توقع اليمنيون من “مؤتمر أصدقاء اليمن” الذي انعقد مؤخرا في عاصمة المملكة العربية السعودية الرياض الكثير لإخراج اليمن من مستنقع الأزمات، ولكن تلك التوقعات ذهبت أدراج الرياح .. لقد رصدت دول مجلس التعاون الخليجي للبحرين عشرين مليار دولار ولسلطنة عمان نفس المبلغ بهدف صد رياح ثورات الربيع العربي، فيما اليمن التي اجتاحتها رياح ثورات الربيع العربي لم تحصل إلا على مبلغ لا يساوي الخسائر الاقتصادية والاجتماعية التي كان النظام السابق سببا فيها ومنها توقيف تصدير النفط والغاز اليمني خلال عام 2011م والذي قدر خبراء أسعاره بمبلغ أربعة ونصف مليارات دولار .. ومن هنا فإن على اليمنيين قيادة وشعبا أن يستشعروا المسئولية تجاه بلدهم ويبحثوا عن طرق جديدة وفعالة لتنمية بلدهم وإخراجه من مستنقع الأزمات. إن الخراب الذي يعاني منه الاقتصاد اليمني هو حصيلة ثلاثة وثلاثين عاما من سوء الإدارة ، والجهل بأصول الإدارة السياسية والاقتصادية وضرب السلم الاجتماعي عبر إثارة العصبيات والحروب القبلية والمناطقية في وقت يمثل فيه السلم الاجتماعي شرطا مهما وجوهريا لتفجير الطاقات التنموية في المجتمع ،والاستفادة من الكوادر المؤهلة لقيادة التنمية، وما حدث هو أن التنمية أديرت بأدوات فاسدة وملوثة ، ساهمت في تشويه التنمية وتدمير الاقتصاد وأدت إلى انكفاء أو هجرة العقول الإدارية والاقتصادية ورؤوس الأموال الوطنية التي كانت قد بدأت في المساهمة بالتنمية وتنشيط الاقتصاد الوطني من خلال بناء الصناعات التحويلية ويمكن الإشارة إلى أهم الشروط والمقدمات الضرورية لبناء اقتصاد وطني مزدهر وهي : - أولا : لا بد من وجود استقرار سياسي قائم على عقد اجتماعي جديد ، يسمح بالتعددية السياسية والحزبية وحرية الفكر والصحافة ويؤكد حق الشعب في أن يحكم نفسه بنفسه على المستويين المحلي والمركزي ويفصل بين سلطات الدولة التي ينبغي أن تقوم على نظام اتحادي ( فيدرالي ) وتأكيدا على حقوق الشعب الديمقراطية في حكم نفسه بنفسه من اجل إطلاق طاقات الشعب والمجتمع التنموية وإيجاد تنافس بين الأقاليم بهدف زيادة الانتعاش الاقتصادي وبناء تنمية حقيقية وغير مشوهة .. وبدون الإدارة الاتحادية ، سنظل نضحك على أنفسنا .. إذ إن الإدارة المركزية تنحو منحى استبداديا وتقود إلى الاستغلال والاحتكار والاستئثار ، ثم التمييز القبلي والمناطقي وصناعة العصبيات وفي ظل مثل هذه الإدارة لا يمكن أن تتحقق تنمية اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية . - ثانيا : بناء جهاز إداري قوي وفعال للدولة يوظف القدرات والكفاءات القادرة على إدارة التنمية بمقاييس ومعايير علمية وأخلاقية وقانونية نزيهة وتطهير الجهاز الإداري للدولة من تركة الفساد الكبيرة التي أصبحت تلتهم كل مخصصات التنمية وتأهيل من لم يؤهلوا من أنصاف الأميين وغير المتخصصين في الجهاز الإداري ،بحيث لا يشكلون في المستقبل عوائق جديدة للتنمية ويدخل في هذا الإطار القضاء على الازدواج الوظيفي وإلغاء الأسماء الوهمية وإعادة النظر في المرتبات والموازنات التي يستلمها الأغنياء كالمشايخ وغيرهم وكذلك مرافقوهم بما في ذلك مصلحة شئون القبائل وإحالة من يستحق من المنتمين إلى هذه الفئات والجهات إلى شبكات الأمان الاجتماعي والقضاء على الفقر . - ثالثا : إعادة هيكلة المؤسستين الأمنية والعسكرية وإعادة بنائهما على أسس وطنية وإلغاء الصفة القضائية والمشائخية عنهما وتحويلهما إلى مؤسستين تساهمان في البناء والتنمية من خلال حماية السيادة والحفاظ على الأمن ، حيث يعد الأمن أحد الشروط الرئيسة للتنمية وإلغاء أسماء المجندين الوهميين وإعادة غربلة أسماء الشهداء المدنيين والعسكريين وإلغاء عشرات الآلاف من الأسماء الوهمية للشهداء العسكريين .. - رابعا : وضع سياسة استثمارية بآفاق جديدة تسمح بعودة رؤوس الأموال المحلية النازحة إلى الخارج والتي يقدر خبراء اقتصاديون أرصدتهم المالية بسبعين مليار دولار والسماح لرؤوس الأموال العربية والأجنبية بالدخول إلى اليمن وتفعيل مؤسسات دولة القانون بحيث يطمئن أصحاب رؤوس الأموال المحلية والعربية والأجنبية إلى الإجراءات الأمنية وسلامة الحماية لصاحب رأس المال المحلي قبل العربي والأجنبي وإلغاء نظام الامتيازات في الاستثمارات ومعاملة جميع المستثمرين اليمنيين بنفس المقاييس القائمة على المواطنة المتساوية . - خامسا : الاهتمام بالموارد والطاقات البشرية ومنها العمالة اليمنية وإعادة تأهيلها بحيث يتوجب على الحكومة أن تركز على التعليم الفني والمهني وبناء المعاهد والكليات التقنية المتخصصة على هذا الصعيد ، فالموارد البشرية هي أهم من الموارد المعدنية والنفطية ، لاسيما إذا وجدت من يهتم بها ويوليها الرعاية الكاملة ولسنا بحاجة إلى التأكيد بأن اليابانوالصين ليس لهما أية موارد طبيعية أو معدنية لكنهما فقط يمتلكان الموارد البشرية التي جعلت من الإنسان الجديد في هاتين الدولتين عنوان التنمية لهذه الموارد وقد أصبحت الصين القوة الاقتصادية الثانية في العالم بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية ، فيما اليابان تمثل القوة الاقتصادية الثالثة. - سادسا: العمل على تأكيد الفصل بين سلطات الدولة الثلاث على المستويين المحلي والمركزي وبصورة خاصة العمل على استقلال سلطة القضاء بعد غربلته من الشوائب ووضع نظام لاختيار القضاة والمناصب القضائية على أسس الكفاءة والمهنية وترك القضاة بأنفسهم يشخصون الأمراض السائدة في الجهاز القضائي ويضعون المعالجات لتلك الأمراض من خلال مؤتمر قضائي يخرج بتلك المعالجات.