها ارضاً إذا قدر لها القيام لن تكون هذه المرة إلا على اساس تموضعٍ جديدٍ، يتمرجح من الجنوب إلى الشمال، ومن الشمال إلى الجنوب نفياً لأي تحصينات تاريخية قامت سابقاً ومن زمنٍ بعيد، ومهما كان حجم مدلولها إلا أن تأثيرها سيبقى هامشي لا يقوى الصعود إلى الأعلى ويمارس تقدمهُ وهي من ظلت على الدوام محاطة بكثير من التجاذبات خصوصاً من حرب 1994م بإستطاعة المنتصر حينها إختزال نطاق جغرافية البلاد بالقوة القاهرة من دولتين إلى دولة واحدة...واسمها الجمهورية اليمنية.