دراما بين الإسقاط والسقوط السياسي..! هل الدراما الرمضانية الوليدة في اليمن عمل فني وطني استطاع ان يضع يده على الجرح.. أم تهريج حزبي عبثي يدس السم في أطباق حلوانا بعد كل إفطار ؟! منذ بداية رمضان ونحن نشاهد عمل درامي مشوّه أنحرف عن منشأه الاجتماعي وأصوله الفنية، ليسقط بين ألاعيب السياسة وعرّافي الفضائيات الحزبية المتلاعبة بالوعي العام، فهناك "دراما" تحكي لنا الحكاية تلو الحكاية عن واقعنا السياسي من خلال حيلة التنويم المغناطيسي بالكوميديا المشحونة بفبركات سياسية بعيدة عن مجاراة الواقع لغرض تضليل وتلويث الوعي العام اليمني...دراما مسخ كل شغلها الشاغل تخدير العقول والتأليب السياسي الانتهازي للرأي العام (الحائر بين ضبابية وغموض المشهد السياسي والجاهل بطبعه عن خلفيات الأزمة وملابساتها وحقائقها) وذلك عبر زج المئات من الإسقاطات السياسية المفتعلة والمنحرفة عن الواقع باتجاه الخيالية، وفقط لما يتخيله ويريده الإخوان وبما يتماهى مع مسيرة صحافة الإخوان المأجورة!! مهزلة إخوانية سمجة تتجلبب بالدراما وتتقنع بالفن، فكل ما عليك هو ان تستمتع مع مهرجي النكتة لتعيش راحتك الوهمية مُبتلعاً معها جرعة التسمم السياسي من أولئك الحالمين بإعادة انتاج شرعية "فوضاهم الخلاقة" وزج البلاد مرة أخرى إلى موقد الاقتتال! هذا هو جُل "همهم" والذي يتوجب ان يصبح كل "همك" كمشاهد يمني لأضحوكة عنوانها "همّي همّك"! فأثناء مشاهدتك لمسلسل "شوتر وزنبقة" المُهين للشخصية اليمنية التهامية، وبينما انت مندمج مع كوميديا المهرج الأنثوي "زنبقة"، تبهرك عبثية الإسقاط السياسي الإخواني، حتى تشعر معها بان خمس دقائق قادمة هي فترة كافية ليخرج عليك "بن عمر" بشحمه ولحمه مطالباً "طفاح" بالتخلي عن منصب رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام ..وبأن "شوتر" سيعود بعد الفاصل الإعلاني إلى منزله في الخمري ..وكما تشجعك فبركات الإسقاط السياسي على رهان كل من حولك بأن الحلقة القادمة ستنتهي بزواج الأخ "توكل" من الأخت "شفيقة" وبحضور شيخ القرية الجديد "باسندوه" المغوار..!! حقاً أنها دراما لئيمة..! فثمة إسقاط سياسي انتقائي مُحكم لمكونات الأزمة السياسية مع انفصام خبيث بين الواقع وبين ما تظهره دراما المسلسل، إسقاط وانفصام يتماهى مع خزعبلات الإعلام الإخواني، بينما الحقيقة ان المشاهد لايرى شوتر ولا يستمع لزنبقة بقدر ما يُغسل دماغه بجرعة إخوانية من خطب "صعتر" وهرطقات "صندقة" يستلهمها بهيئة دراما تحاكي الواقع، والأخطر هنا في ظل تراجع دراما ورقابة الإعلام الرسمي، ومع غيبوبة المنظومة الإعلامية لحزب المؤتمر، هو استسلام المشاهد اليمني العادي وكأنه فعلاً أضحى مسلوب الإرادة مُشتت الرؤى خاضع للتنويم المغناطيسي..! أننا أمام دراما فاترة تعكس السقوط السياسي لمنتجيها اكثر منها الإسقاط السياسي للأحداث، لتجد في محصلتها عمل درامي ملغوم بالدسيسة والفتنة، يدس السم في النكتة وبعقلية إخوانية تحريضيه بائسة تستهتر بالعقول وبالوعي العام، ضاربة عرض الحائط بالقيم الوطنية الحاكمة للعمل الدرامي، وغير مكترثة بكل استحقاقات الوفاق السياسي القائم، وهنا حوقِل على الدراما وقل دراما "الإخوان" ولا تقل دراما "رمضان"..! "إن الدراما التلفزيونية في الأصل عمل فني اجتماعي معاصر بالغ الأهمية، حيث بات يدخل في تشكيل الراي العام، بل وصناعته من خلال رسالة فنية يسعى من خلالها المنتجون الى ترسيخ القيم الاجتماعية في الوعي المستهدف والمشاركة في عملية التنشئة الاجتماعية وغرس قيم إيجابية ومعرفية جديدة، عبر فن رواية القصص ومهارات تجسيد الواقع بمنهجية ناقدة ومعالجات سليمة" وقد باتت أداة هامة وخطيرة لإعادة انتاج قيم المجتمع الوطني واداة تثقيفية لأفراده.. وهنا مربط الفرس وملقم السم في إناء العسل..! وهذا ما يجعل من الطبيعي ان تسعى السياسة للتدخل في انتاج الدراما إما لكونها أداة للتنشئة السياسية الوطنية كنموذج الدراما السورية او كأداة للتأثير السياسي كبعض نماذج الدراما المصرية كمسلسل "العراف" مثلاً ولكنها في كل نماذجها تبقى محكومة بمستوى معين من الأصول الفنية والقواعد الرقابية وبما يجعل الانحراف لا يتعدى على حقيقة ان الدراما رسالة فنية ناقدة بحياد، ومنبعها المجتمع والأدب وليست وافدة من السياسة..! ولعل التداخل بين السياسة والدراما العربية خلال السنوات الأخيرة، بات ظاهرة عامة في المسلسلات العربية، لاسيما الدراما الرمضانية التي تستحوذ على أكثر من 80% من أعمال الدراما العربية العريقة كمصر وسوريا والخليج وصارت أداة للتأثير السياسي، ولكنها جميعاً لم تصل إلى حد الوقاحة المباشرة التي تمادى به منتجي مسلسل "زنبقة" في تسخير الدراما كمنبر خفي لبث ودس رؤى وأمراض قوى إخوانية بعينها وتعريض الراي العام للتأليب السياسي الفاضح ضد خصومهم!! ليتناسى هؤلاء بان لجوئهم إلى هذا التدليس الدارمي السمج لا يعبر إلا عن مدى عجزهم عن تقديم نقد علمي ضد خصومهم السياسيين! واخيراً وفي هذه البلاد المعلولة بكل هذا الشر الخبيث، اسجل هنا حسرتي وأسفي على صديقي المبدع /فكري قاسم الذي بادر بتحويل احدى اعماله إلى عمل درامي سينمائي يلامس الجرح اليمني العام بعنوان "كرامة"، والذي يُعد العمل الأول عملياً في تاريخ السينما اليمنية، "فكري" أكمل تصويره وإخراجه بعد عناء شديد عشتُ معه صعوباته وتحدياته منذ قرابة العام، بينما لازال يبحث بين كل هذا القفرة السياسية عن من باستطاعته أن يأخذ هذا العمل الدرامي الوطني الرائد من الإبداع إلى النور..! فهل لصديقي فكري وطن يأخذ بيده أم سيبقى "عبرة" للمبدعين بين مقاولي "صعتر وصندقة" ؟!!!!! *شباب الثورة المستقلين