استوقفتني الكتابات التي تحدثت عن جدلية الارتباط بين العولمة وحقوق الإنسان مما جعلت من المفيد جداً تقديم بعض الايضاحات المتعلقة بهذا الموضوع الحيوي والهام الذي حاول الكثير من المثقفين ورجالات السياسة والفكر والإعلام والصحافة الربط بين فكرة حقوق الإنسان والعولمة، والفكرة في تحققها لصيقة بنظام العولمة ومشاريعه التوسعية وهم يعتقدون بذلك أن ذلك النظام يعد عنوان الخلاص من حيث أنه يرسم مساراً تاريخياً بديلاً عن كل المآسي والشرور التي عاشتها البشرية. والواقع أنه إذا نظرنا ملياً في الأمر وبحس نقدي نكتشف أن العولمة في حقيقة أمرها تروم وتهدف إلى تكريس معنى واحد للحق لا يخرج عن نطاق وإطار تثبيت حق بعض الأنظمة السياسية في الهيمنة والسيطرة وسيادة العالم ، وهي بذلك تتحلل من كل التزام أخلاقي وإنساني من حيث إنها تبرير وترسيخ للهيمنة الاقتصادية والسياسية والثقافية، والضرر الجسيم بسيادة الدولة ومصالحها ونهب ثرواتها النفطية وإيراداتها، ومن ثم لا يستقيم الحديث عن العولمة باعتبارها النظام الأمثل لضمان الحقوق وخلق شروط العدل والمساواة والإنصاف بعيداً عن التمييز والظلم الاجتماعي وتجاوز القيم والسلوك الإنساني. من هنا لا أدري بأي معنى وأية رؤية أو منطق يمكن الربط بين العولمة وحقوق الإنسان حتى نعلم ونفهم جيداً أن العولمة في بعدها الثقافي تعد إلغاءً للأخلاق والتعدد بل رغبة في احتواء الآخر والاقصاء والاستحواذ الاقتصادي والمادي وطمس الهوية الفكرية والقومية العربية والإسلامية، بيد أن العولمة بهذا المعنى تحمل تناقضاً صارخاً، فملامح ثقافة حقوق الإنسان تحمل العداء التاريخي للعولمة بما تحمله في التنكر الصارخ لحقوق الغير في العيش والسلم الاجتماعي وخيارات أخرى ترتبط ارتباطاً مباشراً بحياة الإنسان وسن أفكار أخرى مخالفة لمنظومة القيم الغربية كتعبير عن منطق السوق المنافية للأخلاق، فلا يمكن الحديث عن أي بعد حقوقي أو إنساني لنظام العولمة نتيجة كونه يسعى إلى القفز على الخصوصية الثقافية للشعوب واعتبار ارتباطها بماضيها وتعلقها بتراثها انجذاباً واتجاهاً نحو التخلق الفكري والاجتماعي والإنساني وهذا سجال سياسي صارخ تم تسريبه حول مهمات وأداء العولمة الاقتصادية والثقافية عبر صراع الثقافات والحضارات في ملامسة صارخة وسيئة لكرامة الإنسان العربي والسيطرة العالمية على مكونات الحياة بإرهاصاتها وإفرازاتها الاقتصادية والتحكم المالي في اقتصاد السوق، وما طرأ على حاضر النشاط الاقتصادي اليوم من أزمة اقتصادية ومالية ربما تقضي على الأخضر واليابس الخاسر فيها الإنسان العربي والإسلامي.