لا رأسماليتنا رأسمالية، ولا اشتراكيتنا اشتراكية.. كنّا دائماً ردة فعل، كّنا صدى باهتاً للهزات الكبيرة والتحولات التي شملت العالم الأول، كنّا فراغاً وسكوناً، ملأه الآخر بوجوده وحركته.. صراعاتنا جميعها كانت تعبيراً عن وجود الآخر وله وفي حدود مصلحته، وترابنا كان رقعة شطرنج، نصطف عليها في مواجهة بعضنا البعض، لتحركنا مشيئة الآخر وخططه وتكتيكاته، وحين يفوز أحد اللاعبين، لا تكسب القطع السوداء شيئاً، ولا تخسر البيضاء شيئاً، لأنها قوة خارج ذاتها وظروفها، لا قوة في ذاتها وظروفها، ووجود افتراضي لا حقيقي. ما أتعس وأتفه أن ترتفع جماجم الضحايا أهراماًَ، ثم ينتهي الصراع بعبارة «Game over» انتهت اللعبة، لقد كّنا نمزح فحسب. أدرك أنه لا نهاية للصراع، لكن مبعث التعاسة أننا لسنا طرفاً فيه، وفقط مجرد دمى خيوط ترتخي وتتوتر، تبعاً للأنامل التي تشدها.. والتفتنا يميناً صوب الصحراء التي هتفت للرأسمالية، فلم نجد مصانع ولا وكالات كونية ولا مجمعات أبحاث ولا قلامة معرفة.. ثم التفتنا يساراً صوب الصحراء التي هتفت للاشتراكية، فلم نجد تروساً ولا مناجل ولا عمالاً ولا بدلات زرقاء معجونة بالشحم والزيت، ولم نجد كائنات انتقلت من طور السلالة إلى طور الأممية، ومن طور الحاجة إلى طور الحرية.. ويميناً ويساراً وجدنا فقط كائنات داجنة مستلبة، تقتات إما بفتات عائدات «الجاز» وإما بالإعاشة الحكومية، على هامش وهم الإنتاج!! وعقب الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، حملنا تخلفنا وانتفاخنا الأجوف وعاهاتنا وصرخنا كالبلهاء بعلو الصوت «يوريكا، يوريكا، وجدناها، وجدناها» الليبرالية هي الحل، ودخلنا في دين البيت الأبيض أفواجاً، وفتحنا أسواقنا ومكاتبنا الحكومية وحجرات نومنا لملائكة البنك وصندوق النقد الدوليين، وتعلمنا على أيديهم كيف نرتدي سراويل الجنز ونأكل البيتزا والهمبورجر، ونحترف الفرجة على «فاترينات الملابس والأحذية والعطورات وآخر صرعات المحمول» ونشترك في دردشات النت، ونصوت لنجمنا المفضل في سوبر ستار، ومرشحنا في مجالس البلديات.. ثم ننام جوعى ولكن أحراراً وديمقراطيين للغاية!!. إنه لمن المضحك بعد هذا أّن شعوباً عربية تباهي بأفضليتها على شعوب عربية أخرى.. إن الأمر شبيه بأفضلية سكان الطابق العلوي، على سكان السفلي في سفينة واحدة تغرق. إن هناك صنفين من الشعوب العربية، صنفاً يشتري الحاكم صمته، وآخر يشتري الحاكم صوته، فيما الجوع هو الجوع. إن حالة الشبع الواهم يهددها نضوب الكيروسين في دول الوفرة، فيما يهدد الجوع القائم في دول «الديمقراطية» حالة الحرية الواهمة. تستطيع إمكانات الدول العربية مجتمعة أن تنقذ الموقف.. مثل هذا القول سيبدو للكثيرين عتيقاً ومتحفياً، وسأطلب حينها منهم أن يضعوا «البديل المودرن» له. إن من البلاهة والسخف أن نعتقد أن بإمكانية قطر عربي تحقيق حد أدنى من النهوض بمعزل عن الأقطار الأخرى، وما قد يبدو نهوضاً هنا أو هناك هو امتلاء بالآخر وإعلان عنه يزول بزوال حاجة الآخر إليه. أجدني منهمكاً في ضلالي القديم: لا بديل للوحدة العربية سوى الوحدة العربية نفسها، وأضيف، الاقليمية والاسلامية إن أمكن.. لكن ليس على طريقة صدام المجيد، من فضلكم! تذييل إن كان الغرب هو الحامي فلماذا نبتاع سلاحه؟! وإذا كان عدواً شرساً فلماذا ندخله الساحة؟! مطر