الحالة العربية الراهنة ليست بحاجة إلى تشخيص لأنها واضحة المعالم من حيث الضعف والركاكة المقرونة بقدر كبير من المقدمات المادية والتاريخية والجيوسياسية، لكنها حالة تستبدل كل أفضليات التطور والنماء المتوازن ليحل محلها المزيد من الاحتقانات والخيبات، وليتحول الشارع العربي إلى جحافل من المظلومين القابلين للتماهي مع كل الخيارات السلبية رداً على واقع الحال. ابتكرت الدبلوماسية الأمريكية قبل حين ما أسمته خارطة الطريق، وهنا سأستعير المفهوم لأضع مخططاً افتراضياً بوصفه خارطة طريق لخروج العرب من الحالة الراهنة، لكن هذا المخطط ليس مقبولاً أساساً من قبل جل الأنظمة العربية، ولهذا السبب سيتحول في المدى المنظور إلى طوباوية للحلم والتمني، إلا إذا حدثت معجزة وجاء التاريخ بمفاجأته الماكرة، وانقلب سحر الأنظمة عليها، كما يرينا التاريخ في أكثر تجلياته المأساوية والملهاوية. خارطة الطريق الافتراضية للخروج من شرنقة البؤس العربي نابعة من تشخيص الحالمة القائمة التي تعبر عن نفسها دون كبير جهد، كما أن الخارطة ليست غريبة على الأدبيات والممارسات السياسية الإنسانية السوية، لكنها مازالت غريبة على الزمن العربي، بعيدة عنه بعد الثرى عن الثريا، لكننا وبالرغم من ذلك سنتجشم عناء القول حتى مع شعورنا بأن هذا الكلام لن يجد رجع صدى إيجابي لدى القائمين على أمر الحكم والحكومات العربية. تتلخص الخارطة الافتراضية في نقاط بسيطة نوجزها دون شرح أو تفصيل ليقيننا بأن كل عربي يدرك أبعادها ومغزاها، وعليه نلخص الخارطة في ما يلي: اعتماد المكاشفة والشفافية في مؤسسات الدولة والتخلي التام العام والشامل عن فقه المحاسبة بالاختيار، والمتنافي عملياً مع القوانين المسطورة في طول وعرض العالم العربي. الاعتراف بالمواطنة بوصفها معيار الهوية، والدالة الكبرى للتشارك في الحقوق والواجبات، وهذا يعني التخلي عن المراتبية غير المعلنة التي تجعل المواطنة كلاماً لا أصل له في الواقع. إعادة النظر في قوانين الأحوال الشخصية التي تستبعد إجرائياً كل من كان خارج مربع العشيرة (الوطنية) وهذا يتطلب افراد (القانون الدولي الخاص) في العالم العربي بوصفه القانون المنظم للتصادم بين القوانين المحلية والدولية، مما يدرك أبعاده فقهاء القانون الدولي. احترام المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي وقعنا عليه دون أن نؤمن التشريع الداخلي ليواكب مثل تلك الالتزامات والاستحقاقات. اعتبار الذمة المالية والإدارية لأجهزة الدولة قرينة الوظيفة العامة والمسؤولية الشخصية. يتساوى في ذلك الوزير والخفير، واستتباعاً لذلك، لا حصانة لمن يتولى المسؤولية العامة إن تجاوز مرئيات القوانين المنظورة. التبادل السلمي للسلطة في الأنظمة التي تسمي نفسها (جمهوريات) وهي مازالت تستجر فقه الحاكميات التاريخية غير المبررة، والبعيدة عن القاموس السياسي والممارسي للجمهوريات بعد السماء عن الأرض. تطوير الحاكميات السلطانية التاريخية باتجاه ملكيات وسلطنات وإمارات دستورية لا يختلط فيها الحكم بالإدارة والتسيير كما هو الحال في النماذج الإنسانية المتطورة، ابتداءً من ماليزيا، وحتى بريطانيا وإسبانيا. العمل على الفصل الإجرائي بين الدين والدولة باتجاه العلمنة، مايعني احترام المقدس الديني، وعدم تدنيسه بالآني والسياسي كما يحدث في العالم العربي. اليقين الثابت بأن حرية المجتمع لا تتجزأ، فالحريات يتساوى في نيلها الجميع نساء ورجالاً، أقليات وأغلبية، حكاماً ومحكومين. هذه الخارطة الافتراضية تحاول ملامسة المحنة الحقيقة في العالم العربي، وهي إلى ذلك تعبير عن خيار لا مفر منه، فإما أن نباشره بوعي وتسليم حقيقيين، وإما أن يحكم علينا التاريخ حكمه الذي لا مرد له.