مثلما تتعدد أسباب الموت وتبقى نهايته واحدة تتعدد أسباب الحياة ولكن نهايتها لا تكون واحدة..فمن الناس من يعيش لتحقيق أهدافه السامية، ومنهم من يبذل قصارى جهده ليقوم بتربية أولاده تربية صالحة، ومنهم من يعيش خالي البال من الدنيا وما فيها، بلا أهداف ولاغايات سامية ولا حتى كفاف عن مسألة الناس..بل ذوبان في زخم الحياة وانصهار مع أحداثها واستسلام لرياح السفين...سواءً اشتهى مرساها أو لم يشتهِ فهو خاضع بعقله وكل جوارحه..تذهب به الأيام حيث تشاء..دون أن تعطيه شيئاً لأنه لم يعطيها قبلاً فكيف تمنحه بعداً. والمشكلة أن تكون نسبة النصف من المجتمع إن لم تكن أكثر ممن لا يتعدى طموحهم جلسة رصيف مفروش بالورق...مغطى بالأرق، بعيد تماماً عن معايير الصحة بل عن معايير الاحتياج البشري في أبسط ظروفه وأرثى حالاته.. رأيت كثيراً من الأشخاص على مسرح الحافلات الذي نقبع على كراسيه رغماً عنا كل يوم، أظافرهم مقلمة بالجوع أرواحهم رثة..أفكارهم مهترئة، لا يمكن أن ينهض على اكتاف هؤلاء وطن أو تقوم على مساحة عطائهم حضارة، لأنهم لا يعطون الوطن إلا مزيداً من الانحسار نحو الماضي..كل ما تحمله أيديهم أصابع سيجار وأكياس قات..يمضغون السم وينفثون دخانه وكأن أفواههم مداخن مدينة غارقة في ضباب، لكن للأسف..صدورهم ليست مصانع وأفواههم كساد وقائع.. تاريخ وضيع لجغرافيا رديئة..يتقاسم فيها الطالب والمطلوب زيف الواقع..ماذا أقول؟؟.. فحين يرى الإنسان شباباً بلون الورد ورائحة العطاء تفوح من مسامات أجسادهم يبيعون عقولهم وأجسادهم رخيصة أمام حفنة من خضار الوطن..الشجرة العاقة التي تلدها الأرض وهي باكية.. ابنة عاقة لأم حنون..ألا تبكي قلوبكم دماً عندما ترون ما أرى من حال جيل بطول الأمل وعرض الألم..يُصادر كل يوم إلى سوق الشيطان محمولاً على نعش الأمنيات الكاذبة؟!. ليتنا نجيد صنع واقعٍ حي مليء بالبحث عن أسباب فشل الشباب وبطالتهم ودورانهم حول الحلقة المفرغة في إطار مواريث ذات طابع سيادي. ليتنا نكون صادقين مع أنفسنا - بعد التجارب الفاشلة في حصر مشاكل الشباب بمقهى إنترنت..أو ناد رياضي أو مسرحيات على رصيف صلب...إلى الآن لا أرى توجهات فعلية في تنظيف عقليات الشباب «وقود الأمة» من مخرجات الأجيال السابقة القائمة على عُكاز الجهل...متعثرة الخطى غائبة الوعي عن كل جميل، لا أشعر بالغيرة من شيء ما بقدر ما أشعر بها عندما أشاهد شباب أمم أخرى ربما لم يكن لها ماضٍ حضاري مثل ماضينا لكن ماعساها تفعل من باعت ظفائرها لخيول الملك وانتعلت كرامتها على أرضٍ بور، وتوارت عن عيون الناس لأنها حُبلى بالخيانة. فنحن الذين بعنا حضارتنا لملوكٍ ماكانوا ليشتروها إلا لأنهم فاقدوها..نحن الذين رضينا أن تعبأ أجسادنا كالبراميل بشتى صنوف الذل..والفاقة..والوجع.. نحن الذين أعلنا انتحار الطموح باستقلال الفرد والفكر ورقعة الوطن..لاعجب إذن أن يكون جيلٌ من الشباب مكبلاً بالركود الفكري..جيل مخصي عقلياً لا يعيش إلا على فتات يلقيه الآخرون في طريقه الشائك الطويل.. جيل لديه اكتفاء ذاتي من تخلف العزيمة ورداءة المنطق وقُبح المحتوى..لماذا لا تكون هناك خطط استراتيجية للنهوض بحال هؤلاء الشباب.. هل يقتصر نهوض الوطن على منح الالقاب والرُتب والدرجات والمسميات؟!