تجمع اليمن ابتداءً من رئيس الجمهورية وانتهاءً بأصغر صناع القرار على أن أعظم ماتحتاجه ساحتنا الوطنية هو التوعية والتعبئة الموجهة.. ومع هذا فإنها الأدنى حظاً من الاهتمام.. فأين الخلل!؟ لماذا إعلامنا غارق في الصراعات الحزبية؟ لماذا يتسابق الإعلام على أخبار الإثارة الأمنية؟ لماذا تخلو الصحف والمواقع الالكترونية من التحقيقات والاستطلاعات المتصلة بمفردات الحياة الاجتماعية اليومية؟ لماذا لايحضر المواطن اليمني البسيط في إعلامنا إلا إذا وقف خلف قفص الاتهام ،أوتحول إلى حالة سلبية؟ لماذا ظل الخطاب المتداول حكراً على خمسة وجوه في المعارضة ومثلها في السلطة؟ أسئلة كثيرة جداً لا أحد يسألها ولا أحد يجيب عليها كما لو أننا استسلمنا لواقع الحال.. وللأسف الشديد لم تجد لها محلاً في أطروحات وأنشطة نقابة الصحفيين وبشكل عام هناك مناخ ثقافي إزاء مستقبل العمل الإعلامي جثم بكل ثقله على الساحة وقيدها من الخروج عن طوقه فباتت حتى وسائل الإعلام التي يفترض بها حمل توجهها تحاكي تجارب الطرف السلبي متجاهلة هذا الحراك الهائل الذي يشهده البلد في مختلف قطاعاته الرسمية والأهلية والمدنية. لعل الظاهرة الأبرز في إعلامنا هي أن الإعلام الرسمي يستنسخ بعضه البعض ،وإعلام المعارضة يستنسخ بعضه البعض.. أما الإعلام المستقل بمعنى الاستقلال الصحيح لديه تميز نوعي نسبي لكنه محاصر بين مكائن الاستنساخ وبين عقليات أنانية متعجرفة تفهم التعاطي معه انتقاصاً بنفسها ،واعترافاً بجدارة من تراه أدنى منها بالإمكانيات المادية والبشرية وهو الأمر الذي يجعل الوسائل المستقلة محبطة أمام هذه الحلقات الكبيرة من الوسائل المتحالفة والتي لاتكترث للجانب النوعي مادام بقاؤها ليس على أساس جودة المعروض في السوق الإعلامية. ورغم أن هذه الحقيقة ليست غائبة عن حسابات الكثيرين لكن جميع الاطراف ظلت حريصة على تعزيز امكانيات منابرها الإعلامية حتى وإن لم تلمس منها التطور المنشود ،وحتى لو كانت تجد ضالتها في الإعلام المستقل ،وأحياناً في أحد منابرها المنفتحة على الجانب المهني الصحفي. إذن جانب التوعية والتعبئة الوطنية يواجه عقبات مقرونة بحالة الإخفاق التي تحدثنا عنها ،والناجمة عن ثقافة«الاستنساخ» التي يصبح الاعتماد عليها أحد أبرز عوامل قتل الإبداع ،وتطوير الناتج الإعلامي بما ينسجم والأدوار المنشودة منه.. ومن هنا تتحدد مسئوليات صناع السياسة الإعلامية اليمنية في التحول إلى استراتيجية بديلة تحرر بها وسائل إعلامها من الاتكالية ،والتقليد الاعمى، والوثوق بعدم المسائلة ،ومن عدم ربط الأجر بالانتاج.. علاوة على مسئوليتها في التخلص من كل التجارب الفاشلة حيث إن المرحلة التي وصلت إليها الساحة الديمقراطية لم تعد تتحمل وجود الولادات المشوهة ،والتجارب الكسيحة التي لاتتعدى أن تكون موائد لبعض الانتهازيين. يجب على أطراف العمل السياسي اليمني «سلطة ومعارضة» التحرر من عقدة كم أصبح العدد لدى الآخر! وقراءة الواقع بعين السائل: كم المقروء والمؤثر لدى الآخر!؟ حيث إن الحسابات النوعية قد توفر مساحة عريضة لتعزيز وتطوير قدرات التجارب الناجحة أوالواعدة. أما إذا كان الرأي مقروناً بحسابات المصالح العليا للوطن، فإن الجميع معني بإعادة تقييم التجارب الإعلامية القائمة على أساس: أولاً قدرات قياداتها على تشخيص المصالح الوطنية ،وثانياً سعة تغطيتها للحراك اليومي بمختلف جوانبه السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والديمقراطية وغيرها، وثالثاً حصة هموم ومعاناة الفرد والمجتمع في انتاجه الإعلامي ،ورابعاً مدى مواكبة البرامج التنموية والتوعوية والتعبوية المرسومة للمرحلة وخامساً نسبة المهارات المهنية التي تحظى بها هذه الوسيلة أو تلك. إن المرحلة تستوجب الأخذ بمعايير معينة لقياس الجودة كي لايسهم إعلامنا في تكريس عزلة بعض المدن في ظل تقوقعه الحالي داخل العاصمة.. فتوسيع دائرة عمله يحوله إلى عين للوطن ترصد المخالفات وتحدد الاحتياجات وتنقل صوراً حقيقية لواقع مايدور.. وأعتقد أن الدولة معنية جداً في دعم الإعلام المستقل ورفع صوته أعلى من أي صوت آخر يقدم حزبه أوفئته على صوت الوطن ،والمواطن وإذا ماحدث ذلك يستسلم الجميع لواقع المنافسة الحتمية.