عرف عن الانجليز تاريخياً أنهم خير من يخططون لتتابع الخطوات..فاذا كان لديهم هدف مركزي يلجأون إلى تحديد المراحل الكفيلة بتحقيق هذا الهدف ولا ينزعجون من طول الوقت أو الانكسارات العرضية التي تقابلهم على الطريق نحو الهدف. هذا التعليم الانجليزي بامتياز استفاد منه الامريكان مع اختلاف اساسي يتعلق بأن أسلافهم الانجليز لم يكونوا يتحدثون عن أهدافهم علناً فيما يتحدث الأمريكان علناً وأمام رءوس الأشهاد. الآن وقد سقطت بغداد بدأ سدنة البيت الأبيض في تحديد معالم المرحلة التالية وباستهداف سياسي مباشر لسوريا، أما حقيبة التهم فإنها ذات اللوازم السابقة والمتعلقة باحتضان «الارهاب» وامتلاك أسلحة الدمار الشامل.. ولقد تكرر هذا الأمر ومازالت العراق تعيش حالة الفوضى العارمة. إن تحديد سوريا بوصفها إحدى الحلقات القادمة في مسلسل المبادآت الأمريكية غير المسبوقة يعني الكثير: أولاً ستكون سوريا في زاوية حرجة لأنها ستحاصر بكماشة قوية تمتد من الشرق والشمال والجنوب، ولعلها تصل إلى حوض البحر الأبيض المتوسط ممايعني أن حصاراً من قبضة فولاذية بانتظار سوريا. ثانياً سيكون على دمشق أن تبدي حسن النية المطلوبة وأن تشرع في التخلي الطوعي عن سياساتها المعلنة سواء في الداخل السوري أو مع إسرائيل ممايقتضي تغيير الآليات والتحالفات باتجاه تفكيك البنية الموروثة من الراحل العتيد حافظ الأسد. ثالثاً لن تتمكن الدبلوماسية السورية من استخدام مواهبها التقليدية في الموازنة بين الخطاب الراديكالي والسلوك السياسي المرن لأنها ستكون مطالبة بممازجة الخطاب مع سلوكات جديدة لا تمت بصلة للماضي. رابعاً وفق الحسابات الاقليمية المرئية ليس أمام سوريا فرصة كبيرة للمناورة خاصة ممايفقد سوريا قابلية إدارة الحرب بواسطة الآخرين..أو التنويع على خطاب التضامن العربي الذي أصبح فارغاً من أي محتوى بعد أن ظهر النظام العربي على حقيقته أثناء الحرب الأخيرة. خامساً وأخيراً- اذا تسنى للولايات المتحدة تحقيق هدفها التالي دونما لجوء للحرب وتكاليفها فإنها ستكون سعيدة مالم ستبدأ المرحلة التالية بتركيز كبير على النظام السوري مع استفادة مثلى من التجارب الحصارية والتفتيشية والعسكرية السابقة. انها الصورة الواقعية التي قد لا تروق لنا..لكنها قادمة لا محالة..واذا كان الانجليز بما عرف عنهم من ذكاء ومكر يجيدون اخفاء النوايا فإن الأمريكان أبعد مايكونون عن ذلك، إنهم يعلنون النوايا ثم يشرعون في تنفيذها انطلاقاً من فلسفة القوة الكاسحة والتي لا نعرف إلى متى ستظل كاسحة. لقد بدأت متوالية التراتب الصعب..اليوم العراق..وغداً سوريا..ولاندري من سيأتي بعد ذلك. [email protected]