سوء التشخيص ليس ظاهرة غريبة أو جديدة، قد يكون في بعض نواحيه ظاهرة بشرية , وربما عالمية, لكن أن يغدو سوء التشخيص عادة يومية ترافقنا في جميع مظاهر حياتنا , حتى ألفنا التعايش معها وممارسة غير مستهجنة أو مستقبحة من المجتمع , فهذه ربما تبقى ظاهرة يمنية بامتياز لايشترك معنا فيها أحد .. أما لماذا؟ فلأننا نلحظ هذه الظاهرة في كافة مجالات حياتنا وفي جميع أحوالنا الخاصة والعامة دون أن يصدر عنا رد فعل يمنع تكرارها ويحاسب مرتكبيها. ففي مجال السياسة لن يجد القارىء صعوبة في ملاحظة بعض الخطابات والكتابات التي يلازمها سوء التشخيص للمشهد السياسي الوطني ,لأنها تحاول تشخيص الأوضاع في مجتمعنا بانتقائية غريبة ,فتبحث عن السلبيات وتغفل الإيجابيات, تضخم الأولى وتقزّم الثانية وتقرأ الحدث أو الأحداث من زاوية أحادية ضيقة الأفق ,بدلاً من أن تقف على مسافة قريبة أو بعيدة منه لتراه من عدة زوايا ,أو من منظور الآخر ,ويبدو أنها لاتجد راحة أو سلوى إلا في تقليب المواجع و إثارة مشاعر السخط والغضب وعدم الرضا عن كل مايدور في ساحتنا السياسية ,دون أن تكلف نفسها عناء معرفة حقيقة الأمر ,وتقليبه على جميع جوانبه ,ودراسة كل ما له علاقة بحدوثه ,أو معرفة دورها في حدوثه أو في منعه وليصدق عليها قول الشاعر: وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي لك المساويا لكن ربما قد لا يكون الخطأ في التشخيص لآفات المجتمع أو مشاكله وأزماته السياسية والاجتماعية مهما كانت فداحته خطيراً بالقدر الذي نتخيله لأنه يبقى أحد التي يمكن الأخذ بها أو بغيرها وهذه سنة الخلق في الاختلاف والتباين، لكن شرط أن يبقى هذا التشخيص مجرد رأي يحتمل الخطأ والصواب وألا تلجأ هذه الأطراف إلى فرض رأيها على الآخرين كأنه حقيقة كاملة ومطلقة .. أما الأمر الذي لايجب السكوت عليه فهو يتعلق بما يحدث يومياً من اهمال وأخطاء نتيجة سوء التشخيص في مجال الطب والصحة العامة في مجتمعنا سواء في المؤسسات الصحية العامة أو في الخاصة ,وهي القضية التي يفترض أن ننظر إليها بطريقة مغايرة ومختلفة ,بالنظر إلى تفاقم الوضع وتزايد أعداد الضحايا وحالات الموت المفاجئ نتيجة سوء التشخيص وتأخر وصف العلاج المناسب أو الخطأ في وصف أدوية دون معرفة المضاعفات المميتة التي قد تودي بحياة الإنسان ,دون أن يتدخل القضاء أو جهات الاختصاص لردع مرتكبي هذه الجريمة القاتلة, واتخاذ التدابير القانونية والقضائية التي من شأنها إيقاف مسلسل الأخطاء البشرية المتزايدة. ونحن هنا أمام قصة طويلة ابطالها يدعون أنهم بشر يعيشون بيننا لكنهم تجردوا من كل احساس بشري أو شعور بالذنب أو الندم , أو حتى الاعتراف بالخطأ , وضحاياها كثر، بعضهم فقدناه لأنه فارق الحياة ومات نتيجة هذا الخطأ الفادح , وبعضهم يصارع آلامه ويتعايش مع أوجاعه ويحتسب أجره عند الله وبعضهم الآخر وهم قلة كان أوفر حظاً لانه تمكن من السفر خارج الحدود ليلقى عناية طبية ورعاية لم يلقها في الداخل ,لانه لم يجد الطبيب القادر على تشخيص مرضه. تصوروا أن يدخل مريض أو مريضة إلى المستشفى ويمكث فيها بضعة اسابيع يخضع خلالها لعمليات عديدة ثم يكتشف أقاربه بعد فوات الأوان انه كان ضحية سوء تشخيص وأن العمليات التي أجريت له لم تنفع في ايقاف المرض ليفارق الحياة ,لكن بعد أن تتحمل أسرته اعباء فقدانه وتكاليف العمليات والعلاج ,ومعها نفقات المستشفى الخاص وايجار الغرفة ,وأعجب من هذا لايتم الافراج عن الجثمان إلا بعد اداء جميع المبالغ لإدارة المستشفى ,مع انه في بلدان أخرى يمكن لأسرة المريض الحصول على تعويضات مالية كبيرة إذا اتضح للقضاء أن الموت كان نتيجة سوء التشخيص. وآخر يلجأ إلى عدد كبير من الأطباء لأنه لم يعد يثق في ما يقال له وفي كل مرة يكشف له الطبيب عن مرض جديد لم يكن قد اكتشفه الطبيب الأول وفي كل مرة يضطر إلى شراء اكياس من الأدوية , ليكتشف في نهاية المطاف انه أصيب بتليف في الكبد بسبب بعض الوصفات الطبية الخاطئة ,ويموت نتيجة سوء التشخيص وثالث يذهب لعمل بعض الفحوصات العادية الدورية ليكتشف أن لديه مرضاً خطيراً وبعد فحوصات هنا وهناك يكتشف أن عامل المختبر اخطأ في التشخيص, وأنه ليس مصاباً بشيء ,لكن بعد أن أمضى اياماً وشهوراً في قلق وفزع شديدين كادت تودي بحياته، ومريضة تمكث في المستشفى عدة أيام ,في غيبوبة بعد اصابتها بجلطة ثم يكتشف أهلها انها ماتت نتيجة نزيف دماغي لم يكتشف بالرغم من عمل الفحوص والكشافات المطلوبة ,والسبب أيضاً سوء التشخيص. والقائمة طويلة جداً , من ضحايا سوء التشخيص وأخطاء الأطباء واعتقد ان كل قارىء يعرف واحداً أو أكثر ممن تتشابه أو تختلف حالته مع ما ذكرت.. وليت الجميع يرفع صوته لإيقاف مسلسل سوء التشخيص والعبث بأرواح الناس في مؤسسات يفترض فيها انها الملاذ الأخير لكل مريض لا أن تكون المحطة الأخيرة لقطار حياتنا نتيجة خطأ وسوء تشخيص. عميد كلية التجارة والعلوم الإدارية بجامعة إب