ما هي القضية الأهم التي يجب أن تكون مركز الاهتمام والمحور الرئيس في كل ما يدور على الساحة اليمنية من حراك سياسي؟! لاشك بأن القضية الأهم في الوقت الراهن تتمثل بوجود دولة قوية آمنة مستقرة تتمتع بمقومات وسبل العيش اللائق والحياة الكريمة للجميع، ولا أعتقد أن هناك خلافاً على ذلك ، بل إن هذه القضية هي الوحيدة التي يتفق حولها الجميع بمختلف توجهاتهم السياسية والحزبية، لكنها - للأسف - لا تزال غائبة أو مغيبة لدى النخب السياسية والمتحكمين بزمام الأمور في البلد بينما الخلافات الهامشية التي تُعد عقبة كأداء أمام تحقيق الهدف الأهم وهو مصلحة البلد وأبنائه تستحوذ على كل الاهتمام. فما نجده على أرض الواقع هو أننا لا نزال غارقين في دوامة من المشاكل والأزمات والتي بدلاً من أن تشهد خفوتاً ولو نسبياً نجدها تتكاثر يوماً بعد يوم وتستجد أخرى أكثر خطورة من سابقاتها ليس على حاضر الوطن فقط بل وعلى مستقبله أيضاً، والسبب أن الخلافات والتباينات والقطيعة لا تزال حاضرة وبقوة بين الأطراف السياسية مع أن المفترض أن يكون توقيع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية بمثابة تدشين مرحلة جديدة في الحياة السياسية اليمنية عنوانها الشراكة الفاعلة بين كل القوى الوطنية على اختلاف توجهاتها السياسية والفكرية، شراكة فاعلة هدفها الأساسي مصلحة الوطن وخير أبنائه. أحزابنا السياسية لا تزال في طور المهاترات والمكايدات السياسية ولم تتجاوزها حتى الآن، وكما أنه لا يزال فينا من يعشقون صناعة الأزمات والمشاكل ، فهناك أيضاً متخصصون في إثارة وتأجيج الخلافات، فبين كل فترة وأخرى يخلق هؤلاء مبررات للخلاف والاختلاف ويعملون على تضخيمها جاعلين منها القضية الأهم بينما قد تكون هامشية لا تتطلب كل ذلك التضخيم والتهويل، ولا يكلفون أنفسهم عناء البحث عما يجمع الفرقاء وهي كثيرة مقارنة بالتباينات والخلافات السياسية القائمة والطبيعية بين القوى السياسية، لكن وكما يقول المثل العربي « الطبع يغلب التطبع» يبدو أن هؤلاء غير قادرين على تقمص أي دور غير دور نافخ الكير الذي جُبلوا عليه، وكأنه لا يطيب لهم العيش إلا في الأجواء المشحونة بالحقد والكراهية، فبدلاً من القيام بدورهم في ترسيخ الهوية الوطنية وتمتين أواصر التلاحم الوطني والحرص على مصلحة الوطن والحفاظ على النسيج الاجتماعي، والإسهام في إزالة الظواهر السلبية نجدهم على العكس من ذلك تماماً، يعملون على تكريس ثقافة الكراهية والتعصب واجترار الماضي وكثرة اللت والعجن في أمور لا يستفيد منها الوطن وأبناؤه في شيء بل تُعرقل كل ما يُبذل من جهود لإصلاح الأوضاع في البلد. إذا ما استمرت الأوضاع على هذا النحو فإننا لن نتحرك قيد أنملة في اتجاه تحقيق آمال وتطلعات الشعب في التغيير نحو الأفضل بل ستزداد الأمور سوءاً، حتى مؤتمر الحوار الوطني الذي يعول عليه محلياً ودولياً في الوصول إلى حلول جذرية للمشاكل والأزمات التي تعانيها البلاد، فإن السؤال المطروح الآن هو : هل سنصل فعلاً إلى مرحلة الحوار الوطني في ظل الخلافات التي لا تزال قائمة في الساحة الوطنية وتقف أمام إمكانية حدوث أي اتفاق أو توافق بين القوى السياسية لإنقاذ الوطن من حافة الانهيار؟! وكيف سينعقد الحوار ولا تزال أطراف الصراع تمارس نفس الأساليب القائمة على التخوين وتبادل الاتهامات والانشغال بأمور لاتهم الوطن ولا المواطن ، ولاتزال وسائل الإعلام تؤجج الخلافات القديمة منها والجديدة وتدفع باتجاه الصراع بدلاً من العمل على تقريب وجهات النظر بين الفرقاء؟! إن الشرط الأساسي والجوهري لضمان الوصول إلى الحوار الوطني يتمثل في ضرورة ابتعاد الجميع عن لغة الاتهامات المتبادلة والعمل بصدق من أجل معالجة كافة الاختلافات والتباينات السياسية ، سواء تلك القائمة أو التي نشأت مؤخراً، أما الاستمرار في انتهاج السياسات القائمة على المزايدات والمكايدات والمناكفات والتركيز على كل ما يفضي إلى الاختلاف والتناقض ويكرس الانقسام والتصادم ويزيد تعميقه بدلاً من التركيز على ما من شأنه إحداث التوافق والتقارب، فإن ذلك من شأنه أن يقضي على أي أمل في الوصول إلى الحوار الوطني.