الروتين والتعقيدات الإدارية أصبحت صفة ملازمة للمعاملات الإدارية في بلادنا ، وكأن المعاملة إذا مرت بسهولة ولم تمر عبر سلسلة من التعقيدات والتأخير لأيام أو أسابيع قبل إنجازها لا تعتبر معاملة، وخاصة فيما يتعلق بالمعاملات التي يكون الغرض منها تجديد وثيقة أو شهادة سبق وأن حصل عليها الشخص بعد سلسلة طويلة من المعاملات والركض وراء التوقيعات المطلوبة لإنجازها، ورغم ذلك لا بد له أن يعاود نفس الماراثون من المعاملات في حال رغبته بتجديد نفس الوثيقة أو الشهادة أو الرخصة أو التصريح. فمثلاً كان من ضمن الشروط للحصول على البطاقة الشخصية ضرورة تواجد أحد الوالدين للتعريف بابنهما أو ابنتهما إذا ما أرادا الحصول على البطاقة الشخصية، وهو شرط أساسي لا يمكن الحصول على البطاقة بدونه حتى ولو كان الوالد أو الوالدة على فراش المرض ولا يستطيعان الحضور، ومع ذلك قد يكون هذا الشرط منطقياً في حالة ما إذا كان الشخص بصدد استخراج بطاقة شخصية لأول مرة ، ولكن أن يتم تعميم هذه الإجراءات على الجميع حتى على من يمتلكون أصلاً بطائق شخصية،فقط يريدون استبدالها بالإصدار الجديد وما أكثر هذه الإصدارات التي تلاحقت خلال السنوات الأخيرة، فلا يكاد يمر عام حتى يتم إصدار نموذج جديد، المهم أن من لديهم بطائق سابقة يتم معاملتهم وكأنها المرة الأولى لهم حيث يُطلب منهم كافة الوثائق دون أي اعتبار للبطائق الشخصية التي بحوزتهم، مع أن المفروض في مثل هذه الحالة بأن يتم الاكتفاء بسحب البطاقة الشخصية القديمة أياً كان نوعها ومنح الجديدة مع دفع الرسوم المقررة قانوناً ما لم تكن هناك بيانات إضافية في البطاقة الجديدة تستدعي إرفاق وثائق معينة لإثباتها، أو يكون هناك شبهات من أي نوع حول البطاقة القديمة المراد استبدالها، الأمر الذي يتطلب إثبات صحة البيانات والمعلومات الواردة فيها. نفس الأسلوب متبع أيضاً في استخراج جواز السفر، فلو أراد أي شخص أن يستبدل جوازه السابق بآخر جديد فما عليه إلا أن ينسى أن لديه جواز سفر سابق، لأنه لن يفيده ولن يثبت أي شيء بالنسبة للجهات المعنية التي لا تعترف بما ورد فيه من بيانات وإن كانت هي نفسها من أصدرته، وعليه أن يستعد للبدء بالمعاملة من نقطة الصفر، ولا ندري ما هو السر من وراء كل هذا التعب والتطويل والتعقيد في معاملات استخراج جواز السفر لمواطن سبق وأن اعترفت الجهات المعنية به كمواطن يمني ومنحته جواز سفر إن لم يكن جوازات سفر في فترات سابقة يثبت ذلك. . وأيضاً من المفارقات الغريبة العجيبة ما يحدث في مسألة تحديد فصيلة الدم المطلوبة في عملية استخراج البطاقة الشخصية التي يجب وكشرط أساسي وضروري أن تكون ممهورة بتوقيع المَخْتبَر « الصَندَقة » الموجود في ساحة مكتب الأحوال المدنية، ولا يُقبل أي تقرير صادر من غير هذه «الصَندَقة»، حتى ولو كان صادراً عن أرقى وأفضل المختبرات في العالم ومصدق عليه من قِبَل منظمتي الصحة العالمية والأمم المتحدة ولا ندري ما هو السر في ذلك، خاصة وإن الأمر ليس من فائدة فيه أو هدف يدفع المواطن إلى تزوير فصيلة دمه، فحتى الآن لم نجد لعملية تحديد فصيلة الدم أية حاجة ضرورية على أرض الواقع تبرر إثباتها في البطاقة الشخصية، ففي المستشفى إذا أردت التبرع بالدم مثلاً وأبرزت لهم بطاقتك الشخصية لإعلامهم بفصيلة دمك فإن ذلك لن يكون كافياً ولن يعتمدوها وسيطلبون منك فحص دم لتحديد الفصيلة وكأن شيئاً لم يكن. لماذا كل هذه الإجراءات الروتينية والتعقيدات الإدارية والتي لا هدف منها سوى العرقلة والتأخير وتضييع الوقت؟