حينما كنا لا نعرف الكهرباء؛ كنا نعيش دون مشاكل؛ نعم لقد كنا نتمتع بالرضا النفسي والاجتماعي، وكانت تصرفاتنا تتطابق مع فطرتنا.. فكنا نجعل الليل سباتاً، والنهار معاشاً كما خلقهما الله، وكنا نتحاور في بيوتنا، وكانت اللغة هي الوسيط الأول بيننا في كل جلساتنا، فلا شاشات تجمّدنا أمامها، ولا أجهزة تسيطر على حواسنا، كنا نعرف بعضنا في بيوتنا، ونعرف جيراننا، كانت علاقاتنا الاجتماعية حية وحيوية، كنا نشطين نمارس أعمالنا بعقولنا وأجسادنا، فكانت أجسامنا رشيقة وعقولنا صافية، وضمائرنا فطرية نقية. كانت كل معاملاتنا قبل الكهرباء يدوية، وكل معلوماتنا في سجلات مكتوبة، لا أحد يسطو عليها، ولا يستطيع أحد تزويرها، لأن المسئول عنها واحد، والمكان الذي تحفظ فيه واحد، يدخله أشخاص معروفون. كنا قبل الكهرباء مرتاحي البال والأعصاب، لم نعرف أمراض السكر، ولا الضغط، ولا النوبات القلبية، لأننا لم نكن نشاهد ضحايا الحروب الظالمة، ولا الكوارث الطبيعية التي تصيب أنحاء العالم، لم نكن نعاني من التلوث السمعي والبصري بسبب الأخبار السيئة والأفكار الغريبة، كنا نكتفي بأخبارنا نحن فيما بيننا، ونعرف بعض الأخبار الأخرى النادرة التي تأتينا سماعاً بين الوقت والآخر. وحينما جاءت الكهرباء ودخلت حياتنا؛ نشطت هي، وجمدتنا نحن، بعكس شعوب العالم، لم نستغلها لزيادة إنتاجنا، ولتقدمنا؛ بل صارت سبباً لاتكالنا ولامبالاتنا وكسلنا وجمودنا، بسبب الكهرباء ضعفت أبصارنا وترهلت أجسامنا، وتميعت قيمنا، وضعفت ذاكراتنا، وفقدنا السيطرة على أنفسنا، وعلى أبنائنا، وعلى مشاعرنا. وبسببها ساءت علاقاتنا الأسرية، فلم نعد نطيق الحوار فيما بيننا؛ لأننا لا نملك الوقت للحديث مع بعضنا بسبب تحنطنا أمام التلفاز أو الحاسوب أو "البليستيشن" حتى ونحن في مكان واحد. وبسبب الكهرباء تباعد الجيران والأصدقاء عن بعضهم، وأصبحت كل أسرة مستغنية عن المجتمع والناس وعن الحياة الاجتماعية بجهاز ليس له علاقة بواقعها، ونشطت العلاقات الالكترونية وصداقات الإنترنت والتلفونات؛ صداقات نصفها مزيف والنصف الآخر خالٍ من الأحاسيس الإنسانية.. فلماذا نستمتع بعبوديتنا للكهرباء مع أن حياتنا كانت جميلة بلا كهرباء؟!. الإجابة المؤكدة هي أننا لن نستطيع أن نتحرر من الكهرباء؛ فقد استعبدتنا الكهرباء، وصرنا نطالب باستمرار هذه العبودية، لأن حياتنا لم تعد بسيطة كما كانت، ولن نستطيع أن نعود لما قبل الكهرباء؛ لأن كل شيء من حولنا مكهرب، ومحوسب حتى مواليدنا ووفياتنا محوسبة، وانتماؤنا إلى بلدنا لا يمكن إثباته إلا بالرجوع إلى الحاسوب، وقراءاتنا ودراساتنا محوسبة، وأعمالنا محوسبة، وعلاقاتنا محوسبة، وحتى شكاوانا مما نعانيه محوسبة!!. لا نستطيع التحرر من الكهرباء؛ لأننا نعيش ضمن هذا العالم الحديث "عالم الكهرباء" ولا نستطيع أن نتعامل مع هذا العالم، ولا نندمج فيه أو نواكبه دون كهرباء؛ فالكهرباء مكنتنا من بناء المدن والمستشفيات والمدارس والبنوك والجامعات، وعرفنا عن طريقها الصناعات الحديثة، والأثاث الفاخر والموديلات العالمية للسلع بدءاً من الطائرات إلى السيارات والملابس الجاهزة، والأكلات السريعة. الكهرباء صارت ضرورة مثل الماء والهواء لحياتنا، وحتى يشعر المسئولون بهذه الضرورة؛ أرى أن تشن الدولة حملة على كل المنازل المنارة ب «المواطير» حتى يتحرك المسئولون لحل مشكلة الكهرباء، فاستمرار تجارة البدائل هو السبب الأول لاستمرار مشكلة الكهرباء!!.