إن الدعوة إلى الحوار هي الدعوة إلى التلاقي الوطني والوحدة والتفاهم بين مختلف الفرقاء على مختلف القضايا المثارة على الساحة اليمنية بكل مكوناتها السياسية دون استبعاد أو إقصاء أو استغلال. إن دعوات الحوار - على مر الأزمنة في تاريخ اليمن الحديث - كانت قائمة أحياناً، تفلح وتنبع سلاماً وأحياناً تتعثر. لقد ظل الحوار هو الوسيلة الوحيدة لتجاوز المآزق والمواجهات والحروب التي عرفها اليمن في تاريخه الحديث وبالذات بعد قيام ثورة سبتمبر العظيمة. - لقد فشل مؤتمر حرض، رغم الضغوط التي مورست بالذات على الوفد الجمهوري برئاسة القاضي عبدالرحمن الإرياني والأستاذ أحمد محمد نعمان والشيخ محمد علي عثمان واللواء حمود الجايفي، والذين تمسكوا حتى آخر لحظة من انتهاء الحوار بالنظام الجمهوري، لقد عقد المؤتمر بين الجمهوريين والملكيين عبر الأسلاك الشائكة وبرعاية مصرية سعودية. وكما قلت: فقد رفض الوفد الجمهوري المساومة أو أي تسوية خارج النظام الجمهوري، ولم تخب آمال هذا الوفد؛ فقد كان ثمار الفشل العابر انتصار الثورة واعتراف المملكة العربية السعودية، بعد الفشل الذريع للحشد الملكي الذي ظن أنه قادر - بعد انسحاب القوات المصرية - على أن يحقق أحلامه بالعودة إلى صنعاء, وتحققت المصالحة الوطنية، وعاد السلام إلى ربوع الوطن. - في العام 1972م بعد المواجهة العسكرية بين شطري الوطن والتي نتج عنها اختراقات متبادلة، كانت العودة واللجوء إلى الحوار هو الوسيلة الناجعة والمخرج الأسلم لوضع حد لتلك المواجهة، ولعودة العلاقة الطبيعية بين شطري الوطن, وكان اتفاق القاهرة بين رئيسي وزراء البلدين الأستاذ محسن العيني والأستاذ علي ناصر محمد سابقاً لاجتماع طرابلس الذي ترأسه القاضي عبدالرحمن الإرياني وسالم ربيع علي برعاية العقيد القذافي، والذي توصل إليه الوفدان - من خلال الحوار - إلى اتفاقية طرابلس الشهيرة، والتي وضعت جدولاً زمنياً لإعادة توحيد اليمن. - وفي العام 1979م أثناء المواجهة بين شطري الوطن وانخراط ما كان يسمى بالجبهة الوطنية في تلك المواجهة، والتي كان لها آثارها الصاعقة على مختلف الصعد والتي أثارت قلقاً ودوياً في الأوساط الداخلية والخارجية، كان اللجوء إلى الحوار هو المخرج لعبور تلك الأزمة التي كانت غير عادية والخطر الذي كانت تمثله تلك المواجهة على مجمل الأوضاع في الساحة اليمنية؛ فشهدت قمة الكويت الحوارات التي قادها الأخوان الرئيسان علي عبدالله صالح والمرحوم عبدالفتاح إسماعيل برعاية الأمير جابر الأحمد الصباح للاتفاق على المضي في استكمال ومواصلة الحوار على الأسس والقواعد التي وضعتها اتفاقية طرابلس، بل والإسراع بإعادة وحدة الشطرين. - إن الحوار الوطني يشكل عبر مختلف المحطات والأزمات والمنعطفات الحادة الملاذ لتجاوز تلك الأزمات؛ ففي العام 1994م وقبيل نشوب الحرب وبعد أن بلغ التأزم والتشنج ذروته بين المؤتمر الشعبي والحزب الاشتراكي عُهد إلى لجنة الحوار الوطني - المشكلة من رؤساء وأمناء عموم الأحزاب - إجراء الحوار في مدينة عدن، وتوصلت هذه اللجنة - بعد جهد جهيد - إلى وثيقة العهد والاتفاق، والتي اتفق على توقيعها في مدينة عمان من قبل الأخوين الرئيسين علي عبدالله صالح ونائبه علي سالم البيض، وقد فشلت قبل أن يجف حبرها لأسباب معروفة وموثقة. أما عن الأزمة التي نشبت بعد تمدد رياح الربيع العربي ووصولها إلى اليمن وما رافقها من تطورات أهمها: انشقاق الفرقة الأولى وانضمامها إلى جموع المحتجين والمعتصمين بالساحة الرئيسية غربي صنعاء، وبرغم المساعي والجهود التي بذلت لاحتواء الخلاف بين الأخ الرئيس علي عبدالله صالح وقائد الفرقة الأولى مدرع الأخ علي محسن الأحمر، فقد باءت كلها بالفشل واتخذت التداعيات للأزمة وتفرعاتها أشكالاً مختلفة على امتداد الساحة اليمنية، وكان الشباب والرجال من كل الفئات العمرية وحتى النساء الذين ملأوا الساحات والميادين هم الوقود للثورة التي علا ضجيجها، والتي استغلت من قبل أكثر من طرف حتى طال التخريب مختلف مرافق الدولة، وعاش الناس في ظل الرعب والفزع وفي ظل انتشار المليشيات والجنود والقبائل المسلحين على مختلف الساحات والذين يتبعون الأطراف المتنازعة، وعندما بلغت الأزمة حدودها القصوى، وبعد فترة توجس وتربص وفر-اغ مخيف وقلق عم البلاد نتيجة لحادثة تفجير مسجد الرئاسة المشئوم حتى كاد ينهار كل شيء تسارعت الخطى من قبل القوى الإقليمية والدولية ودول الخليج العربي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة؛ وذلك لانتشال اليمن من الوقوع في الهاوية والانجرار إلى حرب تجلب الكوارث والويلات ليس على اليمن فحسب ولكن أضرارها قد تصيب محيطها والعالم، فكانت المبادرة الخليجية التي كانت تحظى بغطاء دولي، والتي لم تجد أرضاً سالكة في البداية، وكانت بين القبول وعدم القبول والأخذ والرد، ورغم الصعوبات والعوائق التي واجهت هذه المبادرة إلا أنها في النهاية - بعد المزيد من تعديل نصوصها وتجديد صياغتها تغليباً للمصلحة العامة - توفرت القناعة بقبولها وفق التعديلات التي تم إدخالها من قبل المؤتمر، وبذلك وجدت الطريق للقبول بها وتوقيعها من قبل كل الأطراف السياسية وفي أجواء – للأسف - لم تكن وفاقية بالمعنى الحرفي للكلمة وبالشكل الذي يتمناه اليمنيون، ومع ما رافق فترة التوقيع من تراشق وشد وجذب إلا أن الجميع التزم بتنفيذ البنود الأولى لتنفيذ تلك المبادرة وأهمها: التبادل السلمي والانتقال السلس للسلطة، وتشكيل حكومة الوفاق الوطني ونيلها الثقة من قبل مجلس النواب، وإجراء الانتخابات وعلى قاعدة الإجماع الوطني لمرشح التوافق الرئاسي عبدربه منصور هادي في الموعد المحدد 21/2/2012م، وهذا النجاح لايزال مدعاة للتفاؤل، رغم هبة القاعدة ورغم الاعتداءات غير المسبوقة على أفراد الحرس الجمهوري وأفراد الجيش. وفي ظل هذه الأجواء المعقدة التي نعيشها في ظل التضارب والتناقض المتعدد الأوجه نلحظ أن لا شغل للناس في مختلف منتدياتهم غير قضية الحوار الوطني متى وكيف يبدأ؟. هل سيكون الطريق المؤدي إلى بر الأمان أم سيكون محفوفاً بالمخاطر؛ بسبب إصرار البعض على تغليب مصلحته وتسخير الوفاق لغايته وأهدافه، وبين التشاؤم والتفاؤل الذي لايزال يطغى على المشهد اليمني حيال الحوار؟. ولاتزال نسبة التفاؤل في حدها المقبول. ولعل لقاء التشاور الذي انطلق من ألمانيا بين ممثلي مختلف القوى السياسية قد يكون المدخل الصحيح للانطلاق في عملية الحوار الواسعة التي تضم كل مكونات الشعب اليمني. ولابد من الاعتراف أن هناك صعوبات وعوائق وتمترساً خلف المواقف من قبل الفرقاء الأساسيين الذين تؤثر مواقفهم سلباً وإيجاباً على عملية الحوار، ولابد أن تمارس الضغوط على كل القوى التي تعرقل المضي في عملية الحوار وفق الشروط والقواعد المنصوص عليها في المبادرة الخليجية من قبل المعنيين في الداخل والخارج والقوى الحريصة على تجاوز الأزمة. إن على المتحاورين أن يرتفعوا إلى مستوى المسؤولية الوطنية، وأن تكون المصلحة الوطنية العليا هي التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار، ويأتي في مقدمة الخطوات الهامة الاتفاق على هدنة إعلامية تسبق البدء بالحوار، فلا تحاور مضمون النتائج في ظل التراشق الإعلامي والاتهامات المتبادلة والحرب الإعلامية المفتوحة. * عضو مجلس الشورى