سافر طالب جامعي يدرس بإحدى جامعات أوروبا الشرقية على متن سفينة خشبية من مسقط رأسه بحضرموت الساحل قاصداً (عدن) ليعود عبرها إلى جامعته ,كانت الريح دبوراً والبحر هادئاً فقصد صاحبنا ربان السفينة (الناخوذا) منتشياً مرتاح البال، ووقف أمامه يحادثه وسأله : هل تفهم ياعم ماهي الأيديولوجيا؟! فأجابه قائلاً: لا يا ولدي، فأضاف الطالب في زهو: وهل تفهم السيكيولوجيا؟ والبيولوجيا , فهز الربان رأسه بالنفي، فقال له الطالب ساخراً منه: للأسف ياعمي إن نصف عمرك راح هباءً ,فرد عليه الربان في أسى: قسمة ونصيب يا ولدي, والعبرة في التالية. وفي عرض البحر هبت عاصفة أعقبتها أمطار غزيرة وشارفت معها السفينة على الغرق، فتذكر الربان صاحبنا الطالب وبحث عنه فوجده في مقدمة السفينة خائفاً يرتعش فربت على ظهره مهدئاً خوفه وسأله قائلاً: هل تعرف يا بني السبحلوجيا؟! فرد الطالب : لا .. فأجابه الربان إذاً عمرك كله ضاع يا بني ولكن لا تخف فالله معنا. تعلمنا هذه الطرفة الحكيمة أن العبرة ليست في حمل الشهادات الأكاديمية وحدها لقيادة المجتمع وتسيير أمور الناس وحل مشكلاتهم من دون أن يصاحبها تجربة وخبرة حياتية، إذ ليس كل من حمل شهادة جامعية يرى في نفسه الأحق بتسنم المناصب القيادية من دون خوض معترك الحياة ليكتسب خبرة وتجربة ودراية تؤهله لذلك. ولأن الشيء بالشيء يذكر، فقد لامسنا من تجربة قيادات المجالس المحلية السابقة ملامح العجز والارتباك لدى بعض من تصدوا لتحمل هذه المناصب بدوافع شهاداتهم الجامعية, وكانت محصلة ذلك مريرة ومخيبة للآمال، إذ لم تشفع لهم شهاداتهم في ظل حداثة تجاربهم وخبراتهم التي صدموا بها عند ممارستهم العملية لقيادة هذه المجالس ,إن لم نقل قيادة المجتمع. وبما أننا على أعتاب انتخابات داخلية جديدة للأمناء العامين للمجالس المحلية بالمحافظات ولجانها القيادية في الخامس من مايو المقبل, فإننا نجدها فرصة مواتية للتذكير بأن المقياس الحقيقي والمعيار الصحيح لانتخاب هذه القيادات الجديدة لاينبغي أن يرتكز وحده على كل أكاديمي حديث العهد بتجارب الحياة ,بل علينا أن نصحح هذه النظرة ونلتفت إلى الخبرة والتجربة أولاً ثم الشهادة الأكاديمية ثانياً. وإذا اجتمع المؤهل الجامعي والخبرة الحياتية معاً في شخص المرشح، فهذا هو الشخص الجدير بانتخابه, والاطمئنان إلى أدائه.. وقديماً قالوا: «اسأل مجرب ولا تسأل حكيم».. قال الشاعر: إذا نصبوا للقول قالوا فأحسنوا ولكن حسن القول خالفه الفعلُ وذموا لنا الدنيا وهم يرصعونها أفاويق حتى ما يدُرُّ لها ثِعل ابن همام السلولي [email protected]