انطلاق دوري "بارنز" السعودي للبادل للمرة الأولى عالمياً    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    جماعة الحوثي تتوعد ب"خيارات حاسمة وجريئة".. ماذا سيحدث؟    الرئيس العليمي: مليشيات الحوثي قتلت نصف مليون وشردت 4 ملايين يمني وليس لديها الرصيد الأخلاقي للدفاع عن فلسطين    لا صافرة بعد الأذان: أوامر ملكية سعودية تُنظم مباريات كرة القدم وفقاً لأوقات الصلاة    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    تاليسكا سيغيب عن نهائي كأس خادم الحرمين    كريستيانو رونالدو يتصدر قائمة فوربس للرياضيين الأعلى أجرا    الحوثيون يفرضون حصاراً خانقاً ويشنّون حملات اختطاف في احدى قرى حجه    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    انكماش اقتصاد اليابان في الربع الأول من العام الجاري 2024    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    إصابة مواطن ونجله جراء انفجار مقذوف من مخلفات المليشيات شمال لحج    موقف بطولي.. مواطنون يواجهون قياديًا حوثيًا ومسلحيه خلال محاولته نهب أرضية أحدهم.. ومشرف المليشيات يلوذ بالفرار    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    من يقتل شعب الجنوب اليوم لن يسلمه خارطة طريق غدآ    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    انهيار جنوني .. لريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى منذ سنوات وقفزة خيالية للدولار والريال السعودي    عاجل: قبائل همدان بصنعاء تنتفض ضد مليشيات الحوثي وتسيطر على أطقم ومعدات حوثية دخلت القبيلة "شاهد"    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    هل تتجه المنطقة نحو تصعيد عسكري جديد؟ كاتب صحفي يكشف ان اليمن مفتاح اللغز    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    اختتام البرنامج التدريبي لبناء قدرات الكوادر الشبابية في الحكومة    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    دعوة مهمة للشرعية ستغري ''رأس المال الوطني'' لمغادرة صنعاء إلى عدن وتقلب الطاولة على الحوثيين    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المال والسياسة:التمويل الخارجي للإحتجاجات داخل الدول العربية
نشر في عدن الغد يوم 29 - 11 - 2011

شهدت السنوات الأخيرة تناميا كبيرا في حجم التمويل الخارجي للعمل السياسي، سواء كانت مصادر التمويل ممنوحة من الحكومات إلى حكومات أخري، أو من حكومات إلي منظمات المجتمع المدني، وقد تكون ممنوحة من مؤسسات غير حكومية أجنبية إلي أفراد أو مؤسسات غير حكومية لتحقيق أهداف ذات طبيعة سياسية، أو اجتماعية، أو ثقافية. وقد تزايد الجدل أخيرا حول اتساع دور وحجم التمويل السياسي في الدول العربية بعد ثورات الربيع العربي. يدفعنا ذلك للبحث في مجالات التمويل ودوافعه، ومعرفة الجدل المثار حوله في إطار التجارب الدولية في قضايا التمويل السياسي التي شابها الفساد، وقضايا التمويل السياسي في إطار الثورات العربية.

في البداية، نجد أن مجالات التمويل تتجه أساسا لدعم الأحزاب السياسية وحركات التغيير الديمقراطية، ومنظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان، ودعم الثورات الشعبية في الدول ذات النظم الديكتاتورية، والتأثير في الانتخابات البرلمانية والرئاسية وتنمية الديمقراطية، وتنمية الوعي بالقانون، وحماية الأقليات ضد التمييز وسوء المعاملة.

وقد تكون مصادر التمويل أموالا ناتجة عن أنشطة غير مشروعة، مثل استخدام أموال ناتجة عن تجارة المخدرات في دعم الحركات التحررية ضد الاحتلال، أو للانقلاب العسكري علي الحكومات المستبدة. وتكون الأموال في هذه الحالة ذات صلة بجريمة غسل الأموال. وقد تكون مصادر التمويل مشروعة تماما، مثل المنح التي تقدمها الدول والمؤسسات الدولية إلى جمعيات المجتمع المدني مباشرة أو بعد موافقة الحكومات.

وتشير الدراسات النظرية إلى وجود ثلاثة دوافع للاعتماد علي التمويل السياسي هي الدافع الأيديولوجي، والدافع الاجتماعي بهدف الحصول على وضع اجتماعي متميز أو شرف عظيم، والدافع المالي، ويقصد به الحصول علي مزايا مادية.
ويمكن أن يترتب علي الدافع المالي عواقب سياسية وخيمة، خاصة عندما يكون التمويل من موارد غير مرغوب فيها، وتسعي إلى التأثير غير الملائم في العملية السياسية، أو فرض أجندات خارجية لتغيير نظم الحكم، وثوابت الدستور، والممارسات القانونية الراسخة.

ونظرا لما قد يشوب هذا التمويل من فساد في الإنفاق، فقد بات واضحا ضرورة ضبط العلاقة بين منظمات المجتمع المدني والتمويل السياسي داخليا وخارجيا لمنع إساءة استخدام المال في إفساد الحياة السياسية، وشراء الأصوات في الانتخابات البرلمانية والإقليمية والرئاسية (الرشوة الانتخابية)، أو استخدام التمويل في زعزعة الاستقرار الأمني، وشيوع العنف، والفوضي الهدامة.

وتتفاوت وجهات النظر ورؤي مختلف الأطراف ذات العلاقة بالتمويل السياسي، حيث يري المانحون أو الممولون أهمية تقديم الدعم المالي لقوي التغيير الساعية نحو الديمقراطية، والتخلص من نظم الحكم المستبدة، وحماية حقوق الإنسان، وحماية الأقليات، ودعم حركات التحرر من الاحتلال أو الاستعمار، وتهيئة البيئة أو المناخ المناسب للتغيير، والتأثير في الرأي العام لتغيير القيم والمعتقدات الدينية أو الاجتماعية أو السياسية.

وتنظر نظم الحكم القائمة إلي التمويل الأجنبي للعمل السياسي، والمنح التي تقدمها الجهات أو الحكومات الأجنبية مباشرة إلي منظمات المجمتع المدني، علي أنها تدخل في الشئون الداخلية بدون وجه حق بهدف إثارة القلاقل والاضطرابات السياسية والأمنية في المجتمع، وتعارض ذلك مع القانون والدستور.بل يتطرف البعض في النظر إلى سلوك المنظمات والجمعيات المتحصلة علي التمويل علي أنها ترتكب جريمة الخيانة العظمي. إذ نجد أن تشريعات جمعيات العمل الأهلي تحظر عليها العمل السياسي، وضرورة الفصل بين العمل الخيري والعمل السياسي، ومنع الأحزاب السياسية من تلقي الأموال من الخارج.

ويثور الجدل بين المؤيدين والمعارضين للتمويل الخارجي للعمل السياسي، حيث نجد أن بعض المؤيدين يرون أن التمويل السياسي يؤدي إلى تحقيق دعم حقيقي، وتحفيز مادي للمؤسسات والمنظمات العاملة في مجال دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولعقد الندوات والمؤتمرات، وإجراء البحوث العلمية والميدانية في مجال الممارسات السياسية، ونشر الأفكار الداعية إلي التغيير بواسطة كافة الوسائل المتاحة، خاصة عند ما تعجز وسائل التمويل المحلي عن الإنفاق علي تلك الأنشطة المرتبطة بالإصلاح السياسي والديمقراطي.

ويري المعارضون للتمويل الخارجي للعمل السياسي أن المانحين للمعونات والتمويل لجماعات مجتمع مدني محلية لا يمنحون لهم هذه الأموال دون مقابل، ولكن لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، سواء كان التمويل من مصادر خارجية، أو من شركات داخلية تعمل علي دعم حزب سياسي أو مرشح رئاسي بهدف الحصول علي مقابل أو منافع مادية أو اقتصادية أو غيرها -بعد الفوز في الانتخابات- وبذلك لا يخلو التمويل السياسي من فساد أو تربح لأطراف داخلية أو خارجية مانحة.

ويعمل التمويل السياسي الإقليمي والدولي علي السيطرة على الإقليم المتلقي للمعونة أو التمويل، عندما تصبح المعونة أو المنحة عنصرا مؤثرا في الإنفاق علي أنشطة سياسية، وتكون مشروطة بتحقيق أجندة معينة قد تتعارض مصلحتها مع مصلحة الدول المتلقية، وتصر علي تنفيذ الشروط مقابل التمويل. كما أن الحكومات الأجنبية المانحة تتحرك من خلال منظمات علي صلة وثيقة بالأجهزة والسياسات الأمريكية أو الأوروبية، والتي تستخدمها كأدوات للسيطرة علي الإقليم سياسيا واقتصاديا وثقافيا.
التمويل السياسي في التجارب الدولية:
وقد استخدم المال السياسي في العديد من التجارب الدولية علي نحو غير شرعي، مما ع د فسادا في استخدام هذه الأموال، ومنها قضية فوجيموري مونتيسينوس في بيرو، وهي أهم القضايا التي حدثت في منتصف عام 2000، عندما ظهر شريط فيديو يظهر تورطه، حال كونه رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية في بيرو، في شراء أصوات انتخابية مقابل 15 ألف دولار أمريكي لعضو الكونجرس المعارض، تريس البرتو كوري، ليكسبه إلي صفه، حتي تتمكن الحكومة من الحصول علي أصوات الأغلبية في البرلمان، مما أدي إلي استقاله ألبرتو فوجيموري من رئاسة بيرو.

ومنها أيضا ما قامت به منظمتا (الجيش الجمهوري الأيرلندي الحقيقي) و(الجيش الجمهوري الأيرلندي المستمر) من الحصول علي الأموال لشراء الأسلحة من السوق السوداء، من خلال ما حصلت عليه من تبرعات لبعض الجمعيات الخيرية دون الإعلان عن مصادر التمويل، خشية تعرض المتبرعين للمحاكمة. كما قدمت كل من ليبيا وأكراد العراق تمويلا لمساعدة (حزب العمال الكردستاني الذي أنشئ عام 1978 علي يد عبدالله أوجلان) من أجل إقامة وطن كردي في تركيا.

وأمام عداء ومقاومة تركيا لهذا الحزب، فقد غادر تركيا عام 1980، وانتقل إلي وادي البقاع في لبنان تحت السيطرة السورية، ثم انتقل الحزب إلي شمال العراق، عقب حرب الخليج عام 1991. وتوضح بعض التقارير الدولية أن 40% من عوائد بيع الهيروين داخل بريطانيا اتجهت إلي خزائن حزب العمال الكردستاني.

وفي بريطانيا، نجد أن عام 2007 شهد تفجر فضيحة (المال مقابل الألقاب) التي تورطت فيها قيادة حزب العمال (ممثلة في رئيس الوزراء السابق توني بلير) كوسيلة لتوفير التمويل الحزبي، وفضيحة تورط أربعة لوردات في تقاضي عمولات من شركات وأشخاص مقابل تمرير تشريعات لمصلحتهم في البرلمان، وكذلك فضيحة (رسائل تشويه السمعة) التي تورط فيها (داميان ماكبرايد) مستشار رئيس الحكومة، والموجهة إلي مسئولين بحزب المحافظين بهدف التأثير فيهم وإحراجهم.

وجاءت بعد ذلك فضيحة (النفقات البرلمانية) أو المطالبات المالية من جانب وزراء ونواب في البرلمان، ينتمون إلي الحزبين الرئيسيين، العمال والمحافظين، ثم حزب الديمقراطيين الأحرار، وهي النفقات التي يفترض أن تخصص للخدمات الرسمية، بينما تم استخدامها في خدمة أغراض شخصية.

وقد تورط في هذه الفضيحة رئيس الوزراء البريطاني (جوردون براون) مما كان له أثر سلبي علي وضع وشعبية حزب العمال بشكل رئيسي، وحزب المحافظين بدرجة أقل، وذلك عام 2009، عندما كان الحزبان يستعدان لخوض انتخابات البرلمان الأوروبي، ثم انتخابات البرلمان البريطاني عام 2010. وعلي ضوء ذلك، استقال عدد من الوزراء ورئيس البرلمان وعدد من النواب من الحزبين الكبيرين، اللذين طالتهما الاتهامات، فضلا عن التأثير السلبي في مستقبل حزب العمال البريطاني وزعيمه (جوردون براون) الذي تعرض لمطالبات بالتنحي عن منصبه.

وقد ترتب على إثارة هذه الفضائح في وسائل الاعلام اضطرار الوزراء المتورطين فيها إلي تقديم استقالاتهم. وقدم (براون) اعتذاره عن إساءة أعضاء البرلمان استخدام المال العام، وطالب بإعادة النظر في القوانين والثغرات في بنود الإنفاق المخصصة للنواب لتأدية مهامهم، ثم أعلن عن الاتجاه إلي وضع تشريع لتنظيم نفقات أعضاء البرلمان، قبل انعقاد الدورة البرلمانية التالية.

كما اعتذر زعيم حزب المحافظين (كاميرون) للشعب، ورأي أن المواطنين علي حق في غضبهم، وأن ما تم الكشف عنه من تفاصيل عن نفقات مخصصات النواب يعد أمرا مروعا وتخاذلا أمام الرأي العام البريطاني. وأكد أنه طلب من جميع أعضاء حكومة الظل تسديد كل الأموال التي حصلوا عليها بدون وجه حق، وأن من يرفض ذلك سوف يتم طرده من لجنة الحزب البرلمانية، ولن يكون هناك مكان في البرلمان لسياسيين يخدعون دافعي الضرائب. وقام (كاميرون) بالمبادرة برد 947 جنيها استرلينيا صرفها نتيجة طلبات تقدم بها. كما قام بإقالة مساعده البرلماني (اندرو ماكاي) الذي طالب بنفقات لمنزله الثاني، تقدر بمائة وأربعين ألف جنيه استرليني، وأمر برد المبلغ.

وقد ترتب على تلك الفضائح المالية لرجال السياسة والأحزاب والبرلمان في بريطانيا تراجع شعبية حزبي المحافظين والعمال لمصلحة أحزاب صغيرة، مثل الحزب الوطني الذي استطاع أن يحصل علي مقعد في انتخابات البرلمان الأوروبي. وأشارت استطلاعات الرأي حينذاك إلى حصول حزب الأحرار علي نسبة تأييد 24%، متفوقا بذلك علي حزب العمال لأول مرة منذ عشر سنوات. كما مني حزب العمال بهزيمة منكرة في انتخابات البرلمان الأوروبي.

وتوضح حالة التمويل السياسي في بريطانيا أن الفساد السياسي يوجد في الدول المتقدمة، مثلما هو موجود في الدول النامية، ولكن المسئولين الفاسدين في الدول المتقدمة يحاولون إعطاء صفة الشرعية القانونية علي مخالفاتهم، حتي لا ينكشف أمرهم، وذلك في إطار عمليات غسل الأموال المرتبطة بالفساد السياسي.

وتشير بعض الدراسات إلى استخدام المال غير المشروع في تمويل الحملات الانتخابية، خاصة عندما تكون هناك قيود مفروضة علي الأحزاب السياسية والأفراد المرشحين من خلال نظم التمويل، ومن ثم الاضطرار إلي التمويل السياسي غير المنتظم. والمثال علي ذلك التبرع القانوني والمريب الذي حصل عليه صندوق حزب العمال، ويبلغ 125 ألف جنيه استرليني عام 2001، وذلك كتبرع من الملياردير الهندي "لاكاسمي ميتال" قبل تقديم رئيس الوزراء البريطاني (توني بلير) المساعدة في نقل ملكية مصنع سيدكس الروماني للحديد والصلب.

كما تبرعت شركة (ألفا) بتبرعات غير قانونية للاتحاد الديمقراطي المسيحي التابع لرئيس وزراء ألمانيا السابق (هيلموت كول) بهدف شراء معمل تكرير البترول ليونا في شرق ألمانيا. وقد صرح المديرون التنفيذيون للشركة بأن أموال (ألفا) قد تم استخدامها بانتظام في تمويل الأحزاب السياسية الفرنسية والمرشحين للرئاسة، ولدفع مصروفات طلاق الرئيس الاشتراكي السابق (فرانسوا ميتران) والذي تكلف ما يعادل خمسة ملايين يورو. ويظل المكسب الرئيسي للمشتغلين بالعمل السياسي هو المحافظة على المركز السياسي، عن طريق استخدام الأموال.

وفي روسيا، اتهم الرئيس (بوتين) عام 2000 بالاستفادة من أرباح شركات سويسرية لدعم النظام خلال الانتخابات الروسية. وقد رأي البنك الدولي أن التمويل السياسي غير الشرعي أداة للاستيلاء علي الدولة. ويقوم مؤشر التمويل السياسي الخاص غير الشرعي بقياس نسبة الشركات التي تري نفسها متأثرة بشكل مباشر بالمنح السياسية غير الشرعية. ولكن هذا المؤشر لا يعطي صورة كاملة عن التمويل السياسي الفاسد، ويعجز عن أن يأخذ في الحسبان العديد من أشكال التمويل السياسي غير الشرعي، بما في ذلك اختلاس الأموال العامة بالاستخدام غير المشروع للموارد العامة في الأغراض السياسية كاستخدام الحزب الحاكم لنفوذه من أجل اختلاس أموال من خزانة الشركات الحكومية، أو سوء استخدام موارد الدولة لأغراض التمويل السياسي، مثل استخدام الموظفين والمكاتب والعربات في الحملات الانتخابية.

وفي ضوء ما سبق، تحتاج الأحزاب السياسية إلي آليات الرقابة الداخلية في صورة وكلاء ومديرين ماليين، ولوائح أخلاقية، وإجراءات محاسبية، وشيكات وأرصدة مالية، ولجان أخلاقية تساعد في الإشراف علي الإدارة المالية وأنشطة الحصول علي التمويل.
وتشير بعض الدراسات إلي أهمية وضع ضوابط للعلاقة بين منظمات المجتمع المدني وتمويل الأحزاب السياسية. وقد كانت الجمعية الأرجنتينية للشفافية الدولية من أولي الجمعيات التي وضعت نموذجا لمراقبة إنفاق الحملات الانتخابية، وطبق النموذج في لاتفيا، ورومانيا، وسلوفاكيا،وأوكرانيا.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تقوم عدة جمعيات غير حكومية بمراقبة إسهامات تمويل الحملات المقدمة لمرشحي الانتخابات، والأنشطة المالية للنواب المنتخبين الذين يقدمون المنافع للجهات المتبرعة لهم. والمثال علي ذلك مؤسسة أبحاث لمواطنين في لوس أنجلوس، ومركز السياسة التجارية الذي يقدم معلومات مفيدة عن الجهات المتبرعة، والإنفاق علي انتخابات الكونجرس والرئاسة، بالإضافة إلي منظمة القضية المشتركة، التي تعد إحدي منظمات الرأي المهمة التي تضغط من أجل الإصلاح لتمويل الحملات الانتخابية.

وفي ضوء ما سبق، تحتاج الدول كافة إلي ضوابط موضوعية لمنع استغلال سلاح المال السياسي في إفساد الحياة السياسية، وتشويه المناخ الديمقراطي، وحماية الانتخابات الحزبية والبرلمانية من الفساد المالي الداعم للفساد السياسي، وذلك في إطار من الشفافية والأمانة، وتنظيم استخدام المال في السياسة بصفة عامة.
التمويل والثورات العربية:
وقد حرصت الدول المتقدمة علي الإعلان عن استعدادها لتقديم الدعم المالي للثوار في دول الربيع العربي، مثال ذلك ما أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية من تقديم 40 مليون دولار لدعم الثوار والحركات التحررية في كل من تونس ومصر، من خلال دعم منظمات المجتمع المدني مباشرة، ودون الحصول علي موافقات رسمية من السلطات الانتقالية الحاكمة، بعد سقوط رءوس النظام في هاتين الدولتين.

كما أعلنت دول الاتحاد الأوروبي عن تقديم الدعم المالي والاستثمارات المشتركة والتجارة، وذلك بشروط ميسرة. كما أعلن الرئيس الأمريكي أوباما عن عزم الولايات المتحدة الأمريكية إسقاط مليار دولار من الديون المستحقة علي مصر، ودعم الاستثمارات المشتركة مع تلك الدول، ودعم التجارة البينية مع دول الربيع العربي كبديل للمعونات النقدية المباشرة.

وفي السياق ذاته، أعلنت المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة عن اتجاهها لتقديم ودائع في البنوك المركزية، ودعم المشروعات الصغيرة، وذلك للمساعدة علي مواجهة مشكلة البطالة التي ارتفعت معدلاتها بشكل كبير، تجاوزت معدلاتها 20% في المتوسط، نتيجةما صاحب الثورات والحركات التحررية من آثار سلبية علي مصادر الدخل القومي، خاصة القطاعات الريعية، مثل السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر، وتحويلات العاملين في الخارج، وعلي حصيلة الصادرات السلعية وغيرها، مما تسبب في تراجع معدلات النمو الاقتصادي إلي أرقام سالبة بلغت 4.3% في مصر حتي يونيو 2011، فضلا عن تراجع الاحتياطي النقدي لدي البنك المركزي المصري بنحو 11 مليار دولار منذ بداية الثورة في 25 يناير 2011.

وقد أسفرت الثورات المشار إليها عن ظهور العديد من الأحزاب والتيارات الدينية والفكرية المتباينة، وحركات شبابية ثورية متعددة، وتم السماح بإنشاء أحزاب ذات توجهات دينية كانت محظورة قبل الثورة. مثال ذلك الاعتراف بالإخوان المسلمين وتأسيسهم أحزابا إخوانية، بعد أنكانت جماعة محظورة من قبل، إلي جانب السلفيين والصوفيين.

ولدعم هذه الأحزاب، فقد حرصت دول الخليج العربي -الغنية بالفوائض المالية الناتجة عن صادرات النفط الخام- علي دعم التيارات الإسلامية في دول الشرق الأوسط، ودعم حركة حماس في غزة. كما اتجهت إيران هي الأخري إلي دعم النظم الحليفة لها في سوريا ولبنان، حيث تتولي تقديم الدعم المالي إلي حزب الله في لبنان. كما قامت طهران بتقديم الدعم المالي الكافي لحليفتها سوريا إزاء ما تتعرض له من ثورة شعبية، خشية أن ينهار النظام فيها.

وقد تعرضت إيران ذاتها من قبل لضغوط، نتيجة استخدام سلاح المال ضد طموحاتها النووية، من خلال سعي الولايات المتحدة الأمريكية ودول التحالف الأوروبي إلي تجميد حسابات وأموال إيران في مختلف البنوك والمؤسسات المالية في شتي أنحاء العالم. وتم تطبيق الأمر نفسه مع حزب الله والعديد من المنظمات الإسلامية والجمعيات الخيرية في مختلف الدول العربية والإسلامية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، والتي اتخذها الرئيس السابق بوش الابن ذريعة لتجميد أموال وحسابات كافة المؤسسات الإسلامية، بزعم أنها تتولي تمويل العمليات الإرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول المتحالفة معها.

وعندما نشبت أحداث الثورة في ليبيا ضد حكم معمر القذافي، أفرجت الولايات المتحدة عن مليار دولار من الأموال الليبية المجمدة لديها لدعم المجلس الانتقالي الذي يتولي الحكم في ليبيا. كما حرصت الصين علي تجميد الأموال الليبية كوسيلة لضمان مصالحها في ليبيا بعد الثورة، حيث كانت الصين تدعم نظام القذافي، وذلك خوفا علي مصالحها من تداعيات دعمها للنظام السابق.

وتجدر الإشارة إلي أن نظام القذافي البائد كان يتولي تمويل الحركات السياسية والكتائب المسلحة في بعض دول أمريكا اللاتنية، وفي تمويل ورعاية العمليات الإرهابية، مثلما حدث في حادث إسقاط طائرة الركاب المدنية "بان أمريكان" فوق مدينة (لوكيربي)، حيث اضطر القذافي لغلق ملف هذه القضية، ودفع تعويضات مالية كبيرة للدول والأفراد المتضررين من الحادث، وهو ما يعني تبديد أموال الشعب الليبي في تمويل أنشطة إرهابية لتحقيق طموحات الزعامة الفردية للقذافي علي حساب الشعب الليبي المقهور، طوال ما يزيد علي أربعين عاما من الحكم الديكتاتوري العنيف.

وقد قررت الدول الصناعية الثماني في اجتماعها يوم 21 سبتمبر 2011 تقديم مساعدات لدول الربيع العربي، قدرها ثمانون مليار دولار لدعم الديمقراطية في مصر وتونس والأردن والمغرب، علي مدي العامين القادمين، مع الالتزام بمواصلة العمل من أجل الإصلاحات الديمقراطية، في ظل التحديات السياسية والاقتصادية، والتي تحتاج إلي رد فعل سريع.

وفي سياق آخر، أعلن وزير العدل المصري أن عددا من الدول المجاورة متورطة في تقديم تمويل (يفوق التصور) لمنظمات مصرية بهدف إحداث بلبلة في المجتمع المصري، وأن دولة واحدة فقط قدمت 181 مليون جنيه لإحدي الجمعيات يوم 21 فبراير 2011، بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن الحكم.

كما أوضح الوزير أن هناك مبالغ دفعت بالجنيه المصري وبالدولار الأمريكي لجمعيات وشركات مدنية ومؤسسات غير مشهرة، وفروع لمؤسسات أجنبية نشطة في مصر أخيرا، دون الحصول علي تراخيص من وزارة الخارجية. وقد أوضح وزير العدل أيضا أن تدفق هذه الأموال علي الجمعيات والمؤسسات غير المرخصة يستهدف تحريض أعداء الثورة علي تخريب المنشآت العامة ومؤسسات الدولة، وانتهاك الأمن القومي للبلاد وترويع المواطنين. وهو ما يؤكد وجود ثورة مضادة لثورة 25 يناير من أجل إسقاط مصر كلها، حتي لا تكون قدوة لغيرها من الدول المجاورة في الشرق الأوسط، ويحدث فيها ما حدث من ثورة علي النظام الحاكم. إذ تعد مصر دولة محورية في الشرق الأوسط، وأكبر دولة من حيث عدد السكان وحجم الاقتصاد في الشرق الأوسط والتاريخ والحضارة، ومن ثم يعول عليها الكثيرون في قيادة حركة التحرر من النظم الديكتاتورية، وإرساء دعائم الديمقراطية.

وقد سبق أن نبه إلي هذه الحقيقة الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش الابن، عندما طرح مشروع الشرق الأوسط الجديد، حيث طالب كلا من مصر والسعودية بالبدء في القيام بعدة إصلاحات ديمقراطية لنظم الحكم، وقيادة حركة الإصلاح السياسي والديمقراطي في المنطقة. ولكن النظم الحاكمة لم تلتفت إلي ذلك، معلنة أن ذلك يعد نوعا من التدخل في الشأن الداخلي، وأنها لا تستورد الديمقراطية من أحد، واستخدمت شعارات جوفاء وبراقة لكسب تأييد الشعب لها، وصرف نظره عن المطالبة بالإصلاح السياسي والديمقراطي، وهو ما كان أحد أسباب اندلاع ثورات الربيع العربي في دول الشرق الأوسط.
من د.حمدي عبدالعظيم
أستاذ الاقتصاد، الرئيس الأسبق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.