من الجميل أن تكون ديارنا عامرة بالمسرات, ويجتمع زوج وزوجة على الحلال الطيب, وتقوى أواصر المجتمع, وتقل نسبة العزوبية والعنوسة, وإلى هنا والأمر لا يحمل علامات استفهام, ولايحتاج للتفكير, فهذا إشهار أوجبه الدين ورغب إليه الشرع, لكن الذي يحدث هو تشهير وليس إشهاراً؛ لأنه ابتعد عن القصد إلى الممنوع وتجاوز المرغوب إلى غير المشروع وأسرف في إعطاء الفائدة إلى الغث من القول والعمل. فمكبرات الصوت التي تبدأ بالعمل قبل الزفاف بأسابيع منذ السابعة صباحاً وحتى الحادية عشرة مساءً ويزيد, أصبحت عادة قذرة دخيلة على مجتمع محافظ يعلم تماماً حدود مايقول ومايفعل, أم أن أقوالنا وأفعالنا صارت تنافي مجتمعنا تماماً؟!.. لايحتمل عاقل أن يسمع تلك الأغاني الهابطة المستوى, والتي ليس لها صلة بمناسبة الزفاف, لايحتمل أن تستمر حتى في ساعة الأذان دون أن تهتز غيرته على دينه أو أعراض المسلمين, التي تخدشها تلك الكلمات المتجافية عن مضاجع العفة والكرامة, والمشكلة أنني سمعت مؤخراً من يعترض بشدة على ارتفاع صوت القرآن الكريم من مآذن المساجد يوم الجمعة من كل أسبوع, ويسمي ذلك إزعاجاً للناس, بينما لا يتحدث أحد عن فوضى الأعراس وإزعاجها للآخرين, بالرغم من الفرق الحسي والمعنوي الشاسع بين صوت القرآن وصوت تلك الأغاني الهابطة إلى أدنى درجات الذوق. وحتى المفرقعات المستخدمة أثناء زفة الفرح تتنافى تماماً مع قواعد السلامة, وتدل بوضوح على هوة كبيرة جداً في تطبيق بعض القوانين الخاصة بهذه المناسبات, حيث من المفترض التعاون لإرساء قواعد الأمن والأمان بين الأجهزة الحكومية والمواطنين, لكن الذي يحدث أن البعض يُمنع من استخدام المفرقعات, والبعض الآخر يُسمح له باستخدامها وفق بروتوكولات قبلية ساذجة لا تضع مصلحة الناس في المرتبة الأولى, ومن الجيد أن نجد من يحاول تطبيق القانون على الجميع, وأولئك هم الذين تسير دماء الوطنية في عروقهم, وهم الذين يؤدون عملهم بإخلاصٍ كامل إحساساً منهم بالمسئولية ووقوفاً عند حد الشرف المهني, وقبل هذا وذاك يطبقون مبادىء دينهم الذي يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر, وهنا مربط الفرس حيث إن الغالبية من الناس لا يرون فيما يفعلون منكراً ولا يشعرون أن في نصيحة الآخرين لهم أمراً بالمعروف, ومن هنا يأتي هذا التساهل في الإساءة للآخرين وعدم مراعاة حقهم على النفس وحق النفس على الشخص نفسه في إبعادها عن النار وتقريبها من الجنة وتطهيرها من كل مايدنس إنسانيتها. وفي هذا المقام نعود لمسألة احترام الجار وعدم إزعاجه ومراعاة أحزانه, التي يهيجها احتفال الآخرين بأفراحهم, ولعل من الفخامة والذوق الرفيع والأدب الجمِّ أن يكون للإنسان قلبٌ يستطيع الإحساس بما تخفيه عيون الآخرين من حزنٍ, وهم يرقصون على أنغام الفرح ابتهاجاً لبهجته وفرحاً لفرحته, ولو أن الحياة تسيرُ هكذا لما شعر الآخرون بالحسرات تملأ زفرات صدورهم, وهم يعيشون أسرى لآلامهم بينما يحتفل سواهم من الجيران بأفراحهم وبصورة صاخبة تتحدى نوبات القدر النائمة بين السماء والأرض وكأنهم يجاهرون بالقول: “لايصيبنا مايصيب الناس”. لاتحسبوا أن ميلي بينكم طرباً فالطيرُ يرقصُ مذبوحاً من الألم.