نظرة واحدة على مشهد للعاصمة الماليزية (كوالالمبور) كفيلة ببعث الإحساس بعظمة هذا الشعب وهو يحجب الفضاءات بناطحات السحاب والأبراج الشواهق كما لوكان يتحدى قصر القامة الموصوف به!! ذات يوم سئل السيد/ مهاتير محمد رئيس الوزراء السابق عن سر النهضة التي شهدتها ماليزيا على حين غرة في عهده، فقال إنه جعل في مقدمة رهاناته التنموية للدولة قضية التعليم، وإنه حشد جميع إمكانات ماليزيا من أجل بناء المؤسسات التعليمية، والارتقاء بمناهجها، واستقطاب العقول الماليزية المهاجرة وتجنيدهم لخدمة ثورة التعليم في ماليزيا.. وكان ذلك هو الأرضية الخصبة التي نمت فوقها كل الثمار التي قطفها الماليزيون لاحقاً.. ومن ذلك الأساس انطلق السيد/ عبد الله البدوي رئيس الوزراء الحالي ليستأنف المسيرة ولتسجل ماليزيا في عهده ثورة تكنولوجية تفوق كل الحسابات والتصورات رغم أنه مازال في أعوامه الأولى.. كما شهد العامان الماضيان تحول ماليزيا إلى استراتيجية انفتاحية واسعة تمد من خلالها حضورها إلى أنحاء بعيدة من العالم، محاولة بناء نفوذ سياسي واقتصادي نوعي في مناطق ذات أهمية استراتيجية دولية كما هو الحال مع الجزيرة العربية واليمن.. كما أن العامين الماضيين سجلا لماليزيا ثقلاً سياسياً نوعياً متميزاً من خلال مواقفها من ملفات قضايا دولية حساسة كما هو الحال مع مواقفها من السياسات الصهيونية التي تمارسها اسرائيل.. وهو الأمر الذي لمع فيه النجم الماليزي خلال احتضانه لمؤتمر القمة الاسلامي، وما تمخض عنه من نتائج إيجابية عززت قيم الوحدة الاسلامية حضوراً وموقفاً ووجهت من خلاله القيادة السياسية الماليزية رسائل واضحة لكل القوى المتجبرة في العالم وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة وربيبتها اسرائيل.. ولعل مايميز ماليزيا أيضاً هو حفاظها على الثقافة الاسلامية بقوة رغم كل الانفتاح العصري الذي تعيشه، وهذا الأمر جعلها قبلة أعداد هائلة من طلبة العلم الذين يقصدونها لإكمال دراساتهم العليا، أوالدراسات الجامعية الأخرى. ففي عام 2002م كان عدد الطلاب اليمنيين الدارسين في ماليزيا لايتجاوز ال(500) طالب وطالبة، لكنهم في العام الدراسي الحالي (2006 / 2007) بلغوا حوالي (4000) أربعة آلاف طالب وطالبة بعضهم مبتعثون على نفقة الدولة، فيما البعض الأخر يدرس على نفقته الخاصة.. وبالمقابل فإن هناك حوالي (70) طالباً ماليزياً يدرسون اللغة وعلوم الدين في اليمن، ويتمركز أغلبهم في (دار المصطفى) بتريم من محافظة حضرموت، والتي من المقرر أن يزورها السيد/ عبدالله بدوي رئيس وزراء ماليزيا يوم غد الجمعة. الوفد الماليزي المهيب الذي رافق السيد بدوي في زيارته الحالية لليمن حمل معه الكثير من الملفات الاستثمارية التي يعتزم تنفيذها في اليمن، أو الاتفاق عليها مع رجال المال والأعمال اليمنيين.. وقد علمت أمس من الأخ/محمد واصل منسق ارتباط للشئون الماليزية أن المستثمرين الماليزيين يحملون معهم ملف مشروع إنشاء شبكة سكك حديدية للقطارات في اليمن، علاوة على أنهم راغبون توسيع استثماراتهم الغازية في قطاع (52) بمنطقة (بلحاف) وملفات مشاريع أخرى متعلقة بالنقل الملاحي، وشبكات االطاقة، والصناعات التحويلية، وغيرها.. وقال أيضاً إن رجال الأعمال الماليزيين ينظرون إلى اليمن على أنها (أرض عذراء) ويتطلعون لاستباق غيرهم في الفوز باستثماراتها. لاشك أن زيارة السيد بدوي والوفد المرافق له يعني أموراً كثيرة.. منها أن اليمن نجحت في كسب ثقة دول كبيرة مثل ماليزيا وأنها سائرة بالمسارالصحيح في بناء علاقاتها الخارجية، وان اليمن مدركة للثقل الاقتصادي والسياسي الذي تحتله ماليزيا لذلك هي حريصة كل الحرص على توثيق جسور العلاقة معها، شعباً وقيادة وهو أمر حتماً سيعود على البلدين بالخير الوفير بإذن الله تعالى..