حقيقة تاريخية تؤكد أن جميع الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكم اليمن قبل الوحدة لم تكن مختلفة إطلاقاً بشأن الوحدة، إلا أنها اختلفت في آليات تحقيقها، ووسائل النضال لأجلها. من يقرأ كتب التاريخ اليمني يقف أمام حقيقة أن كل الدويلات التي قامت في اليمن كانت مؤمنة تماماً بقضية اليمن الواحد، وأن الكثير من الصراعات التي خاضتها انطلقت من هذه الخلفيات الوحدوية، إلا أن الموضوع لم يأخذ سياقه الواضح إلا في النصف الثاني في القرن العشرين حيث نشطت حركات التحرر، ونشأت تكونيات سياسية ذات مناهج ايديولوجية دفعت بالطموح الجماهيري نحو التنظير والعمل السياسي الاحترافي. حين نتحدث اليوم عن الوحدة اليمنية لابد ان ننطلق من خلفياتها التاريخية ليكون الأمر واضحاً للآخرين بأن الوحدة لم تكن صناعة سياسية محسوبة لعهد من العهود التي حكمت اليمن، ولم تكن خلقاً جديداً من وحي زعيم يمني بعينه.. لكن إعادة تحقيق الوحدة هي الصناعة السياسية التي ننسبها إلى شخصها وتاريخها وظروفها. الوحدة هي الحقيقة التاريخية التي لاجدل حولها لأن الله فطر هذا الشعب عليها، فهي الأصل إذن، فيما التشطير كان يمثل الحالة الطارئة المستجدة على حياة الشعب اليمني، ولم يكن يختلف بشيء عن حالة الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن، وبالتالي فإن الدعوة إلى إعادة تحقيق الوحدة مثلت مبدأ ثابتاً في قيم كل الانظمة السياسية، في حين كان النأي عن هذا المبدأ أو التقاعس في السعي إلى ترسيخه عندما يكون حاضراً أو تحقيقه عندما يغيب كان يمثل سبباً كافياً للإطاحة بأي نظام حكم، وبإقصاء أي مسؤول في الدولة. عندما يتوارد إلى مسامعنا ان هناك من يرفع «الانفصال» شعاراً، أو يهتف لأجل العودة إلى حقب التشطير ينتابنا الشك ان يكون هذا الصوت يمنياً، لأن الصوت اليمني المعروف لدينا وللعالم وعبر التاريخ هو صوت وحدوي على الصعيدين الوطني والقومي. قبل أيام توارد إلى مسامعنا هذا الصوت النشاز المهلل للانفصال، وللأسف الشديد كان ذلك بحضور قيادات في الحزب الاشتراكي.. توقعت يومها أن يبادر الدكتور/ياسين سعيد نعمان إلى إصدار بيان يحدد موقف الحزب من تلك الهتافات فيما إذا كانت تترجم فكر وتوجه الحزب الحالي أم أنها من عناصر مندسة تتربص بالاشتراكيين سوءاً، وتدفعهم إلى أزمات سياسية هم في غنى عنها .. لكن لم يصدر بيان أو أي تعقيب من هذا القبيل لأسباب مازالت مجهولة. لاشك أن بقاء الأمور معلقة من شأنها فتح أبواب التأويل والاجتهادات.. بل أيضاً تعطي لآخرين فرصة الدخول منها لخلط الأوراق.. وتأجيج الأحقاد، ونبش قضايا كثيرة لا أعتقد أن الظرف اليمني أو الدولي يسمح بها. ومع هذا نقول إننا اضطررنا مجدداً إلى مراجعة كل أدبيات الحزب الاشتراكي بحثاً عن ثغرة في أدبيات زعمائه ومؤسسيه يمكن أن تكون هي المرجع لما هتف به البعض قبل أيام إلا أننا وجدنا أن الوحدة هي قضية مركزية لدى الجميع. بتقديري من واقع تجربتي في اليمن أن الشعب اليمني قد يختلف على كل شيء بما في ذلك رئيس الجمهورية لكن عندما تصل القضية إلى الوحدة اليمنية يتعامل معها كخط أحمر لايمكن لأحد التطاول عليه.. فياترى كيف يراهن البعض على كسب تأييد الشعب بالتطاول على ثوابته !؟