من أهم أهداف كليات التربية أنها تعد معلمين ومعلمات يتولون مهام التدريس للأجيال القادمة، ويتوقع أن يتولى كل معلم تعليم ثلاثين جيلاً، على افتراض أن عمر المعلم الوظيفي بعد التخرج سوف يكون ثلاثين سنة - إذا مد الله في عمره - .. وإذا حسبنا أثر هذه الفترة على مستقبل الوطن ومستقبل أبنائه فلن نهدأ ولن نؤجل تصحيح أي خلل تربوي في إعداد المعلم مهما كانت الظروف.. كليات التربية تعد المعلمين والمعلمات في ثلاثة جوانب حسب برامجها؛ هذه الجوانب هي الجانب التخصصي الدقيق، والجانب الثقافي العام، والجانب التربوي المهني.. ومادة التربية العملية تدخل ضمن تأهيل المعلم في الجانب المهني، وهي المادة التي من خلالها يمكن قياس مدى نجاح الطالب المعلم في كل جوانب التأهيل في كليات التربية ، إذ تعد تطبيقاً ميدانياً لما حصله الطالب المعلم علمياً وثقافياً ومهنياً... لكن هذه المادة – للأسف - لا تأخذ حقها من الاهتمام إلى اليوم ؛لا على مستوى البرامج في الكليات، ولا من قبل أعضاء هيئة التدريس المشرفين على التطبيق، ولا من قبل وزارة التربية والتعليم... وهناك أسباب كثيرة ومتداخلة لعدم الاهتمام بالتربية العملية؛ ومن أهم هذه الأسباب: عدم توفير الظروف الملائمة لتنفيذ التطبيق الميداني داخل الكليات وفي مدارس التعليم العام ؛فأهداف التربية العملية غير محددة بصورة دقيقة ، ويتم الإشراف على تنفيذها باجتهادات شخصية، والمشرفون على التطبيق الميداني غير متفرغين، وبعضهم غير مؤهلين تربوياً، وبعضهم غير متحمسين لإرسال الطلبة للمدارس، وبعضهم يميلون إلى الاستعاضة عن التطبيق الفعلي في المدارس بالتدريس المصغر داخل الكلية خوفاً من متاعب الجري وراء الطلبة من مدرسة إلى أخرى.. كما إن وقت التطبيق لا يتعدى يوماً واحداً في الأسبوع ، ووقت الطلبة مزدحم بالمحاضرات اليومية في المواد الأخرى كل الأسبوع ، ومعظم المدارس لا ترحب بالطلبة المعلمين للتطبيق لأنها غير ملزمة باستقبال الطلبة المعلمين من قبل وزارة التربية والتعليم، ومستويات الطلبة المعلمين لا يسوق بصورة جيدة لعملية التطبيق في المدارس بسبب ما يعانيه الطلبة من ضعف علمي ومهاري، فضلاً عن أن نظرة تلاميذ المدارس العامة للطالب المعلم نظرة فيها بعض السخرية؛ فهو في نظرهم طالب متدرب، وما يقوم به معهم غير ملزم لهم، لأنه ليس معلماً أساسياً في المدرسة.. ونتيجة للمعوقات السابقة يتعرض الطلبة المعلمون لتجارب قاسية في التطبيق العملي، قد تربكهم إذا لم يكونوا متمكنين بما فيه الكفاية من التدريس وقيادة الصف.. ويسهم في زيادة معاناة الطلبة ما يمنحه بعض المشرفين من تقديرات غير منطقية، لأن ظروف التطبيق والإشراف ليست متكافئة ، ولذلك فقد يحصل بعض الطلبة والطالبات على تقديرات جزافية لا تمثل مستوياتهم الحقيقية، وبلا جهد مبذول ، وقد تهبط تقديرات بعض الطلبة الجادين إذا صادف أن قام بالإشراف عليهم من يقدر المسئولية ويجري عملية تقويم حقيقية لمستوياتهم... التربية العملية لن تتحقق أهدافها إلا إذا مر الطالب المتدرب بخبرات حقيقية تؤهله للتدريس ؛ وأهم هذه الخبرات التدريب على تحضير الدروس، وإلزام الطالب بالنزول للمدارس لمشاهدة المعلمين الأساسيين قبل أن يقوم بالتدريس، وكتابة تقارير تقويمية عن أدائهم في ضوء معايير محددة، وأن يقدم المشرف دروساً نموذجية لتلاميذ مدارس التطبيق أمام الطلبة المعلمين أثناء التطبيق الميداني حتى يقتدوا به في التدريس، ثم أخيراً يكلفهم بإعداد دروس وتنفيذها في المدارس... التربية العملية بحاجة إلى قرار سريع وعام من قبل الجامعات بضرورة إعادة النظر فيها والتنسيق مع وزارة التربية والتعليم، حتى تهتم الكليات بتطويرها، فأي تطوير تقوم به الكليات منفردة لا يجد طريقه للتطبيق، والدليل على ذلك أن كلية التربية بجامعة صنعاء قد وضعت برنامجاً مطوراً للتربية العملية منذ عامين لكنه لم يفعّل إلى الآن، مع أنه يقوم على تفرغ الطلبة لمدة فصل دراسي كامل للتطبيق العملي في المدارس، وهي فترة قد تمكن الطالب المعلم من تجريب خبرة التدريس أكثر من مرة أمام المشرف، وبالتالي تضمن تقويم مستويات الطلبة على أسس منطقية، وفي ضوء أدائهم في البيئة التعليمية الحقيقية... * كلية التربية – جامعة صنعاء [email protected]