شعارات الوطنيين الزائفين ما زالت تكتب مأساتنا العربية في كل مكان.. وما زالت تقتل، وتدمر، وتصادر الأوطان في أكثر من قطر عربي، فيما لم يتعلم أحد الدرس، وظل الجميع يصفق بحماس للصوص الأوطان. هؤلاء الوطنيون الزائفون يستنسخون أنفسهم، وتجاربهم عبر حقب التاريخ ليكتبوا مأساة البشرية باسم الحرية، والديمقراطية، وحقوق الانسان، وكثير من العبارات التي يدغدغون بها مشاعر البسطاء من شعوبهم، فتارة تسمعهم يتحدثون عن بطش النظام السياسي، وظلمه، وفساده.. وتارة أخرى عن قدراتهم الخارقة في إصلاح أوضاع دولهم، وصنع «جنات الأحلام» لشعوبهم.. وتارة ثالثة يتقمصون ثياب العفة والطهارة، صانعين بكلامهم «الورع» عالماً كهنوتياً يفتح أبواب الفردوس لكل من صعد إليه عبر سلالم هذه الفئة من الوطنيين الزائفين. فاللصوص الذين نهبوا مؤسسات الدولة العراقية في يوم من الأيام غادروا أراضيه إلى أحضان أوروبا لينعموا بما نهبوا وليكتسوا هوية «المعارضة الديمقراطية».. والذين قتلوا وسفكوا الدماء، ومارسوا فن التعذيب بتلذذ تحولوا فجأة إلى «معارضة شريفة» خارج العراق.. وكل الخارجين عن القانون، والخائنين لوطنهم كانوا في مقدمة صفوف مؤتمر لندن الذي نظمته الولاياتالمتحدة وبريطانيا لتجنيد هؤلاء من أجل «التغيير» الديمقراطي في العراق. وبعد الشعارات «الوطنية الثورية» التي ألهبوا بها حماس البسطاء من الناس، والوعود الوردية التي لونوا بها المستقبل العراقي ها هم اليوم يحكمون العراق تحت عناوين الديمقراطية الأمريكية فيكشفوا عن حقيقة كونهم ليسوا إلا لصوص أوطان فاسدين، وعاجزين عن تحريك عجلة الحياة خطوة واحدة للأمام. دعاة التغيير والديمقراطية ومكافحة الفساد ومناهضة الظلم نجحوا فعلاً في تغيير حياة العراقيين، ولكن من الأمن والسلام إلى الذبح في الشوارع كما النعاج، وإلى إباحة اغتصاب المحصنات، وإلى زمن رعب طويل يمتد إلى كل شبر من أرض العراق.. وكذلك نجحوا في تغيير الحياة العراقية، ولكن إلى اقتصاد مدمر، وثروات مباحة للنهب، وأسواق سوداء تبيع كل شيء، بما في ذلك الأعضاء البشرية للأطفال والرجال والنساء الذين يتم اختطافهم على مدار الساعة من داخل غرف نومهم، ومن المدارس، ومكاتب العمل، والشوارع والمساجد، وحتى من على أسرة المستشفيات. التغيير الذي أحدثه الوطنيون الزائفون في العراق ينبغي أن يتحول إلى درس كبير لكل الشعوب العربية يتعلمون منه أن هؤلاء الذين أدمنوا الحديث في الفساد هم الفاسدون حقاً، والذين أدمنوا رفع شعار الإصلاحات هم معاول التخريب الحقيقية، والذين يتحدثون باسم الله وشرائعه المقدسة هم أول من ينتهك الحرمات، ويتاجر بالمسلمين على أبواب السفارات الأجنبية، ويبيع المواقف والقيم، والشرف بأبخس الأثمان لأي وافد أجنبي أو منظمة خارجية. تجربة التغيير في العراق جعلت هذا البلد العريق الشامخ عبر التاريخ محض إرث يتقاسمه دعاة التغيير، والشعارات الديمقراطية والحريات من أبنائه مع القوى الامبريالية، وأجهزة الموساد، وقوى التطرف والإرهاب الديني، وجموع غفيرة من الانتهازيين الذين لا يهمهم من بقي على قيد الحياة من العراقيين ما دامت أسرهم ترفل بالسلام في أحد الفنادق الأوروبية، وتدفع فواتير حساباتها من ثروات الشعب العراقي، ومن قوت أبنائه، ومن الخطط والمشاريع الوهمية، ومن الأحلام الديمقراطية والتحررية التي أصبحت أشبه بالأفيون الذي يجرعون به الشعب العراقي ليتحمل مزيداً من الألم والعذاب وسحق الكرامة. اليوم عالمنا العربي الإسلامي يواجه خطر تنامي هذه القوى من دعاة التغيير والتحول الديمقراطي والمشاريع الإصلاحية في كل عاصمة من عواصمه.. وهؤلاء يستمدون نفوذهم وصدى أصواتهم ليس من أبناء وطنهم بل من المنظمات الأجنبية، وسفارات القوى الامبريالية، ومن أجهزة دولية كبيرة جداً تدعم ظهورهم إلى ساحة الأحداث، وتؤيد صعودهم إلى السلطة، لأنهم أصبحوا رهانها في تفتيت أية وحدة وطنية، وتهديد استقرار وأمن أي بلد، وسحق كرامة كل إنسان عربي مسلم شريف.. فهؤلاء وإن كانوا من نفس جنسياتنا ومدننا إلا أنهم يروننا مشروعهم في مصادرة الوطن، وبيع نسائه في أسواق النخاسة الخارجية ولا شك إن لم تسحقهم الجماهير الشريفة اليوم سيسحقونها هم بدبابات المحتل غداً.. فحذارِ من هؤلاء!