يأتي عيد العمال العالمي هذا العام، الذي يصادف الأول من مايو، ليعم الفرحة على العمال في كل أنحاء العالم، عدا عمال اليمن، الذين يلتحفون الجوع ويفترشون أرصفة البطالة، بعد أن فقد أكثر من 70% لأعمالهم، وفقاً لتقارير دولية. تبدو المناسبة هذا العام كئيبة حد الاختناق بالنسبة لعمال اليمن، ففي الوقت الذي تحتفي عدد من الحكومات والمنظمات بطرق مختلفة بعمالها، لا يجد عمال اليمن ما يحتفلون من أجله سوى مزيداً من الجوع والفاقة، وقليل من تهاني باهتة لحكومة لم تفِ بوعودها بصرف مرتبات موظفيها، كأقل تكريم لهم بهذه المناسبة. في اليمن، البلد الذي تمزقه الحرب منذ أكثر من عامين، علت لعلعات الرصاص على أصوات آلات المصانع وحركة الأسواق، حد توصيف الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي فاروق الكمالي.. وهي الحرب التي أدت إلى فقدان ما يزيد عن 8 ملايين يمني مصادر دخلهم، بينهم 7 ملايين شخص يعملون في القطاع الخاص، بحسب مصادر رسمية ونقابية. بعد سيطرت جماعة الحوثي على صنعاء في 21 سبتمبر من العام 2014م ارتفع عدد العمال اليمنيين العاطلين عن العمل إلى مستويات عالية وبدت أرقام من فقدوا أعمالهم مخيفة. أرقام كارثية يتجاوز عدد السكان اليمنيين الذين هم في سن العمل أكثر من 12 مليون نسمة بحسب الإحصائيات الرسمية نسبة المشتغلين منهم حتى لحظة الإنقلاب حوالي 35 بالمائة فقط أي أكثر من 4 مليون و200 ألف عامل منهم 473 ألف تقريبا من عمال المهن البسيطة و138 ألف من عمال المصانع والآلات وحوالي 10 ألف من الحرفيون و292 ألف من عمال الأسواق والمتاجر، بينما باقي النسبة إما عاطلين عن العمل وهم الأغلب أو غير نشطين. تذكر تقارير دولية عن فقدان أكثر من 70 بالمائة من العمال اليمنيين لأعمالهم ووظائفهم، وعند النظر إلى هذه النسبة ومقارنتها بعدد العمال المشتغلين فإن عدد من فقدوا أعمالهم يصل إلى 3 مليون عامل، وبالتالي تصبح نسبة العمال اليمنيون إجمالا- أو من هم في سن العمل ولم يحصلوا على فرصة أو فقدوها بسبب حرب المليشيا عليهم- حوالي 90 بالمائة. فقدان الأعمال وتبين الدراسات أن أغلب من فقدوا أعمالهم كانوا من أصحاب المهن البسيطة أو عمال الطبقة الدنيا، إلى جانب عدد كبير من موظفي القطاع الخاص وعدد أخر من القطاع العام بعد أن أبعدتهم المليشيا عن وظائفهم بقرارات فصل ظالمة. ويكشف أمين عام اتحاد عمال اليمن/ فضل العاقل عن 4 ملايين عامل ممن كانوا يتقاضون أجراً من القطاع العام والخاص والمختلط أصبحوا بدون عمل، بالإضافة إلى أكثر من 3 ملايين شخص آخرين كانوا يعملون بنظام الأجر اليومي في مختلف المجالات. ويقول العاقل، في تصريحات صحفية، أن موظفي الدولة المقدّر عددهم بأكثر من مليون موظف دخلوا أيضا ضمن طابور البطالة، باعتبارهم عمالا كانوا يتقاضون أجراً شهرياً، لكن توقف رواتبهم يعني دخولهم ضمن العاطلين. ارتفاع البطالة في حين تشير تقارير اتحاد عمال اليمن إلى أن من حافظوا على مهنهم من الانهيار خلال الحرب، خصوصا الحرفيين، دخلوا في بطالة جزئية، جراء ضعف القوة الشرائية لدى الناس وانعدام السيولة. وفي وقت سابق، قال البنك الدولي إن البطالة بين صفوف الشباب اليمني ارتفعت إلى 60% مع ارتفاع الفقر إلى 54.5% من مجموع السكان، البالغ عددهم نحو 25 مليون نسمة. فيما أكد تقرير للأمم المتحدة، أن النزاع في اليمن أدى إلى تسريح 70% من العمالة لدى شركات القطاع الخاص، وأن واحدة من كل 4 شركات أغلقت في البلاد، بينما تدهورت القوة الشرائية للسكان. تسريح العمال ودفعت الحرب، مئات الشركات من القطاع الخاص، إلى إغلاق أبوابها وتسريح موظفيها وعمالها، وكان أكبر تسريح للعمال، بحسب تقرير الأممالمتحدة، في عدن (جنوب البلاد)، حيث سرحت الشركات 85% من موظفيها وعمالها. وسرّحت الشركات في صنعاء 71% من عمالها، وفي صعدة (شمال غرب) سرحت الشركات 80 % من عمالها، وتعز (جنوب العاصمة) 72%، وأبين (جنوب شرق) 45%، والشركات في مدينة حجة (شمال غربي اليمن) سرحت 73% من عمالها. وعزت جميع الشركات تقريباً سبب إغلاقها إلى الأضرار المادية التي لحقت بها، بالإضافة إلى الاضطرابات الأمنية وتدهور الاقتصاد بشكل عام. كما دفعت الحرب غالبية رجال الأعمال في اليمن إلى الهروب خارج بلدهم، بعد ركود حركة التجارة والأعمال. خسائر وأضرار وقد تكبد الاقْتصَادُ اليمني بكافة قطاعاته خلال العامين الماضيين من خسائرَ فادحةً جراء الحرب والحصار، يقدر الاقتصاديين الخسائر بإجمالي 200 مليار دولار أمريكي. ويعتبر القطاع الخاص من أكثر القطاعات تضررا بسبب الحرب والحصار على اليمن، فقد أعلنت الغرفة الصناعية والتجارية في العاصمة صنعاء، إلى أن الخسائر الأولية التي تكبدها القطاع الخاص اليمني خلال الفترة الماضية من الحرب تبلغ 75 مليار دولار، و حتى الآن لا تزال الإحصائية النهائية للخسائر التي تعرض لها هذا القطاع غائبة بسبب الحرب. كما تعرض القطاع الزراعي لخسائر كبيرة بسبب الحرب بلغت أكثر من 16 مليار دولار، منها الخسائر المباشر للقطاع الزراعي بلغت 2.25 مليار دولار، وخسائر في البنية التحتية والمنشآت والإنتاج النباتي والثروة الحيوانية والمعدات ووسائل النقل ومستلزمات الإنتاج، أما بالنسبة للإضرار الغير مباشرة فبلغت 13.76 مليار دولار. وشملت أضرار وخسائر في المؤسسات والمزارع الحكومية والتعاونية، وخسائر الإنتاج النباتي والخسائر الأولية بالثروة الحيوانية وخسائر التصدير الخارجي والقوى العاملة، كما تضررت العديد من القطاعات الاقتصادية السياحية والسمكية والصحية. حجم مسئولية ويحمل أغلب العمال اليمنيين على عاتقهم مسئولية إعالة الأسر التي يتجاوز عددها- بحسب الإحصاءات الرسمية- أكثر من 2 مليون و700 ألف أسرة، منها حوالي 360 ألف أسرة في تعز و345 ألف في الحديدة و298 ألف في محافظة إب، ويبلغ تعداد أفرادها إجمالا قرابة 27 مليون نسمة. ولا تنحصر إعالة العامل اليمني على فئة الأبناء والزوجة بل إنها تتعدى هذه الفئة، إذ يصل عدد المعالين- وفقا لذات الإحصائيات- من الأب والأم والحمو والحماة والأخ والأخت والجد والجدة إلى أكثر من 2 مليون 152 ألف نسمة. بالإضافة إلى حوالي 634 ألف فرد من فئة زوج الابن أو الابنة، وأكثر من مليون و372 ألف من حفيد أو حفيدة، ولا تتوقف الإعالة عند هؤلاء إذ يوجد حوالي 34 ألف فرد يعولونهم أفراد لا يرتبطون معهم بأي صلة قرابة. تعمق المأساة إنهم ليسوا كغيرهم من عمال العالم ولا حتى يشبهونهم في تفاصيل حياتهم اليومية، فبينما يعيش العمال في كثير دول حياة آمنة ومستقرة ورفاهية، يعيش العمال اليمنيون عكس ذلك تماما. وتعمقت المأساة أكثر بتأخر صرف مرتبات موظفي الدولة لتصبح الأسر اليمنية، التي يتجاوز عددها 2 مليون و700 ألف أسرة، على بعد خطوات من الموت جوعا. فمنذ دخول جماعة الحوثي العاصمة صنعاء والسيطرة على كافة مؤسسات الدولة في سبتمبر 2014 تمر اليمن بأسوأ مراحلها من جوع وفقر وتدمير للبنية التحتية يدفع ضريبتها المواطنين. ولم يعرف اليمنيين جوعا طال كافة الفئات والشرائح منهم العمال بحجم هذا، إضافة إلى اقتحام ونهب للمكاتب والشركات، مما اضطر الكثير من رجال الأعمال وأصحاب القطاع الخاص إلى الهجرة خارج البلد ومنهم من نقل مصانعهم إلى دول أخرى. عيد حزين وكانت الحكومة اليمنية من أعلنت يوم الاثنين 1 من مايو للعام 2017 إجازة رسمية لجميع موظفي وحدات الجهاز الإداري للدولة والقطاعين العام والمختلط بمناسبة يوم العمال العالمي، وفقاً إلى القانون رقم (2) لسنة 2000م بشأن الإجازات والعطلات الرسمية، في الوقت الذي يصل عدد الموظفين الذين لم يستلموا رواتبهم إلى منذ 8 أشهر. ويبدو عيد العمال العالمي، حزيناً على عمال اليمن، حيث تأتي والشعب اليمني ككل، وليس العامل أو الموظف فقط، يعيش حالة مأساوية في جميع الأصعدة. لكن المأساة تتعمق بحرمان أغلب العمال من أعمالهم بسبب الحرب التي تطحن البلاد منذ ما يزيد من سنتين ونصف، الأمر الذي بات يهدد مئات آلاف الأسر بمزيد من الجوع والفاقة. ففي الوقت الذي يحتفل العالم بعيد العمال الذي يصادف الأول من مايو، تقوم عدد من الحكومات والمنظمات بالاحتفال بطرق مختلفة بإعلانها إجازة رسمية وتكريم عدد منهم المصاحب لمظاهرات.. بيد أن عمال اليمن لا يجدون ما يحتفلون من أجله فمرتباتهم الحكومية منقطعة منذ 8 أشهر، والقطاع الخاص تعرض لخسائر كبيرة جراء الحرب التي تشهدها البلاد منذ ما يقارب العامين. عمال يكابدون ظروف المعيشة الصعبة في الأول من مايو من كل عام يحتفل العمال في أنحاء العالم بعيدهم السنوي، لكن حال العمال مختلف في اليمن؛ حيث فاقمت الحرب الدائرة منذ أكثر من عامين من معاناة هذه الشريحة. حيث اختفت فرص العمل تماما في العاصمة صنعاء، التي يسيطر عليها مسلحو جماعة الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح، منذ 21 سبتمبر/أيلول 2014، كما هو الحال في كثير محافظات يمنية. ولا يتوفر إحصاء بعدد عمال الأجر اليومي في اليمن، لكن تقديرات تفيد بأنهم أكثر من مليوني عامل، وفق آخر إحصاء للاتحاد العام لنقابات العمال عام 2010. هؤلاء أضحوا يعيشون ظروفا بالغة القسوة، وانضموا إلى رصيف البطالة؛ ما فاقم من مأساة عائلاتهم. ووفق أمين عام اتحاد عمال اليمن، فضل العاقل، فإن "عيد العمال يشهد هذا العام انضمام أكثر من مليون ونصف مليون موظف حكومي (في المحافظات الخاضعة لسيطرة تحالف الحوثي وصالح) إلى العاطلين عن العمل، فهم لم يتسلموا رواتبهم للشهر السابع على التوالي". وأشار، في تصريحات صحفية إلى أن هناك أكثر من أربعة ملايين عامل يمني كانوا يتقاضون أجرا، إضافة إلى أصحاب أعمال فردية وصغيرة، وجميع هؤلاء أصبحوا بدون أعمال في ظل الحرب، بينما الأرقام غير الرسمية تفيد بوجود أكثر من ثلاثة ملايين عاطل فقط. وأوضح أن موظفي الدولة يصنفون عمالا كونهم يتقاضون أجرا شهريا، وتوقف صرف رواتبهم يعني دخولهم ضمن طابور البطالة. وتتبادل الحكومية اليمنية الشرعية الاتهامات مع تحالف الحوثي وصالح، بشأن المسؤولية عن توقف دفع الرواتب. تقول الحكومة إن نهب الحوثيين للمال العام وتبديد أربعة مليارات دولار (كانت احتياطيا نقديا في البنك المركزي) هما السبب في انهيار الاقتصاد وتوقف الرواتب، فيما تعزي جماعة الحوثيين هذا الانهيار إلى نقل الحكومة مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن. ودفعت الحكومة راتب شهر واحد من جملة سبعة أشهر للموظفين في قطاعات حكومية، لكن هذه الخطوة لم تحجّم من انهيار الوضع الاقتصادي لأكثر من مليون ونصف المليون موظف. ويبدو أن الموظفين الحكوميين وصلوا إلى مرحلة اليأس من طرفي الحرب؛ ما دفعهم إلى محاولة الاستعانة بمنظمة الأممالمتحدة، آملا في التوصل إلى حل. وقال أمين عام اتحاد عمال اليمن: "نفذنا وقفات عديدة أمام مكتب الأممالمتحدة (جنوبصنعاء)، للمطالبة بتحييد المصانع وعدم الزج بالعمال في الأزمة الراهنة، وتنفيذ الدعم الأممي عبر ما يسمى بالنقد مقابل العمل". و"النقد مقابل العمل" هو مشروع استجابة للأزمات الطارئة يستهدف النازحين والمتضررين من الحرب، وينفذه الصندوق الاجتماعي للتنمية (حكومي يمني) بتمويل من البنك الدولي، لإيجاد فرص عمل مؤقتة، تُدر دخلا جزئيا للمتضررين. الاتحاد طالب في تلك الوقفات الأممالمتحدة بتحمل مسؤوليتها كوسيط يسهل عملية صرف الرواتب، وتشكيل لجنة اقتصادية محايدة لإنقاذ الاقتصاد من الصراع السياسي، لكن تلك الخطوة لم تلق استجابة لدى المنظمة الدولية". انهيار سوق العمل انعكس بشكل مباشر على طرفي الحرب؛ ففي حين ظل الكثير من العمال يكابدون الفقر والبطالة والجوع، وجد آخرون، وغالبيتهم من فئة الشباب، من الحرب فرصة للالتحاق بجبهات القتال لمواجهة ظروف المعيشة. وبينما كانت الحركات العمالية في اليمن خلال الأعوام الماضية تطمح إلى دور مجتمعي وسياسي فاعل، تبدو اليوم منهارة؛ فلقمة العيش هي الأهم والأولى من كل ذلك.