هل التعددية السياسية تسبق الوعي، أم أن الوعي هو الذي ينبغي أن يسبق التعددية السياسية؟!. وللإجابة عن هذا السؤال أرى أن على المؤسسات العلمية والأكاديمية من جامعات ومراكز دراسات وأبحاث علمية ومعاهد وكليات أن تتحمل المسئولية الكاملة في إشباع مثل هذه المواضيع بحثاً وتحليلاً واستنتاجاً. وإلا فما فائدة مثل هذه المؤسسات إذا لم تقم بتقديم النافع والمفيد من الدراسات العلمية، وتعمل على تعميم ونشر نتائج الأبحاث لكي تقوم الجهات المعنية بتطبيق ما يخصها من هذه النتائج من أجل الإسهام في عملية البناء والتنمية. إن الإجابة عن السؤال أعلاه تعتمد على المنهجية العلمية التي ينبغي أن يقدمها الباحثون الموضوعيون الذين لا يتناولون موضعاً ويخضعونه للبحث العلمي إلا لأن هذا الموضوع يتطلبه المجتمع وفي أمس الحاجة إلى إخضاعه للدراسة العلمية. بمعنى أكثر تحديداً، إن موضوع البحث ينبغي أن يؤرق الباحث ويشغل حيزاً كبيراً من فكره؛ ويصبح لديه مجموعة من التساؤلات حول الموضوع بحاجة إلى أجوبة علمية يستطيع الباحث من خلالها تقديم المفيد والنافع للمجتمع. وإذا كنت قد طرحت السؤال أعلاه رغم بديهية الإجابة عنه، إلا أنني أهدف إلى إثارة أسئلة علمية أخرى حول الموضوع، وهي مستوحاة من واقع التجربة السياسية المعاشة، ومنها: هل الأحزاب والتنظيمات السياسية في بلادنا تتمتع بقدر عالٍ من الوعي والإدراك؟. وهل تعتمد على دراسة الواقع بموضوعية، وتتخذ قراراتها على أساس من تلك الدراسة؟. وهل تدرك هذه الأحزاب الآثار - أياً كانت لقراراتها؟. وهل وضعت هذه الأحزاب جملة من البدائل العلمية لمواجهة الآثار السلبية؟. إن المتتبع لمسار المشهد السياسي للأحزاب والتنظيمات السياسية في ساحة الفعل السياسي سيجد أن هذه الأحزاب تتخبط في سياساتها. ولا توجد حالة من الاتزان والمرونة؛ بقدر ما تجد حالة من الهوس وعدم الالتزام، الأمر الذي يجعل المتابع يدرك أن الأزمة التي تعانيها هذه الأحزاب هي أزمة وعي وإدراك. ولأن هذه الأزمة قد تغلغلت في تلك الأحزاب؛ فإنها إلى جانب ذلك قد خلقت أزمة ثقة بين هذه الأحزاب، وهو ما يجعلنا نكرر الدعوة لهذه الأحزاب أن تتصالح مع نفسها. وأن تعي وتدرك المتغيرات والمستجدات لتتمكن من المشاركة السياسية الفاعلة، وهو ما نأمله من كل القوى السياسية بإذن الله.