يعتقد الخبراء الروس بأن كامل التصرفات الأمريكية التي جاءت إثر المتاعب السوفيتية والروسية اللاحقة إنما تنم عن رغبة في الإجهاز على مقدرات روسيا وعلاقاتها التقليدية ومكانتها العالمية، ومن هذا الباب يراقبون سلسلة التصرفات الأمريكية العدوانية. ومنها مثالاً لا حصراً : التوسيع القسري والمتسارع لحلف شمال الأطلسي باتجاه متاخمة روسيا ونصب الصواريخ على مرمى حجر من حدودها. التدخلات المباشرة وغير المباشرة في شؤون البلدان المجاورة لروسيا, وخاصة ذات العلاقات الخاصة مع روسيا مثل اوكرانيا , مولدوفا , لاتفيا , ليتوانيا، جورجيا .. الخ. في مثل هذه الأحوال كيف لا يمكننا توقع عودة شكل ما من أشكال الحرب الباردة؟ وكيف يمكن قراءة الحراك المتجدد في التنسيق الروسي - الصيني بوصفه استباقاً استراتيجياً للتغوّل الأمريكي الواضح, ورفضاً ضمنياً للسياسات الراهنة سواء في العراق أو أفغانستان . من الواضح الآن أن الإدارة الأمريكية تواجه تحديات الكبار قبل الصغار, فيما تتخذ هذه المواجهة طابعاً عسيراً, لأن التوقيت العالمي في رفض التفلُّت الأمريكي يأتي في الوقت القاتل للإدارة الأمريكية, فالحالة العراقية غائمة برغم تشكيل حكومة التوافق الملغومة, والوضع في أفغانستان أبعد ما يكون عن الهدوء والسويّة, والترتيبات الإقليمية لبلدان العمق الآسيوي الأكبر«الهند واندونيسيا» لا تميل لكفة الجنون الأمريكي المنفلت من عقاله . الصينيون مابرحوا يطالبون بعالم متعدد الأقطاب, ولا يسمحون بالتخلي التام عن كوريا الشمالية, والأوروبيون يتململون تجاه سياسات المبادآت الاستراتيجية المُهلكة , والروس يتحركون قُدماً باتجاه إعادة مجد القوة الكاسحة المرعبة . في مثل هذه الأحوال هل يمكن للإدارة الأمريكية تمرير مخططاتها لمجرد أنها تواجه الصغار في أفغانستانوالعراق, وتعمل على محاصرة الإرادة الفلسطينية بالترغيب والترهيب المكشوفين, وتهدد الأنظمة «المتمردة» بالويل والثبور وعظائم الأمور؟ أيام العام الجديد كفيلة بالاجابة عن هذه الأسئلة القلقة, كما أنها في ذات الوقت ستقدم بياناً لمواقف الكبار, خاصة بعد أن خرج الكلام من تجاويف الصمت المديد, وتحركت الأقلام باتجاه التمهيد لروسيا التوّاقة لتجديد المقارعة الاستراتيجية، والصين المُبحرة صوب مجد مجيد، وأوروبا الحائرة حد الثمالة . [email protected]