لعلها تكون المرة الأولى التي أتمنى فيها أن أكون رجلاً.. حين رأيت وسمعت ما رأيتم وما سمعتم، والحقيقة أن أقلام الدنيا كلها لا تستطيع أن تضعنا ضمن الصورة التي نراها تُدمي القلب والعين معاً وقد أصبحت أقلامنا كلها مجاديف متكبرة أمام طوفان من اللا إنسانية، طوفان يشبه زخم الذل الذي أصبح لصيقاً بنا من قبل غزة بكثير، الذل الذي جعلنا عارين من الحقيقة متحللين تماماً بلا خجل مع العار، غُرباء عن صوت الضمير، شعارات حمقاء، لعنات يصبها هذا الشارع على رصيف تاريخنا دون أن يكون لنا يدٌ فيها نفعل أو نقول.. كيف يمكن لهذا الشعب العبقري بالفطرة، المأسور بحب وطنه إلى درجة الوله أن يصرخ بلا سلاح، أن يتعاطى الصبر جرعات دون أن يغص بمرارته، أن يبحث في ركابه عن نفحة قوة فتنبت أشلاؤهُ بشراً ؟!. غزة اليوم عروسٌ تُزف إلى جنان ربها، غزة اليوم حرة لا تأكل بثدييها، غزة اليوم درسٌ جديد بعد دروس مضت لم يتعلم منها عالمنا شيئاً؛ ذلك لأن المعلم اليوم ليس هو معلم الأمس!. فلسطين كلها تبصق في وجه العالم الرمادي الأبله الذي دار ظهره لها وهي تستغيث بكل لغات الألم، تعاملنا معها جميعاً وكأنها مسلسل مدبلج، أدمنا أن نبقى أمامه صامتين، أدنى ما نفعل هو أقصى ما نفعل، ما الجدوى من الشكوى إذاً؟!. هذا الشعب صامدٌ بقوة من الله، لا يرجو إلا الله، ولا يسأل إلا الله، ولا يرحم ضعفه أو يجبر كسره أو يشد من أزره إلا الله، السر في قوة الإرادة لديه أنه يطلب القوة من صاحبها لا من طالبها، والسر في اندثارنا تحت الثرى أننا نعتقد أننا أصحاب القوة.. رأيت في حياتي ظلماً كثيراً وما شعرتُ بمرارة الظلم الحقيقية إلا وأنا أشاهد تلك الصور الناطقة بالبطش والجبروت ونكران الإنسانية وانعدام الرحمة وانحسار الأخلاق.. وماذا بعد؟!.. هل ستغير هذه الشعوب المنتفضة ألماً وخجلاً من سياسات حكامها؟!. هل ستبيع علاقاتها بالصديق لتشتري رضا العدو؟!.. هل ستمكث هذه الشعوب طويلاً تحت وطأة الوهم، بماذا غير الجهاد نستطيع التعبير عن بغضنا لهذا العدو؟!. لكن الحقيقة أننا بصمتنا غير المشروع كتبنا الوثيقة التي وكلنا فيها أهل فلسطين بأن يقاتلوا عنا بفرض الكفاية ليسقط عن عالمنا الجهاد ونحن عند عدونا جزء من أرض مرغوبة أو مسلوبة فأي أرض لا يعدها اليهود أرضهم؟!. أليس من العار أن يكون رجالنا كنسائنا ونساؤنا كرجالنا، أليس مما يحزن حُزن العتب أن ننكث عهدنا مع الصادق الأمين حين قال: «اتقوا الله في أهل الشام فإنهم مرابطون إلى قيام الساعة».. صدقت يا سيدي يا رسول الله إنهم مرابطون صامدون لا يخشون إلا الله.. فأين نحن الآن من أرض الرباط وأهل أرض الرباط؟!. أشعر بالأسى الكبير وأنا استمع لابنتي تحدثني أن معلمتها بحثت في أكثر من فصل عن طالبة شعرها طويل بما يكفي لتتمايل به راقصة أمام الجميع في احتفال سيقام تضامناً مع أهل غزة؟. إذاً مازالت أفكارنا خلف الأبواب في غرف مظلمة لم تضأ بعد بنور العزة.. فماذا سيفعل شعر هذه إذا لم يُجد شنب ذاك؟!. غير أن ما يُثلج صدري أننا في اليمن أصحاب سياسة واضحة خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع الدولة الفلسطينية الصامدة أبداً وما يجتاح سماؤها أرضاً وإنساناً من عدو غاصب بغيض.. وكنت قد أشرت بداية إلى أنها المرة الأولى التي أتمنى فيها أن أكون رجلاً؛ غير أني تراجعت عندما رأيت قسوة دموع أولئك الأبطال، فقد تزلزل دموع الرجال ما لا تستطيع تحريكه دموع النساء. دعونا ندعوا جميعاً لعروس ترتدي السواد تزف إلى ربها بسلام.