الدراما هي أكثر أنواع الفنون جماهيرية، باعتبارها تدخل كل بيت ويشاهدها الناس على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية، وقد ساهمت الفضائيات العربية إلى حد كبير في انتشار الدراما كفن جماهيري، حاول ويحاول إلقاء الضوء على عدد كبير من الظواهر الاجتماعية المهمة، وخاصة تلك التي كان الحديث عنها يدخل في إطار المحرمات، إلا أن بعضها فقط نجح في تغيير بعض الأنماط الاجتماعية السلبية السائدة، في حين أن غالبية ما يُقدم من أعمال درامية عربية تساهم إلى حد ما في تكريس بعض القيم والتقاليد البالية من خلال تقديمها بصورة إيجابية وإغفال الجوانب السلبية فيها، وبالمقابل هناك بعض الأنواع الدرامية التي تسعى للتهريج والتسلية وتمضية الوقت. •الدراما - حسب علم اجتماع الفن - تؤدي وظيفتين: الأولى عكس التغيرات الاجتماعية بشيء من الموضوعية، والثانية لعب دور في عملية التغيير الاجتماعي، من خلال تغيير الأنماط القيمية والمفاهيم الاجتماعية، وأحياناً قد تؤدي الدراما الوظيفتين معاً، وخطورة بعض الأعمال الاجتماعية تكمن في أنها تعكس الواقع الاجتماعي السلبي وتسوق له وكأنه إيجابي، متخلّية عن الوظيفة الثانية للدراما وهي الدعوة إلى التغيير من خلال إيجاد الحالات الاجتماعية الإيجابية. • هناك العديد من الأعمال الدرامية العربية تعكس الفشل في إحداث تقدم اجتماعي عبر إنتاج ينتقي من الماضي ما هو متخلف، فمثلاً المسلسل السوري الشهير ذو الجماهيرية الجارفة على المستوى العربي “ باب الحارة” يُصوّر المرأة بشكل سلبي دون إيجاد مقابل إيجابي، فهي ملتزمة بالبيت، عملها في المطبخ ومهمتها طاعة الزوج فقط، رغم أن الفترة التي يتحدث عنها العمل (مرحلة الاستعمار الفرنسي لسوريا) وبالتأكيد كانت هناك نماذج إيجابية للمرأة الفاعلة اجتماعياً، لكنه لم يتطرق له، في حين كان من المفروض أن تصور الواقع بسلبياته وإيجابياته، فمثلاً يجب أن تقدم صورة المرأة التقليدية الملتزمة بالمنزل، وبنفس الوقت تقدم صورة للمرأة العاملة الملتزمة بقضايا بلدها. •صحيح أن الدراما لا يمكن أن تحدث تغييراً أو “ثورة بالمعنى الآني أو الفعل السريع”، ودورها ينحصر بالدرجة الأولى في تسليط الضوء على هموم الناس، ولكن من شأن التراكم الكمي للأحداث والمشاهد التي تقدمها الدراما أن تؤدي مع الزمن إلى تغيّر نوعي في ذهن المشاهد يدفعه للبحث عن حلول، غير أن بعض الباحثين يرون أن قدرة الدراما لوحدها في إحداث تغيير اجتماعي هو “مسألة صعبة تتطلب خطوات كثيرة والدراما وحدها لا تستطيع ذلك، لكنها تستطيع توجيه نظر المجتمع نحو مشكلة معينة، بمعنى أنها تلقي الضوء على المشكلة وتناقشها”، و «إن الدراما إذا أرادت أن تكون جادة وتطرح مواضيع تهم الناس، يجب عليها أن تكسر التابو في تناولها للظواهر الاجتماعية، وأن تثير الجدل من خلال تكريس الجانب التنويري في المجتمع ومحاربة الجهل والفقر والتخلف” وهو ما نجده في بعض الأعمال الدرامية التي تطرح وتتناول قضايا وظواهر اجتماعية لم يكن ممكناً الحديث عنها أو حتى مجرد الاقتراب منها. [email protected]