تشهد محافظة مأرب شرقي اليمن، منذ العام 2014م ارتفاعاً متزايداً في عدد السكان؛ حيث ارتفع تعداد سكان المحافظة إلى ما يقارب مليون نسمة، بعد أن كان سكان المحافظة الأصليين نحو (238) ألف نسمة، وفقاً لآخر إحصائية حكومية في العام 2004م. حيث أعلنت سلطة مأرب المحلية، أن الارتفاع السكاني في المحافظة بلغ ثلاثة أضعاف حتى منتصف العام الجاري، عمّا كان عليه، جاء ذلك نتيجة نزوح المواطنين من مناطق سيطرة المليشيات الانقلابية. وممّا لاشك فيه أن يتزايد مع ذلك الارتفاع، حاجة المواطنين إلى خدمات البنية التحتية للمحافظة، وارتقائها لمستوى يتوافق وكثافتهم، وذلك برفع وتيرة عمل المؤسسات الخدمية وتوسيعها، لا سيما الماء والكهرباء والنظافة والصرف الصحي. وأن تقوم الدولة بواجبها، وتحرص على تقديم محافظة مأرب كنموذج للمناطق المحررة، وصورة للدولة التي يطمح إليها كل حر على تراب هذا الوطن. والحقيقة أن السنوات الماضية؛ قد أخضعت المكاتب التنفيذية والمؤسسات في مأرب إلى اختبار الكفاءة والخبرة؛ حيث اتضح بعد خمس سنوات من معاناة المواطنين وتردي الخدمات؛ إلى انعدام تلك المؤهلات في كثير من مرافق المحافظة. وفي الإشارة إلى تصريح بعض المسؤولين، إلى أن الارتفاع السكاني المتسارع مشكلة تواجهها تلك المكاتب والمؤسسات في مدينة مأرب، إلا إنه لا يعطيهم الحق في انتظار أن تعالج تلك "المشكلة" من تلقاء نفسها، والوقوف موقف المتفرج وعدم الاكتراث حيال ما يعانيه مليون ومئاتا ألف مواطن، من سوء الخدمة، وتردي الأوضاع في كافة الصعد، واتجاهها إلى الأسوأ على مدى خمسة أعوام . استغلال متواصل لحاجة المواطنين برغم تردي الأوضاع التي لا تخفى على أحد، وحال المدينة المؤسف، والتي تغرق في مياه الصرف الصحي، وأكوام النفايات، تواجه المواطن معضلة حقيقية؛ أن يقوم هو بعمل الدولة والمرافق المعنية . وفي استقصائنا الصحفي، عن تجاوب صندوق النظافة مع أصحاب المحلات والمنازل المتضررين من طفح البيارات، وأكوام النفايات على أبوابهم، صرح أحد المواطنين: " لا يوجد تجاوب بمعنى الكلمة، خصوصاً والأمر لا يحتمل التأخير لما فيه من أضرار ومنظر قبيح، ولكن يغلب على عمل الصندوق المزاجية والتأخير الدائم". وصرح آخر: "التأخر المتواصل في شفط مياه المجاري وجعل المدينة تغرق بالقذارة، أصبحت سمة لعمل الصندوق في المحافظة". وعند سؤالهم، عمّا إذا كان الصندوق يتقاضى أجراً عن شفط مياه الصرف الصحي؟ كانت الإجابة بالإجماع: "إنه لا يتحرك أي وايت شفط، من حوش صندوق النظافة إلا بحساب مقدم 10 ألف ريال للمشوار الواحد". وبحسب البعض، إنه في حال عدم الدفع فإن الصندوق يترك مياه المجاري تغرق الشوارع بشكل متعمد؛ حتى يتم الدفع لهم. السؤال الذي يشغل الكل، لماذا تترك مدينه بأسوأ حالاتها أياماً وأياما؟!.. فيما يتواجد مقر الصندوق المعني بنظافة تلك المدينة في مركزها، ومعداته تجوب شوارعها ليلا ونهارا ؟؟؟...أم إنه أصبح بالفعل لا يعمل إلا بالدفع المسبق ؟؟؟؟! أسواق القات هي واحد من معالم المدينة، ووجهة إلزامية لكل زائر ومقيم في المحافظة، يرتادها بشر ويعمل بها بشر.. نظافة تلك الأماكن وأمنها وصحة من فيها، واجب السلطة المحلية. أسواق القات التي تعتبر مجمعاً حقيقياً لسكان المحافظة، وسبباً أولياً لتجمع أنواع التجارات والمحلات والباعة المتجولين.. وهو ما يسبب بدوره تكدساً هائلاً للنفايات الناتجة عن حركة البيع والشراء، وانفجاراً متواصلاً للبيارات، تحتاج فعلا إلى مضاعفة الجهد من قبل النظافة والتحسين. ولكن وكما هو الحال فأصحاب المحلات المتاخمة لتلك الأسواق يشكون من إهمال صندوق النظافة، وعدم تجاوبه لحل مشاكلهم.. وتخوفهم من الأوبئة المصاحبة. حيث أكد بعض سكان الحي: "هناك أيام يمر أسبوع كامل ومياه المجاري تملئ الشارع المؤدي إلى مدخل السوق، وهذه مشكلة متكررة وليست نادرة خاصة أيام المناسبات". وقد حمّل أصحاب المحلات والسكان المجاورين، المسؤولية على القائمين على أسواق القات، وصندوق المحافظة بمأرب، ودعوا السلطة المحلية إلى الاضطلاع بمسؤولياتها تجاه ما يهدد أعمالهم وصحتهم، وإلزام المعنيين بالقيام بواجباتهم. أحياء منكوبة صارت بعض الأحياء بمدينة مأرب أشبه بمكب وطني دائم.. يتواجد خارج دائرة عمل صندوق النظافة. مأربالمدينة الصغيرة تتعرض بعض أحيائها لتجاهل وإهمال كبيرين، ما حولها إلى مكب نفاية واسع النطاق. وهو ما يؤثر سلباً على حياة المواطنين وصحتهم وسلامة أبنائهم. لم يكن مشهد القمامة المتناثرة والمغطية للمكان بالأمر الغريب برغم تضايقهم منها، فقد "أصبح صورة مألوفة" كما يقول سكان الحي الذي قمنا بزيارته، معبرين عن يأسهم من التفات الجهات المعنية لمشكلتهم المزمنة. "مضى عام كامل على وجودها" أجاب بعضهم عندما سألناه عن المدة التي تشكلت خلالها أكوام النفايات المنتشرة. أما عن كيف يتعاملون معها؟.. فأوضح: "إنهم يقومون بإحراقها كل شهر أو أقل" غير مدركين الأضرار الوخيمة لدخان تلك المواد المحترقة. إلا إنها تكون معالجتهم الوحيدة للأذى الذي تسببه تلك الأكوام، راضين باستنشاق دخان احتراقها -على الرغم من أضراره- يوماً في الشهر على أذى عفنها طيلة الوقت. محطات المياه وجه آخر للتلوث بعيداً عن رقابة الدولة انتشرت محطات تعبئة المياه بشكل كبير، لا سيما منذ العام الماضي في الشوارع العامة والأحياء لمدينة مأرب. منها ما يوافق المعايير الصحية، وأغلبها تقوم بتعبئة مياه ملوثة، أو في علب بلاستيكية ملوثة. وهو ما اشتكى منه بعض المواطنين، عن وجود رائحة الوقود في تلك العلب التي اشتراها من إحدى محطات المياه. ناهيك عن وجود "محطات" تقوم فقط بتبريد المياه وبيعها بدون أجهزة تنقية أو ما شابه. وعند استقصائنا عن مدى الأضرار الصحية التي تسببها مياه تلك "المحطات"، وجدنا أن هناك عشرات الحالات التي أصيبت بأمراض أهمها تشكل الأملاح والحصىوات في المسالك البولية، نتيجة المياه الملوثة. بحسب إفادة بعض الأمراض الذين وجدناهم في عيادات المسالك البولية لتلقي العلاج، والذين أكدوا أنهم يحرصون على توفير مياه الشرب لهم ولعائلاتهم من محطات المياه، كونّها محطات معنية بتنقية المياه ومعالجتها من أجل سلامة وصحة المواطن، فيما يحصل عكس ذلك. حيث أصبح هم تلك المحطات هو الكسب على حساب صحة وسلامة المواطنين في ظل غياب كبير للدولة وعملها الرقابي، عدا بعض المحاولات الخجولة لإدارة حماية المستهلك؛ التي هددت بإغلاق بعض المحطات التي تخالف المواصفات والمعايير في تنقية المياه. وبحسب بعض أخصائي المسالك البولية، فإن غالبية الذين يزورون عيادتهم بغرض العلاج، اتضح أن مرضهم كان بسبب تلوث مياه الشرب. طموحات قيادة المحافظة تشدد قيادة المحافظة ممثلة باللواء/سلطان العرادة، على إنجاز المكاتب الحكومية مهامها أولاً بأول، ومعالجة مشاكل الصرف الصحي، والنفيات المتراكمة بشكل جذري، وفي هذا الاتجاه وفرت قيادة المحافظة المعدات اللازمة والتمويل المالي الضروري، لإنجاز المهام المناطة بالمكاتب الخدمية. لكن اللامبالاة من قبل مسؤولي صندوق النظافة والتحسين، والمياه والصرف الصحي، وحماية المستهلك، وما وصلت إليه الأمور مؤخرا في مأرب، خيَّبت آمال قيادة المحافظة، كونها لا ترقى للتوجيهات الصادرة منها، ولا تلبي الطموحات والخطط المستقبلية؛ لأن تكون مدينة مأرب نموذجاً مشرفاً للمناطق المحررة، وقبلة للسياح والزوار. الصورة تتكلم ما هي الصعوبات والمعالجات؟ ولماذا يدفع المواطن مقابل خدمة، واجب الدولة توفيرها؟! ... كانت أسئلة، أردنا من مدير صندوق النظافة والتحسين بالمحافظة إجابتنا عنها، ولكنه تخلف عن أكثر من موعد!. والحقيقة، كم تمنّينا لإجابات شافية عن تساؤلات المواطنين المتكررة، إلا أن الشارع والصورة هي من تتكلم وتعبر عن الوضع المعايش، بعيدا عن الملفات المؤرشفة، والمزايدات المغلوطة، في أي جانب وعلى أي صعيد. مدينة مأرب، وللعام الخامس على التوالي لم تشهد أي تحسن في أداء المؤسسات الخدمية، على الرغم من الحاجة الملحة والمتزايدة عليها يوماً بعد يوم، والحل ليس مستحيلا في حال بذلت المعالجات الفعلية الناجعة والجادة. كما يجب الالتفات بعين الحرص إلى التحذيرات المتواصلة من الجهات المختصة، حول تزايد انتشار الأوبئة التي يسببها التلوث البيئي. هذا وقد وصلت اليمن بشكل عام إلى أرقام قياسية، في الإصابة بالأمراض التي يسببها التلوث البيئي. حيث يكابد المواطن أوضاعاً صحية وخدمية، لا ترتقي وأحلام الناس المعلقة على الشرعية. ويبقى السؤول الذي يجب على المسؤولين في المحافظة الإجابة عليه بشكل عملي.. أليس حري بمأرب أن تكون نموذجاً للمحافظة المحررة؟!!!.