أصيب ابن إحدى النساء في قدمه ما تطلب تنظيفاً طبياً (مجارحة)، وحين استفسرت هذه المرأة عن أحسن مكان تأخذ ابنها إليه نصحوها برجل ذكروا لها اسمه قائلين لها: ما إلك إلا .... ، المهم توكلت تلك المرأة على الله يدفعها حماس من وصفوها بذاك الممرض في ذاك المستشفى الحكومي والتي قد لمست بنفسها سابقاً مدى الإهمال لكل ما يتصل بكونه مستشفى، بل ويخرج من دائرة كونه مؤسسة صحية ويدخله في قائمة المؤسسات المدمرة للصحة. على مضض توجهت في صباح أحد الأيام إلى ذاك المستشفى الحكومي وبحثت وسألت عن المدعو .... حتى وجدته فعرضت عليه ابنها ثم كتب لها قائمة بالأدوية التي طلب منها إحضارها من خارج المستشفى، ولم تفهم شيئاً حين رأته يطلب من أحد المرضى أن يريها من أين تشتريه وأخذ يشرح لها مكان الصيدلية، وحين سألت: لماذا.. ألا توجد هنا أدوية؟ أجاب بالنفي وخرج بنفسه قائلاً: هناك صيدليتان اشتري من تلك (وأشار إليها بيده)، فذهبت المرأة وهي تعتقد أن الصيدلية تتبع المستشفى ولكنها ما أن وصلت إلى الصيدلية وبعد أن جهّز لها الصيدلي الأدوية قال لها الحساب: (2500) ريال، هنا صرخت مع أحد المرضى الذي قد كان سبقها لشراء الدواء لماذا ألا تتبع هذه الصيدلية المستشفى فقال: لا.. إنها خاصة، هنا سخرت المرأة من نفسها وأدركت أن ذاك الممرض إما شريك في الصيدلية أو أنها ملكية خاصة به لذا يحرص على توجيه المرضى إليها ولكن صدمتها كانت أكثر حين وجدت أن القائمة التي خرجت لشرائها كانت عبارة عن شاش ومطهر وقفاز ومشرط وحقنة مخدرة، أي أن ما خرجت لتشتريه هي الأدوات الطبية التي يجب أن يوفرها المستشفى للمريض.. هنا شعرت بالاستياء الشديد. وعادت إلى ذاك الممرض لتسأله كيف لا يوجد في المستشفى قطن وشاش وقفازات أجابها: اسألي الإدارة؟ ازداد استياء تلك المرأة حين شاهدت بأم عينيها أسلوب النصب على المواطن المسكين والمريض الذي تدفعه الظروف لتلقي العلاج في مستشفيات بعيدة في أدبياتها عن المفهوم الحقيقي للمستشفى وتحولت إلى سوق للبيع والشراء. فذاك الممرض كان يقوم بعمليه الختان للأطفال الصغار وشاهدت أن من يأتي ليختن ابنه يخرج للممرض ذاك (2000) ريال، فيقول له الممرض: «قليل»، وطبعاً على حسب المرافق إما يزيدها أو يحلف له أنه لا يملك سواها.. الأكثر مرارة أنه بعد أن يأخذ الألفين أو الثلاثة أو الأربعة الألف (حق الختان) يقول لوالد الطفل اعطِ هذا الرجل خمسمائة ريال، فالتفتت المرأة لترى شاباً يمسك بحقيبته ويجلس على طاولة وبيده دفتر سندات، فيقول المريض: «حق إيش»؟! فيقول له: حق السند وهو ضروري؟!! وكل هذه المسرحية تتم تحت مرأى ومسمع من حامل السندات أو المحصّل الذي يرقب كل شيء وهي حركة مفهومة، ال(500) لصندوق المستشفى والباقي بالنص بين الأطراف المتسترة على بعضها، المهم أنك حين تدخل أحد هذه المستشفيات تدرك أنك دخلت غابة مليئة بالوحوش يرتدون الجواكت البيضاء في إشارة إلى مفهوم سابق لملائكة الرحمة والسلام ولكنهم بعيدون كل البعد عنهم، المهم تلك المرأة أخذت تبحث عن المسئول عن المستشفى لتطلعه على الوضع لكنهم أخبروها بعدم وجوده. وفي ذات المستشفى ولكن عند طبيب آخر ذهبت إحدى النساء للعلاج الساعة (11) ظهراً وكاد الطبيب يكتب لها علاجاً سريعاً لينهي مهمته ويغادر وحين أصرت مرافقة المريضة على أن تجري الفحوصات اللازمة لتشخيص المرض قال الطبيب متذمراً : بس بسرعة الدوام سينتهي، قررت المرأة أن تأخذ مريضتها لإجراء الفحوصات فذهبت إلى المختبر في ذات المستشفى لتتفاجأ بعدم وجود الطبيب المختص فقط الممرضات، فتركت مريضتها وذهبت للبحث عنه ولكن الممرضات نصحنها أن تعمل الفحوصات خارجاً لأنها ستكون أسرع مما لو أجرتها في المستشفى، فذهبت لتجري الفحوصات خارجاً وفي حوش المستشفى استوقفها أحد الموظفين الشرفاء وأصر عليها أن تجري الفحوصات في الداخل ولا داعي للخروج، وحين عادت إلى المختبر وجدت الطبيب المعالج يستعجلها بإجراء الفحوصات لأنه يريد الخروج وقالت له المرأة: يادكتور الدوام ينتهي الساعة (12) والساعة الآن لاتزال (11:30) ولاتزال نصف ساعة متبقية على نهاية الدوام إلا أنه بدا مستاءً وكذا طبيب المختبر كان متذمراً من تأخيره عن الخروج فقررت عمل الفحوصات خارجاً والرضا بالعلاج العشوائي والسريع الذي كتبه لها سابقاً الطبيب المستعجل الذي ينتهي دوامه الساعة (11). تلك الحكايات ليست من كتاب ألف ليلة وليلة ولا من بلاد واق الواق مع الأسف الشديد كنت في إحداها البطلة أو بمعنى أصح الضحية وفي الأخرى كنت شاهد عيان وكانت بقية الأدوار لملائكة الرحمة، أما المكان فهو المستشفى الحكومي برداع الواقع (في باب المستشفى) وهو منطقه معروفة لكل أبناء رداع. هؤلاء تخلوا عن الرحمة وعن صفة الملائكة وتحولوا إلى وحوش ضارية تفتك بالمريض الذي فقد صحته ويفقد كرامته بمجرد الوصول إليها، والشيء المثير للسخرية هو حين علمت أن مدير المستشفى هو د.عمرو السماوي وبمجرد سماعي بالاسم تذكرت ذاك الرد الذي أنزله في صحيفة الثورة تعقيباً عن مقالي فيها بعنوان (الولادة مكلفة في رداع) تذكرت حينها عرفاني للصحيفة حين أدركت الحقيقة ونشرت توضيحاً في نهاية رده: ما أجمل الكلام وما أمر الواقع، وهو ما جعلني أترفع عن الرد واكتفيت بتوضيح الصحيفة، رغم أن المدير أكد أن كل ما ذكرته في مقالي غير صحيح ولكن هاهي الصورة تتكرر والمواقف تتشابه الشيء الوحيد الذي لايزال باقياً على حاله هو وضع المستشفيات الحكومية ومنها الموجود في رداع المنكوبة بمسئولين يجيدون فقط حق الرد ويحفظون كلمة (عملاً بقانون الصحافة) وينسون تماماً ذاك القسم الذي أقسموه وشرف المهنة الذي تعهدوا به ومبدأ الإنسانية والواجب والعمل بإخلاص. حقيقة شعرت بالأسى لكل مواطن تدفعه الظروف دفعاً ليدخل مثل هذه المستشفيات التي أعتبرها مكاناً مثالياً للتجارة وممارسة فنون البورصة وأساليب الاحتيال، وعدت إلى زميلاتي قائلة لهن: لا أدري أأشكركن على أنكن سمحتن لي بملامسة همٍّ من هموم الإنسان الكادح في مستشفى رداع أم أعاتبكن على نصيحتكن بمثل هذا الممرض الذي صار أشبه بالجابي أو المحصِّل والذي لا يحرص كثيراً على التعقيم في عمله رغم حساسية عمله.. وأحب هنا أن أوجه كلمة شكر للشرفاء من الموظفين ممن قلَّت لديهم الحيلة وضعفوا عن مواجهة هذا الفساد ويكفي أنهم أصحاب ضمائر حية.. وتحية لكل مخلص في عمله.