منذ سنوات قلائل دخلنا الألفية الثالثة بكل الانفجار المعرفي المعروف وفي أول سنوات تلك الألفية اُتهم المسلمون بأنهم وراء تفجيرات سبتمبر 2001 م التي حدثت في نيويورك وما سبقتها وتلتها من تفجيرات شملت العواصم العالمية والعربية على حد سواء .. كل هذه المعطيات أليس المفروض أن تفرز هزة للجسد الإسلامي العتيق دافعة له ليغيّر من ثوب خطابه الديني المكرر منذ زمن بعيد ؟! فرغم الألف والأربعمائة العام التي مرت من عمر الإسلام فالمسلمون مازالوا يقلدون نفس ذلك الخطاب الرتيب لأنفسهم وللعالمين متكئين على ما خلّفه علماء القرون الخوالي من (فكر) مستمد من نصوص هذا الدين .. ولأننا امة تجتر تاريخها دائما فما زلنا نجتر ذلك (الفكر) في ( ببغائية مفرطة) دون أن ننظر حولنا وندرك أن العالم يتغير في كل لحظة؟! الطواف المقدّس إن طوافنا المستمر حول كتب تمثل (فكرًا) دينيا دون أن نميل عنها قيد انملة كبّل هذا العقل وجعله لا يغادر بوتقة ذلك الفقه القائم على اعتبارات لا تخضع لأي نوع من المراجعة .. مثل أن النساء ناقصات عقل ودين وميراث وأن شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل في كل شيء ناهيك عن المحرمات التي ملأت كتباً تباع على الارصفة من تحريم حلق اللحية إلى حرمة الغناء إلى..إلى.. اقول: نعم للفقه الرصين الناصع المستمد من نص قرآني او حديث صحيح – من أي كتاب حديث كان- لا غبار على ذلك لكن الطواف حول (افكار) علمائنا السابقين – رحمهم الله- دون أي محاولة لمراجعة ذلك (الفكر) واعتباره( دينا) هذا هو الغلط كل الغلط.. دعوة للمراجعة لا اقل ولا اكثر .. ما ادري لماذا يرتجف فقهاؤنا خوفا من المراجعة أليسوا واثقين لما بين يديهم من فقه؟ ولنا في الإمام الشافعي – رحمه الله- القدوة الحسنة فقد راجع فقه القديم في العراق بفقه الجديد في مصر فما بالنا لا نراجع (فكرا) صنعه علماء لهم ظروف وملابسات قد تشابه او تخالف ظروفنا مع المحافظة على ثوابت الدين ومعتقداته- لامساس بها – لكن المتغيرات قابلة للأخذ والرد والتأويل على منهج علمي سليم .. لماذا الجمود؟ العثرات دعوني أقدّم بعضا من هذه الإشكاليات أمام خطابنا المعاصر (ولا أعتقد معاصرته إلا في الزمن فقط): الخلط بين ما هو من الدين وما هو من العادة العربية إذ إن العادة العربية مخصوص بها العرب دون غيرهم لكن الإسلام رسالة للإنسانية كلها, فهل على المسلمين –مثلاً- من سكان الاسكيمو الباردة ان يلبسوا البياض ليكونوا مسلمين لأن الرسول حض على لبس البياض؟ يجب التفرقة بين العادة والعبادة حتى لا نجبر الناس على العمل بعادات على انها عبادات بل قد نبالغ إلى حد (تجريم) مخالف هذه العادة ؟! ولعل مسألة النقاب – وليس الحجاب – واحدة من تلك المسائل ؟! • التاريخ ليس دينا ولا مقدّسا بل صنعه بشر وكتبه بشر وأوصله إلينا بشر أيضاً فما بالنا أقمنا عبادات لروايات تاريخ غير موثوقة ومن اجلها خاصمنا وقاطعنا وكفّرنا أيضا؟ أليس الخلاف السني الشيعي هو أحد إفرازات تعاملنا مع التاريخ؟ الإسلام ليس ملكا للعرب ولا للعجم بل هو دعوة الله للناس اجمعين في كل العصور والامكنة فما بالنا جعلنا هذا الدين متقوقعا علينا وكأنما هو ملكية خاصة؟! تقديس الاشخاص – خلاف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) – وجعلهم رسلاً وجعل أعمالهم دينا لا رجعة عنه وجعلهم فوق مستوى البشر خطأ يضر بهم وبنا .. فالصحابة وآل البيت - رضي الله عنهم اجمعين – بشر يجري عليهم ما يجري على البشر من خطأ وصواب ونسيان ...الخ فلماذا دعوى (العصمة) التي تتبجح بها فرقنا اليوم وبسببها افترقنا؟ الذي ينادون بالحوار مع الآخر- من غير ديننا – أقول هل تحاورنا مع أهل ملتنا – من غير مذهبنا – أصلا لكي نتحاور مع الآخر؟ وهل تحاورت فرقنا ذات المذهب المشترك أصلاً لنحاور المذهب المغاير؟ لماذا تدعوننا للخروج إلى الدائرة الكبرى ونحن لم نراوح نقطة الصفر؟. أي خطاب ديني لا يراعي العصر الحالي فلا يلوم المخاطبين إذا لم يتأثروا به .. كيف يريد علماؤنا الكرام من شباب ان يصغوا إليهم والعلماء مازالوا يخاطبونهم من فوق منبر القرون الخوالي, متناسين ان هذا الشباب في عصر الانترنت والسيار والقنوات الفضائية .. وهنا دعوني أسجل نقطة احترام للشيخ للدكتور يوسف القرضاوي صاحب أول موقع إسلامي على الانترنت (موقع إسلام أون لاين www.islamonline.net) المميز وكذلك للأخ احمد الشقيري في برنامجه الناجح (خواطر) حيث عرضت احدى حلقاته خطبة جمعة عصرية توجد في المسجد شاشة بلازماLCD تعرض نقاط الخطبة؟ الوسائل الحديثة كثيرة وتكسر الرتابة وتجعلنا في خضم العصر وليس خارجا عنه. الانغلاق على ماضينا التليد ليس حلا ولا للانقطاع عنه تماماً الحل ايضا لكن أخذ ذخيرة من الماضي لصناعة الحاضر المعاصر هو الحل وأعجبني في ذلك الداعية عمرو خالد لذي خطا في طريق الدعوة خطوتين متناسقتين, في الخطوة الأولى اخذ الذخيرة من الماضي التليد في برنامج (نلقى الأحبة) حتى إذا ما تأسس ذلك ذهب إلى حاضرنا المعاصر في برنامج (صنّاع الحياة ). أخيرا الله جعل الانسان خليفة على الارض ليعمروها أما ( الإغراق) في توجيه الناس إلى الآخرة باسم الدين والزهد في الدنيا ليس منهجا سليما إذ يجب ان نذهب إلى الآخرة بعمل صالح في الحياة الدنيا وليس الزهد هو العمل الصالح الوحيد في الدنيا فعمارة الدنيا على منهاج رب العالمين هو السبيل لحجز موقع متميز في الآخرة وليس ترك الدنيا ليعمرها غيرنا بحجة الزهد ؟! فالمسلمون خاملون اصلاً بدون دعاوى الزهد المزعوم ؟! فلا نزيد الطين بلة .. هذه نقاط أراها منطلقا لصناعة خطاب ديني مميز في القرن الحادي والعشرين هذا اذا اردنا ان نكون من اهل هذا الزمان وكذلك يكون ديننا .. والله أعلم.